مزار للقديس شربل في سيدني... نسخة طبق الأصل للنعش من الخشب الوردي

27/04/2024 02:46PM

عاد النائب العام في الرهبانية المارونية الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس الكسليك الأب جورج حبيقة إلى لبنان بعد زيارة إلى أستراليا ترأس خلالها عددا من الاحتفالات الدينية في زمن الصوم وزمن القيامة في دير مار شربل في سيدني.

وفي ختام زيارته تحدث إلى مدير مكتب "الوكالة الوطنية للإعلام" الزميل سايد مخايل عن أبرز محطات الزيارة ، فقال :" كنت سعيدأ جدا في هذه الزيارة التي قمت بها تلبية لدعوة من رئيس دير مار شربل الأب أسعد لحود. ترأست احتفالات أسبوع الآلام والجمعة العظيمة وعيد الفصح، وألقيت العظات في اللغتين العربية والإنكليزية. كانت الزيارة مكثفة وغنية على مختلف الصعد، علما أنني قد سبق لي أن زرت أستراليا  في العام ٢٠١٥ كمحاضر للشبيبة المارونية وألقيت آنذاك محاضرة تحت عنوان "الهوية المارونية في مجتمع متعدد الثقافات" . وهذا العام كان لدي لقاءات مهمة على الصعيد الروحي حيث ترأست احتفال الجمعة العظيمة في حضور كبار الشخصيات الأسترالية وحشد ضخم من المؤمنين تجاوز الـ ٢٠ ألف شخص. وشددت في كلمتي على أن العالم، اليوم هو فريسة منطق الموت وثقافة القتل، ولا شيء، ينقذه من ديناميكية تحطيم الذات هذه سوى جنون الصليب، وليس الإنسان، المجنون، الذي يتحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران Edgar Morin في عرضه لمراحل البشرية الثلاث، وهي : الإنسان المصنع Homo faber والإنسان الذكي والحكيم والفطن Homo sapiens، وفي مرحلتنا الحالية الإنسان المجنون Homo demens الذي يتحكم الآن في إدارة العالم. لذلك ليس هناك من خشبة خلاص سوى جنون الصليب المتجسد في حب، الآخر والتضحية بالذات من أجل إسعاده والغفران لمبغضينا وكسر حلقة العنف، لإنقاذ البشرية من مسارها الانتحاري، لأن  منطق، السعي إلى إذلال الآخر والهيمنة عليه وتهميشه حول التاريخ، إلى جلجلة مستمرة تتوالد من ذاتها في حضن المآسي والمصائب."

أضاف: "إلى ذلك، كان لي أيضا نشاطات متعددة، من ضمنها إطلاق احتفالات اليوبيل الذهبي لكنيسة مار شربل، حيث احتفل بالقداس الاول ليلة عيد الميلاد 1974 الأب بولس زيادة مؤسس رسالتنا في استراليا. ومذذاك الوقت، راحت رسالتنا تتوسع وتتجذر في دير للرهبان، ومعهد مار شربل للتلامذة من مرحلة الحضانة إلى الصفوف الثانوية، ومؤخرا بيت الراحة للمسنين. مسؤولون عديدون وجماهير رهبانية تناوبت على إدارة هذه المؤسسات وأعلت من شأنها بشكل مضطرد. نترحم على الذين منهم باتوا في دنيا الحق وخلدوا بإنجازاتهم الكبيرة، ونطلب مديد، العمر للذين هم بعد على قيد الحياة. تجدر الإشارة هنا إلى أن جمهور الدير الحالي المؤلف من الرئيس الأب الدكتور أسعد لحود الذي يتمتع برؤيوية ثاقبة واستشراف ذكي للآتي من الأيام وإدارة حكيمة تجمع الصرامة اللينة إلى الانضباطية المؤنسنة، وعشرة رهبان أفاضل يشكلون طاقة رعائية وتربوية كبيرة، سيخطون سطورا مجيدة في تاريخ ذهبي متألق وواعد."

وعن الانطباع الذي يعود به عن دور الرسالة الرهبانية في شكل خاص ودور الجالية اللبنانية في شكل عام، قال: "في الواقع، إن ما رأيته هنا يلقي بك في حضن الذهول. رأيت كنيسة مارونية طافحة بالقو،ة الروحية والزخم المؤسساتي، متجذرة ومتجددة لم أغال البتة عندما قلت إنهم يقيمون في أستراليا ويعيشون في لبنان. علما أنني قمت بزيارة أغلبية جالياتنا في العالم، كرئيس للجامعة ومحاضر. بدون أي، مبالغة، لم أر، مثيلا لشعبنا في أستراليا. أين ترى عائلات بأكملها تشكل كنائس بيتية بكل ما للكلمة من معنى؟ أين ترى هكذا انخراط بفرح واندفاع للشبيبة في الأعمال الكنسية والرعائية والوطنية؟ أين ترى حشودا ضخمة تتدافع في صفوف طويلة إلى هيكل الرب؟ إن هذا المشهد إنما هو حكر على كنيستنا في أستراليا. وهنا لا يسعني إلا أن أحيي، جهود، رهباننا الجبارة وشهادتهم الحياتية التي تجذب المؤمنين إلى مساحات الروح. كما وإنني أغتنمها فرصة لكي أحيي سهر، راعي الأبرشية المطران أنطوان شربل طربيه، إبن الرهبانية والصديق العزيز، ومتابعته الحثيثة واهتمامه البالغ بكل شؤون المؤمنين. إننا نفتخر بطاقاته الإبداعية وبالتنظيم المستدام لكل أنشطة الأبرشية،ونعتبرها اليوم الأبرشية الأولى خارج لبنان، لا بل إنها تدخل في تنافس جد،ي مع الأبرشيات داخل لبنان ."

وتابع: "بالنسبة للجالية اللبنانية اعتقد أن الفسيفساء اللبنانية انتقلت إلى أستراليا، واستوطنت هذه الجزيرة الضخمة من جنوب الكرة الأرضية، وخلعت على التنوع الأسترالي حلة خاصة. وما يهمني أن أذكره هنا هو أن الدولة الأسترالية تساهم ماديا ومعنويا في الحفاظ على الذاتيات الآتية من أصقاع متنوعة ومختلفة من العالم. فهي تحضن هذا التنوع الثقافي والديني وتخصبه في مخططات تنموية متعد،دة. فهي تحافظ على المبدأ الفلسفي القائل: عليك أن تكون، ذاتك لكي تكون، مع الآخرين. فاللبنانيون المقيمون في أستراليا عرفوا كيف يحافظون على ذاتيتهم المشرقية وأبقوا شعلة الحس، اللبناني متوقدة، وانخرطوا في المجتمع الأسترالي التعد،دي. لذا نلاحظ باندهاش قوي أن أستراليا الأبعد جغرافيا عن لبنان هي الأقرب حياتيا إليه. من هنا أهمية التنوع والمحافظة عليه. التنو،ع أساس الوجود. وخارج، التنوع موكب جنازة الحياة.والجدير بالإضاءة عليه هنا هو أن جاليتنا في أستراليا تختزن طاقات ضخمة في مجالات عديدة. الكثير من الأستراليين اللبنانيين يوظفون في لبنان ويساهمون في تمويل مشاريع تنموية ومعمارية واجتماعية. وهم يأتون مرارا وتكرارا إلى وطنهم الأم. على سبيل المثال لا الحصر، في الصيف الفائت،الحضور الكثيف للمغتربين وخصوصا من أستراليا رفع نسبة النمو في لبنان إلى 9 في المئة. غير أن حرب غزة وانخراط الجنوب فيها تحت مسميات متعددة، إبتداء بالإلهاء وانتهاء بالدعم والمساندة، أنزل نسبة، النمو، إلى ما تحت السفر. مهما يكن من أمر، إن الطاقة الاغترابية تشكل خشبة خلاص لبلد الأرز. هي وحدها بمقدورها أن تعيد إلى لبنان بهاء الماضي الجميل وأن تزوده في المقابل بطاقة تحديثية على الدوام." 

وقال: ""بالنسبة إلى إحضار نسخة طبق، الأصل لنعش مار شربل إلى دير مار شربل في سيدني في 8 أيار المقبل، أقل، ما يقال في هذا الموعد أنه سيكون حدثا كبيرا للجالية اللبنانية في أستراليا، إذ ستفتخر بأن يكون لديها مزار لقديس عنايا على درجة عالية من الأهمية الروحية. لا نغالي البتة في قولنا إن القديس مار شربل هو القديس العجائبي الأول في الكنيسة الكاثوليكية الجامعة. وأينما تذهب في العالم فإنك تجد كنيسة أو مزارا لتكريم قديس لبنان. في نسكه البطولي، ذوب مار شربل ذات،ه في الذات الإلهية، فأصبح موجودا في أي، مكان مع الذات الإلهية. ما يجب ذكره هنا هو أن النجار الذي نفذ نعش مار شربل في مزار عنايا هو نفسه الذي نفذ النسخة الثانية ومن الخشب الوردي عينه الذي بقي من النعش الأول. نتساءل هنا بحق لماذا أبقى النجار هذه الكمية من الخشب في مشغله ولم يمسها طوال هذه المدة الطويلة؟ إنها فعلا العناية الإلهية. في هذا النعش سيوضع تمثال لمار شربل من السيليكون مرتديا إحدى العباءات التي كانت على جثمانه عندما كان يرشح دما وماء في الخمسينيات، ورأسه مستلقيا على مخدة من الخشب. إن صدر،هذا التمثال سيستضيف ذخيرة مقدسة لا تقد،ر بثمن، ألا وهي قطعة من عظام مار شربل. سيتم، التطواف به في ضواحي سيدني وسط حشود ضخمة، برئاسة المطران أنطوان شربل طربيه، ومشاركة قدس الأباتي طنوس نعمة، رئيس دير مار مارون عنايا حيث ضريح القديس شربل، ورئيس دير مار شربل في سيدني الأب أسعد لحود."

وعن فصل الدين عن الدولة، قال: "يوجد مزج والتباس وعدم فهم لهذا الموضوع، إذ إن فصل الدين عن الدولة هو أمر طبيعي وتلقائي في لبنان ومنذ زمن بعيد. لبنان هو البلد الوحيد في جامعة الدول العربية الذي لا دينا رسميا له. لبنان يحترم جميع الأديان ولكن لا يلتزم باي، منها. بينما جميع الدول العربية تذكر في أولى مواد دستورها أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي. إن ما درج على تسميته في لبنان بالطائفية السياسية إنما هو تمثيل لأركان المجتمع التعددي في إدارات الدولة، وفق ما يحدده العالم الأميركي في العلوم السياسية أرند ليبهارت Arend Lijphardفي جامعة يل يونيفرستي Yale University. فهو يقول حرفيا: " في المجتمعات حيث يشكى من انقسامات حادة على الصعيد الأثني، أو اللغوي أو الديني، الديمقراطية العددية تفشل في مهامها. فالحل الوحيد هو حصرا في الدولة التوافقية Consociational State القائمة على مبدأ تقاسم السلطة انطلاقا من مكو،نات الشعب." وهذا التمثيل لا علاقة له بالدين انما بتمثيل المكو،ن الثقافي الذي تفرزه الأديان. على المسؤولين في لبنان أن يعيدوا قراءة تاريخ لبنان من أربعة آلاف سنة قبل المسيح إلى يومنا الحاضر، لكي يفقهوا أن المجتمع اللبناني التعد،دي خاضع إلى ثوابت، ليس بمقدور أي مكو،ن مهما علا شأنه وعظمت إمكاناته أن يحدث، أي تغيير فيها ولو طفيفا. إن ما أسمعه في أيامنا الحاضرة من بيانات وتصاريح متشنجة تصدر مقولبة تحت تأثير مباشر من منطق السعي المسعور إلى الهيمنة وتغيير وجه لبنان، السياسي والمجتعي والثقافي التعد،دي، يفضح مستوى متدن،يا من الإدراك ودرجة عالية من المناعة ضد، فهم أمثولات التاريخ."

أضاف في موضوع الفراغ الرئاسي: "قمت بدراسات متنو،عة وعلمية حول هذا الموضوع، فتبين لي أن المشر،ع اللبناني لم يخطر على باله أبدا أنه سيأتي يوم ويحر،،ف فيه فهم نصه الدستوري إلى هذه الدرجة المضحكة والمبكية. في جميع بلدان العالم، يمنع منعا باتا على النائب أن يغيب عن أي، جلسة في المجلس النيابي، أكانت تشريعية أم في الل،جان النيابي،ة، إلا لأسباب قاهرة، وعليه ان يبعث بكتاب يحد،د فيه سبب، الغياب لكي لا يتعرض للعقوبات. وهنا نتساءل بتعجب شديد، كيف أصبح في لبنان غياب النائب عن المجلس النيابي حقا دستوريا؟ كيف يحق، للنائب ألا يمثل من انتخبه في أعمال المجلس النيابي العادية؟ وكم بالأحرى عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ويصبح المجلس النيابي، منعقدا حكما لانتخاب رئيس للدولة؟ قسم كبير من مآسي لبنان الحالية متأتية من هرطقات دستورية لا مثيل لها في أي بلد ديمقراطي. إن الهدف وراءها إنما هو ابتزاز مبرمج، يراد منه أن يصبح حضور النائب إلى قاعة مجلس النواب عنوانا للصفقة والتسوية، وليس عملية ديمقراطية حرة. فالمشر،ع اللبناني لم يذكر في النص الدستوري أن حضور النائب إلزامي، لأن هذا الأمر بديهي وتلقائي ولا يناقش. في خلاصة الكلام، عندما نعود إلى الدستور نصا وروحا، تسقط عندها فورا مسألة الفراغ الرئاسي في لبنان".

وعن رأيه في الشلل في مؤسسات الدولة وما قد يهدد وجود، لبنان ويدفع إلى تفككه، شدد على أن "لبنان هو وطن أزلي ومنيع على نوائب الدهر ومصائبه. وعلينا أن نميز بين الدولة اللبنانية والوطن اللبناني. الدولة عابرة ومتبدلة، وتدار بين حقبة وحقبة من رجال دولة يشهد لهم على مثال الرئيس فؤاد شهاب الذي أوصل لبنان إلى أعلى مراتب الاستقرار والازدهار، أو من مسؤولين غير كفوئين، فاسدين ومفسدين، أوصلوا البلد إلى أسفل الجحيم. أما الوطن فهو صلب وذو بأس، صديق الحياة والاستمرار. ومن يشكك في كلامي، فليلق بنظرة على تاريخ لبنان المديد والمتشعب. لقد كبا بلد الأرز تحت احتلالات متتالية، من الألفية الرابعة قبل المسيح حتى اليوم. ولم تتمكن اي قوة احتلالية من إلغاء لبنان .وكل، الأزمات التي يعيشها اليوم بلدنا إنما هي أزمات غير وجودية، ومتأتية فقط من اختلال ظرفي في التوازنات بين الأركان الداخلية، من جهة، ومن معادلات إقليمية آنية، من جهة أخرى. فلبنان الرسالة صامد وثابت، وقدره الديمومة".

 


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa