ماذا بعد الانتخابات في فرنسا؟

08/07/2024 09:18AM

تصدر تحالف يساري نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية، حيث أحبط التصويت في الجولة الثانية تقدم اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، ومنح معسكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرصة للعودة من جديد. 

وأظهرت التقديرات الأولية تصدّر تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" واحتلال معسكر الرئيس ماكرون المرتبة الثانية، متقدماً على اليمين المتطرف الذي حل ثالثاً، من دون أن تحصل أي كتلة على غالبية مطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان). وحسب وكالة فرانس برس، حققت "الجبهة الشعبية الجديدة" اليسارية مفاجأة بحلولها في المرتبة الأولى، مع توقع نيلها 171 إلى 187 مقعداً من أصل 577 مقعداً في الجمعية الوطنية. 

أما معسكر ماكرون فقد أظهر قدرة على الصمود بعد شهر من مجازفة الرئيس بالدعوة إلى هذه الانتخابات المبكرة، مع توقع حصوله على 152 إلى 163 مقعداً، مقارنة بـ250 في حزيران 2022. دخل "التجمع الوطني" اليميني بقيادة مارين لوبان وحلفائها بقوة إلى الجمعية الوطنية الجديدة بعدد تاريخي من النواب (بين 134 و152)، إلا أنه بقي بعيداً عن السلطة مع تسجيله نتيجة مخيبة لتطلعاته مقارنة بما سجله خلال الدورة الأولى. 

وحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية 66.6%، وهي الأعلى منذ عام 1997. وصفت هيئة البث البريطانية "بي بي سي" نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية بـ"الدراما العالية"، حيث لم يتوقع أحد حدوث هذا. قالت الهيئة إنه قبل أسبوع واحد فقط كان كل الحديث يدور حول احتمال تحقيق "التجمع الوطني" اليميني الأغلبية المطلقة. 

وأعلن جان لوك ميلينشون، زعيم "الجبهة الشعبية الجديدة"، فور ظهور النتائج، أنه يجب على الرئيس أن يدعو الجبهة الشعبية الجديدة للحكم، وأصر على أن ماكرون وائتلافه قد خسروا. "الجبهة الشعبية الجديدة" (le Nouveau Front populaire) هي تحالف يضم 4 أحزاب يسارية: الحزب الاشتراكي (PS)، الحزب الشيوعي الفرنسي (PCF)، حزب فرنسا الأبية (LFI)، وحزب البيئة الأوروبية (Les Verts). وشُكل التحالف على عجل في اليوم التالي لحل الجمعية الوطنية على يد الرئيس الفرنسي. 

زقرر ماكرون حل الجمعية الوطنية بعد فشل معسكره في الانتخابات الأوروبية في 9 يونيو الماضي. في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية، احتلت "الجبهة الشعبية الجديدة" المركز الثاني بنسبة 27.99% من الأصوات، خلف حزب التجمع الوطني اليميني بقيادة لوبان، بينما حصل المعسكر الرئاسي على نسبة 20% فقط، حسب النتائج الرسمية التي كشفت عنها وزارة الداخلية. 

واعتبرت شبكة "سي إن إن" الأميركية أن "مقامرة ماكرون بالدعوة إلى الانتخابات المبكرة أبقت اليمين المتطرف خارج السلطة، لكنها أغرقت فرنسا في الفوضى". قالت الشبكة إن "النتائج النهائية جاءت بشكل مفاجئ مع تصدر اليسار الانتخابات التشريعية، بينما جاء اليمين المتطرف في المركز الثالث، وهو انقلاب صادم لنتائج الجولة الأولى التي جرت قبل أسبوع".

وأضافت أنه "مع فشل اليسار في الحصول على 289 مقعداً اللازمة للأغلبية، ومع ضعف معسكر الرئيس، فمن المتوقع أن تصبح الجمعية الوطنية أكثر انقساماً من أي وقت مضى". 

ونقلت "سي إن إن" عن رئيس الوزراء الفرنسي السابق، إدوارد فيليب، قوله إن الدعوة إلى انتخابات مبكرة أدت إلى "غموض كبير". فيما اعتبرت هيئة البث البريطانية أن "فرنسا سوف تشهد برلماناً معلقاً"، حيث لن يستطيع أي من التحالفات الثلاثة تشكيل أغلبية مطلقة من 289 مقعداً في البرلمان الذي يتألف من 577 مقعداً. 

وأعلن رئيس وزراء فرنسا، غابريال أتال، الأحد، أنه سيقدم استقالته إلى الرئيس ماكرون الاثنين غداة الانتخابات التشريعية، موضحاً أنه مستعد للبقاء في منصبه "طالما يقتضي الواجب" خصوصاً أن فرنسا تستضيف دورة الألعاب الأولمبية قريباً. 

وقال أتال حسب فرانس برس: "سأقدم صباح غد (الاثنين) استقالتي إلى رئيس الجمهورية". أضاف أنه فيما تستعد فرنسا "لاستضافة العالم بعد أسابيع قليلة" في مناسبة الأولمبياد "سأتولى بطبيعة الحال مهماتي طالما يقتضي الواجب ذلك". 

لكن لا يزال من غير الواضح من سيكون خليفة أتال، حسب "سي إن إن"، رغم أن نتائج الانتخابات تعني أن ماكرون قد يواجه احتمال الاضطرار إلى تعيين شخصية من الائتلاف اليساري، في ترتيب نادر يُعرف باسم "التعايش". 

ومع ذلك، ترفض شخصيات في حزب ماكرون العمل مع حزب فرنسا الأبية، أحد أحزاب الجبهة الشعبية الجديدة، قائلين وفق "سي إن إن" إنه متطرف تماماً وغير صالح للحكم، مثل "التجمع الوطني" اليميني. استبعد ميلينشون، زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري، تشكيل ائتلاف واسع من الأحزاب ذات التوجهات المختلفة، حسب وكالة رويترز. 

فيما قال السياسي اليساري المعتدل رافائيل جلوكسمان، وهو مشرع في البرلمان الأوروبي، إن الطبقة السياسية يجب أن "تتصرف مثل البالغين". 

وفي معسكر الوسط، قال رئيس حزب ماكرون، ستيفان سيجورن، إنه مستعد للعمل مع الأحزاب الرئيسية لكنه استبعد أي اتفاق مع حزب فرنسا الأبية. في بيان مقتضب مساء الأحد، قال قصر الإليزيه إن ماكرون ينتظر النتائج الكاملة لجميع الدوائر الانتخابية الـ577 "قبل اتخاذ القرارات اللازمة". أضاف: "سيضمن الرئيس احترام الاختيار السيادي للشعب الفرنسي". 

فرنسا ليست معتادة على هذا النوع من بناء التحالفات في مرحلة ما بعد الانتخابات، وهو أمر شائع في الديمقراطيات البرلمانية في شمال أوروبا، مثل ألمانيا أو هولندا، حسب وكالة رويترز. ستكون هذه منطقة مجهولة بالنسبة لفرنسا، إذ ينص الدستور على أن ماكرون لا يمكنه الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة قبل 12 شهراً أخرى. 

كما ينص الدستور على أن ماكرون هو الذي يختار من سيقوم بتشكيل الحكومة. لكن من سيختاره سيواجه تصويتاً بالثقة في الجمعية الوطنية، التي ستنعقد لمدة 15 يوماً في 18 آب. هذا يعني وفق رويترز أن ماكرون يحتاج إلى تسمية شخص مقبول لدى أغلبية المشرعين. 

ومن المرجح أن يأمل ماكرون في إخراج الاشتراكيين والخضر من التحالف اليساري، مما يترك حزب فرنسا الأبية بمفرده، لتشكيل ائتلاف يسار وسط مع كتلته. 

ومع ذلك، لا يوجد أي مؤشر على تفكك وشيك للجبهة الشعبية الجديدة في هذه المرحلة، وفق رويترز التي تشير إلى احتمال آخر يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط تدير الشؤون اليومية ولكنها لا تشرف على التغييرات الهيكلية.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa