كابوس جديد يلاحق اللبنانيين... أكثر من 15 ألف مبنى مهدَّد بالانهيار

21/02/2024 07:24AM

كتبت زيزي اسطفان في "الراي الكويتية":

انهيارٌ لم يسبّبه قصفُ عدوٍّ غاشم، وضحايا لم يسقطوا «شهداء الواجب»، بل هي واحدة من مآسٍ متسلسلةٍ في بلدٍ باتت أبنيةٌ وبيوتاتٌ فيه أشبه بـ «قنابل موقوتة» وصروح من كرتون.تتعدّد الأسباب، من تخاذل الدولة بمؤسساتها الرقابية، وإهمال البلديات لواجباتها، ومحاولات المواطنين الاستعلاء على القانون والاستقواء بقوى الأمر الواقع، ولكن النتيجة واحدة «دومينو» انهيارات مبان في العاصمة بيروت وضواحيها، كما في مدن أخرى أبرزها طرابلس، في كابوس جديد يعيشه اللبنانيون الغارقون في كوابيس لا تُحصى.

«الراي» جالت على جهات مختصة معنية مباشرة بملف الأبنية المتداعية والمنهارة لتستشف ّفداحة التهديد الذي تشكّله هذه المباني والأسباب الكامنة وراءه وتطلع من مديرية الدفاع المدني على جهوزية أفرادها للتدخل والإنقاذ متى وقعت الكارثة التي تنبئ بالتحوّل الى واقع متكرر لا مفر منه.هول المَشاهد التي تناقلتْها وسائل الإعلام المرئية عن سحْب جثث الضحايا الأربع من تحت ركام مبنى الشويفات الذي انهار ليل الاثنين، وقبْله سوريالية مشهد تداعي مبنى بأكمله وسقوطه على الأرض كما لو كان فيلماً سينمائياً خيالياً في صحراء الشويفات، وقبلهما سقوط أجزاء من مبنى قرب المدينة الرياضية، وفي وقت سابق انهيار بناية سكنية في منطقة المنصورية المتنية وسقوط عشرة ضحايا وتشرُّد عشرات العائلات.

صورٌ رغم قسوتها كادت تتحول إلى خبر يومي ينْتهي التفاعل معه بانتهاء عمليات الإنقاذ.الدفاع المدني اللبناني مستنفر على الدوام ومستعدّ للتدخل بشكل فوري. فرقة البحث والإنقاذ والبحث الميداني هي من الأهمّ تدريباً وعتاداً وكأن القدَر يريد أن يتلطف بلبنان ساعة وقوع الكارثة.عناصر الفرقة وسواهم من رجال الدفاع المدني يتوجّهون، بعتادهم المتطور وخبراتهم المكتسَبة على مر سنوات من الكوارث الطبيعية والمفتعَلة، الى مكان الحدَث من دون معرفة مدى صعوبة عملية الإنقاذ التي تنتظرهم ونوعية المعدات التي يحتاجون إليها.

ويقول أحد المراجع في الدفاع المدني لـ «الراي»: «في مبنى الشويفات كانت عملية انتشال الناجين والجثث أقلّ صعوبة من غيرها من عمليات البحث والإنقاذ، وقد استطاع الدفاع المدني خلال الليل انتشال أربعة ناجين وأربع جثث كلهم من التابعية السورية كانوا يسكنون المبنى الذي سبق لرئيس بلدية الشويفات زياد حيدر أن وجّه قبل عامين تحذيراً بشأنه وإنذاراً بإخلائه نظراً لتَصَدُّعه وعدم أهليته للسكن. والمبنى المنهار يقع تحت تلة جبلية شهدت مع استمرار هطول الأمطار لمدة خمسة أيام بشكل متواصل انجرافاتٍ في التربة وصلت الى أساسات المبنى وتسببت وفق التحقيقات الأولية بانهياره».

عملُ الدفاع المدني الإنقاذي على حرفيته يواجه صعوباتٍ كثيرةً ومنها فقدان الإدارة الموحّدة والطوق الأمني في مسرح العمليات. فتدافع الجمعيات والهيئات والمواطنين للمساعدة يصعّب العمل ويجعل الاستماع الى صرخات الاستغاثة أو أنين الجرحى أمراً صعباً في ظل الفوضى القائمة.

لكن كيف يمكن أن نعيب على الناس إنسانيتهم واندفاعهم لمساعدة اشقاء لهم في الإنسانية؟وإذا كانت عمليات الإنقاذ في مبنى الشويفات المنهار انتهت في غضون ليلة واحدة، فإن مبان أخرى قد تحتاج الى أيام لانتشال الناجين والجثث والى عتاد متطور وخبرات كبيرة ولا سيما إذا كان المبنى مؤلفاً من عدة طوابق انهارت بشكل متراكم كما حدث في منطقة المنصورية قبل أشهر قليلة حيت استمرّت عمليات البحث والإنقاذ عشرة أيام لتكون النتيجة النهائية عشر ضحايا.

ولو لم تتدخل العناية الإلهية في مبنى صحراء الشويفات الذي انهار أمام الشاشات (في 11 الجاري) وتعطي انذاراً للسكان من خلال الطقطقات الصوتية وبعض التفسُّخات لكانت حصيلة الانهيار عشرات من الضحايا والمصابين في المبنى المكتظ. إذ ما إن هرع سكانه خارجه بضعة أمتار حتى تهاوى واستلقى جزء منه على مبنى مجاور بات هو الآخَر مهدداً بالانهيار.هي صورةٌ عن واقع كارثي يحصد أرواحاً بريية ويهجّر عائلات تاركاً إياها بلا سقف او مأوى في أصعب الظروف المادية.

ولكن ماذا يخفي هذا الواقع ومن المسؤول عن«معالجته» إذا صحّ القول أو أقله تجنبه والتحذير من مخاطره؟المهندس شاكر نون مطلق مبادرة «بلدتي» التي تعنى بشؤون البلدات اللبنانية وتنميتها والحفاظ على شروط السلامة فيها، ومن منطلق معرفة واسعة بواقع البناء في مختلف المناطق اللبنانية، رسم لـ «الراي» صورة واضحة للأسباب التي تؤدي الى تكرار مأساة انهيار المباني في لبنان.

ويقول: «بلدية بيروت ونقابة المهندسين في بيروت لديهما داتا واضحة عن الأبنية المتهالكة التي يقارب عددها 50 في المئة من مجمل الأبنية. وهذه المباني في غالبيتها عمرها فوق الخمسين عاماً.

لكن هذا لا يعني أنها كلها آيلة للسقوط، فالفحص الدوري لهذه المباني يلحظ أي تغيّر فيها ويجنّب حصول الكوارث. لكن كما نعرف في لبنان لا فحوص دورية تُجرى على المباني، قديمةً كانت أو جديدة، وهذا من أبرز الأخطاء. من جهة ثانية وهي الأخطر، ثمة مناطق مختلفة في لبنان شهدت ارتفاع مبان غير مرخّصة شُيّدت على عجل وفي غفلة عن أي رقابة أمنية أو بلدية وفي ظروف أمنية غير طبيعية. ولم يشرف عليها مهندس ولم يتم فحص أرضها، وحتى نوعية المواد المستخدَمة في بنائها مشكوكٌ بأمرها. فالهدف كان السرعة في البنيان على حساب الجودة والمراقبة وذلك للتهرب من الرقابة الأمنية.

ورسمياً لا بد من إجراءات قانونية بحق هذه المباني المخالفة، لكننا نعرف أن الدولة اللبنانية اليوم غير قادرة على اتخاذ مثل هذه الإجراءات، كما أن بعض رؤساء البلديات يحاولون التغاضي عن الأمر لأسباب معروفة».ويضيف: «إذا كان الترخيص الممنوح من جهات مختلفة مثل التنظيم المدني واتحاد البلديات والبلديات وتوقيع المهندس هو ضمانة لسلامة المباني، لكن رغم ذلك يجب تأكيد أن المباني لها عمر معين يراوح بين 50 ومئة عام، ويخضع أولاً لنوعية الباطون والحديد المستخدميْن، وقد يطول أو يقصر وفق عوامل خارجية تصيب المبنى، منها التواجد قرب البحر، ملوحة الهواء، تَعَرُّض الحديد للهواء، الرطوبة وتَراكُم المياه ونوعية الأرض.

وغالباً ما تعطي المباني إشارات لتصدُّعها يمكن ان تشكل إنذاراً للقاطنين عليهم التنبه إليه، ومنها ظهور الحديد عارياً في السقف او تفسخات بالعرض في الجدران تشير الى تفكك الباطون عن بعضه وغيرها. من هنا مسؤولية الناس اولاً التعرّف الى مبانيهم ومراقبتها بشكل دوري وحثيث والإصغاء الى أنينها في حال وُجد».

ونسأل المهندس شاكر نون عن إمكانية البلديات رصد المباني المخالفة فيجيب: «البلدياتُ الكبيرةُ مجهّزة بنظام يعرف بنظام GIS وهو يربط الخرائط بمضمون العقارات ووُجهة استعمالها وبالتالي يتيح رصد داتا كاملة للمباني الموجودة ضمن نطاقها، ويصبح بالإمكان رصد المباني الواقعة خارج هذا النظام على كونها غير مرخصة.

وقد عملت وزارة التنمية الإدارية على تدريب البلديات على هذا البرنامج، لكنه في أحيان كثيرة بقي خارج الإستعمال إما لنقص في عديد البلديات وكوادرها الفنية أو لعدم الرغبة في تشغيله لأنه يحدّ من مجال الغش والرشوة والتلاعب بالقوانين. وما يعوق هذا النظام أن ثمة أراض مسجّلة على كونها شاغرة، ولكن عند البحث يتبين أن ثمة مبان عليها ما يعني أن هذه المباني أنشئت بدون ترخيص ولم تدخل في نظام GIS».

في المبداً يمكن ضبط المباني المخالفة غير المرخصة ولكن ماذا عن المناطق التي تشكل غيتويات أمنية، وتلك التي تشهد سيطرة القوى المحلية وقوى الأمر الواقع على مقومات البلدات؟ لا شك ان مسؤولية البلديات كبيرة لكنها ليست وحدها حتماً المسؤولة عن قمع الأبنية المخالفة.ويقول المهندس نون في هذا الإطار: «البلديات تقدم الداتا، أما اتخاذ القرار الإجرائي والتنفيذي فيعود الى المراجع الأمنية والقضائية وهو بالتأكيد يفوق مسؤولية البلديات.

ومن جهة أخرى فإن قانون البناء في لبنان مطاط ويسمح بنوع من التلاعب على القانون للاستحصال على رخص للبناء في أراض غير صالحة للبناء.

فمعروف ان طبيعة لبنان الجبلية تجعل 20 في المئة فقط من أراضيه صالحة للبناء، كما أن فيه أراض رملية قريبة من الشواطئ وأراض تسبح على برك مائية. ولذا فإن تجار البناء سعوا للحصول على أراض خطرة غير مرغوبة بأسعار زهيدة وهي أراض تقع تحت شير مثلاً، أو على حافة واد أو على أرض تم ردْمها فوق البحر أو في جانب نهر وأقاموا عليها مبان مرخّصة لكنها في الواقع معرّضة لخطر الانهيار.

وأسوأ ما في الأمر أن المُخالِف يشرّع نفسه في هذه الحال برخصةٍ، في حين أن على الدولة والبلديات وكل المختصين منع إصدار رخص بناء لهذا النوع الخطر من الأراضي».

أسباب متشعّبة أدت وستؤدي في المستقبل الى المزيد من انهيارات المباني ولا سيما مع التطرف المناخي الذي يشهده لبنان والذي يؤدي الى حدوث أمطار طوفانية وسيول وانهيارات للتربة. ولكن إذا لم يكن بالمستطاع التأثير على العوامل الطبيعية ألا يمكن على الأقل إنقاذ الأرواح وإنذارها قبل وقوع الكارثة لا سيما بالنسبة للمباني القديمة المتداعية المعرضة للسقوط؟يقول أحد المهندسين من نقابة مهندسي طرابلس لـ «الراي»: «هذه المباني محصاة ومعروفة ولا سيما في مدينتي طرابلس وبيروت. ولكن المشكلة أن البلدية حين تقوم بتحذير الأهالي وإبلاغهم بوجوب إخلاء المبنى فإنها لا تجد تجاوباً من قبلهم. وهذا أمر مفهوم إذ الى أين يذهبون في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وأين يجدون سقفاً يأويهم ولا سيما مع عدم قدرة البلدية أو هيئة إدارة الكوارث على تأمين مساكن بديلة او بدل سكن.

البلدية تقوم بواجبها من باب رفع المسؤولية لكن الناس لا يتركون بيوتهم. وحتى إذا أخلوا البيوت تأتي عائلات سورية لتملأ مكانهم مُراكِمَة المأساة فوق الأخرى».ويُذكر أن نقابة المالكين كانت حمّلت في بيان لها حكومة تصريف الأعمال الحالية مسؤولية «انهيار مبنى الشويفات وأي انهياراتٍ أخرى».

ونبهت الى أنه «اليوم سقط مبنى في الشويفات وغداً ستسقط مبانٍ أخرى ولن تحرّك الدولة ساكناً لأنها لا تتحمل مسؤولية سلامة مواطنيها»، مضيفة: «للأسف تحصل حوادث الانهيارات فيطالعنا النواب والوزراء بمواقف شعبوية لا ترقى الى مستوى تحمل المسؤولية ومعالجة أسباب السقوط، ومنها الإيجارات القديمة التي حوّلت المباني قنابل موقوتة يمكن أن تسقط في أي لحظة على رؤوس المالكين».

وشددت على «وجود أكثر من 15 ألف مبنى مهدد بالانهيار، والعدد الى ارتفاع بمرور الزمن واستهلاك المزيد من المباني القديمة من دون ترميمها».


المصدر : الراي الكويتية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa