ثورة ١٤ آذار... يوم مَجيد

14/03/2024 05:22PM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة": 

رغم كلّ الأحداث التي هزَّت لبنان، وكان لها التأثير السلبيّ عليه، منذ ثورة الأرز، في الرابع عشر من آذار ٢٠٠٥، تبقى هذه الثورة التي جمعت مليون لبنانيّ في ساحة الشُّهداء، هتفوا بخروج جيش الاحتلال السّوريّ من لبنان، علامة فارقة في تاريخ لبنان كلّه.

أتى دم الرئيس الشهيد رفيق الحريريّ رافعةً عملاقة لأحرار لبنان، نجحَت في حَشدِهم بمنتهى العفويّة الوطنيّة الصّادقة، وكانت الصّرخة الآتية من ألم سُنِّيّ ودرزيّ ومسيحيّ، يعود إلى عبقريّة نظام الأسد في الاحتلال والقتل والتعذيب والخطف والسّطو على كلّ شيء. ولا شكّ في أنّ ألمًا شيعيّا أيضا، مثَّلَه الشّيعة الذين لا يأتمرون بحزب الله وحركة أمل، وهم وإن لم يَظهَروا بأعداد كبيرة، إلّا أنّهم موجودون، ويحتفظون بنظرة صحيحة إلى لبنان المواطَنة، بعيدًا من الانتماء إلى مشيئة الخارج، أي إلى مشيئة ولاية الفقيه.

ماذا تَغيَّر من ثورة الأرز إلى يومنا؟

لقد فشِلَت الثورة في الاستمرار، لأنّ مكوّناتها السياسيّة لم تلتقِ حول استراتيجية واحدة، للسّير نحو بناء دولة المؤسّسات والمواطَنة السليمة. كما تراجَع بعض مكوّناتها لاعتبارات انتخابيّة، ولا شكّ في أنّ عمليّات الاغتيال التي طالت رموزًا كثيرة من ثورة الأرز كان لها التأثير الصادم على مسيرة الثورة، فبدل أن تكون الاغتيالات معموديّات دم، تشدّ أهل الثورة إلى بعضهم البعض كانت النتيجة معاكسة، إذ اكتفى ثوّار الأرز بالمآتم الكبيرة والتصفيق خلف النّعوش والخطابات التي تطرَح ما ليس يستطيعه أصحابها.

صحيح أنّ ثورة الأرز لم يُرِدْ لها أهلُها أن تستمرّ، غير أنّها لحظة وطنيّة فريدة تنتمي إلى الحلم الذي تَجسَّد حقيقةً، وإن لِوقت قصير جدًّا. وعليه، فقد استمرّ نبضٌ ولَو بِخَجَل في مواجهة مشروع حزب الله، الذي أخذ على المستوى اللبنانيّ ما كان في يد الاحتلال السّوريّ، وبدا المشهد واضحا: انتقال لبنان من قبضة دمشق إلى قبضة طهران.

صحيح أنّ ثورة الأرز انتهت، ولم تنجَح في التحوُّل مؤسّسة حزبيّة عملاقة، تجمع أهلها بعيدًا من الطائفيّة، إلّا أنّ مضامينها الوطنيّة لا تزال في صدور قواعدها الشعبيّة، لا في صدور زعمائها، الذين أثبتَت الأيّام منذ الرابع عشر من آذار أنّ طروحاتهم لا تتعدّى عمليّا الحفاظ على مواقعهم، بدليل الإقطاعيّة الشّرسة التي يمارسونها في أحزابهم، معتبرين أنفسهم زعماء أبديّين. هذا بالإضافة إلى غياب الشجاعة عن صدورهم، فمنهم مَن يعلّق العمل السياسي ويترك لبنان، ويتجاهل حكم المحكمة الدوليّة خِشية مواجهة حزب الله... ومنهم مَن عنده لكلّ يوم خطاب، ومنهم مَن يتفرّغ لِشَتْم فريق ينافسه على الزعامة في طائفته، ومنهم مَن يزحف مع طهران إن أتت به رئيس جمهوريّة، ويعادي الله إن قال له لن تكون رئيسا...

نعم هذه نماذج من مكوّنات ثورة الأرز، ولا ننسى تغطية كلّ هؤلاء لمشاريع قاتلة، ليس أوّلها اغتيال الشعب اللبنانيّ بسرقة أمواله في المصارف، وليس آخرها ترسيم الحدود المذلّ مع العدوّ الإسرائيليّ.

أمّا ثورة السابع عشر من تشرين فلقد حملَت شعبيّا نبْضَ ثورة الأرز الوطنيّ، غير أنّها ذات هدفَين: أحدُهما رفضُ الاحتلال سواء كان من طهران أو غيرها، والآخر رفض السّلطة السياسيّة الفاسدة، وأباطرة الأحزاب الذين تورّطوا في الفساد، إن في تعاطيه مباشرة، أو في تغطيته، فهؤلاء جميعا يعلنون أنّهم مع مكافحة الفساد ولا يسمّون الفاسدين، لأنّهم هم أهل الفساد الشرعيّون. 

وقد حاول "السياديّون" ركوب موجة الثورة، لمواجهة حزب الله بثوّارها، لكن لمّا عرفوا أنّ الثورة لا تأخذ الثأر لأحد، ولا تقتل بالأُجرة، وأنّها تطلب رؤوسهم كلّهم، اتّفقوا على الانقضاض عليها، مثلهم مثل حزب الله وحلفائه... وبعد أن تمكّنت الثورة من إيصال عدد من أهلها إلى المجلس النّيابيّ، عاد "السياديّون" إلى التسابُق على وضع هؤلاء تحت إبطهم سياسيّا، وما ساهم في إضعاف ممثّلي الثورة في المجلس النيابيّ عدم قدرتهم على التوافُق أو الاتّفاق، في الاستحقاقات المهمّة، مثل الاستحقاق الرئاسيّ...

إذًا، نحن نعيش لبنانيّا، بين زمن وآخر، ظواهِر أو أحداثًا وطنيّة كبيرة، تتغيّر تسمياتها، ويطرأ إضافات إلى أهدافها، غير أنّها ذات حِسٍّ وطنيّ صافٍ، هو خميرة تستطيع الفِعل والتوسّع عند أيّ مفترق سياسيّ كبير. ما يعني أنّ ثورة الأرز تُمدَح، ولا تُرثَى، طالما أنّ المهمّ منها ما كان دافعًا إليها، والأهمّ ألّا يَخسَر اللبنانيّون حِسّ النّضال والمغامرة نحو لبنان أفضل، مهما كان الطريق طويلًا


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa