بين سكربينة "إليسّا"... وكرسيّ "بعَبدا"

21/07/2024 09:12PM


كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

نَزعَت "إليسّا" سكربينتها على المسرح. وقامت الدنيا ولم تقعد. مع العلم، أنّ أكثر ما يثير في عالَم الفنّ الهابط، اليوم، ليس المنتَج الإبداعيّ بحدّ ذاته، لسبب بسيط، وهو أنّ هذا المُنتَج شِبه غائب.

وفي كلّ الأحوال، علينا أن نقتنع بأنّ زمن فيروز ووديع الصافي وصباح... قد ذهبَت هَيبتُه ورصانتُه. ونحن أمام مشهد جديد، يجب أن نتعوّد على بَلْعِهِ. وهذا الكلام لا يعني أنّ كلّ ما أتى به الفنّ في الأمس كامل الأوصاف، فَلِفيروز وغيرها من حناجر الأمس الشاهقة أغانٍ لم تُوَفَّق، وصارت نسبيّا في ذمّة النّسيان. غير أنّ فنّ ماضينا القريب ذو خصائص مختلفة، ومن غير الممكن أن يستمرّ بمَشهده المعروف والمُكرَّس إلى الأبد.

أمّا ما ليس مقبولا فهو ركوب سكربينة "إليسّا" ظَهْر الإعلام ووسائل التواصل، في ظلّ ما يعصف في أرضنا وأرض الآخرين من دم وجوع ومأساة لا يتّسع لها بِساط الوصف.

طبعًا، ليس من المقبول أيضا أن تستعمر المأساةُ كلامَنا وشاشاتِنا... لأنّنا بشَرٌ نستحقّ الحياة والفرح، رغْم كلّ ما يعاكسُهما.

لكن، لماذا تصير سكربينة مطربة، منزوعة على مسرح، حديثَ بضعة أيّام، يغطّي على أخبار الفراغ الرئاسيّ، والنّزوح السوريّ، والحرب جنوبا؟... 

ليس أسهل من الجواب، عندما نعترف بأنّنا نعيش فراغاتٍ لا حصر لها:

-فراغًا رئاسيّا، تَعوَّدنا عليه، حتّى وإن كان عندنا مَن يجلس على كرسيّ بعَبدا، والفراغ بوجود رئيس هو الأخطر والأكثر أذيّة.

-فراغًا فنِّيّا، جعَل العَين صاحبة القرار في مجال الغناء، على سبيل المِثال... لا سيّما عندما نكون في حضرة مطربة، تمتدّ حنجرتها المُثيرة من رأسها إلى أخمص قدمَيها...

-فراغًا سياسيّا، يُثبِتُه غياب العمل السياسيّ عن الساحة اللبنانيّة، فنحن نستطيع أن نغِيب عن سماع نشرة الأخبار اليوميّة بضعة أشهر، فلا يتغيّر علينا شيء عند عودتنا إلى كلاسيكيّاتها المُعادة... نعم، عندنا زعماء ذوو شعبيّة ومال، غير أنّهم ألغوا العمل السياسيّ من خلال ضرب الديمقراطيّة في أحزابهم أوّلا، وتفرّغوا لاصطياد الفُرص، بهدف توسيع نفوذهم وزيادة ثرواتهم، وغدًا يأتي الرابع من آب، ذكرى تفجير مرفأ بيروت، وسنسمع الخطابات السابقة نفسها، وربّما بِلا إعادة صياغة...

-فراغًا معرفيّا وثقافيّا، وقد يكون هذا الفراغ هو سبب تخلّفنا في مختلف المجالات، فغالبًا ما يهيّئ المفكّرون والأدباء والفنّانون للثورات الحقيقيّة، ولا شكّ في أنّ لبنان مُتخَم بأصحاب الشهادات، ومُفتقِر إلى المثقّفين. وللأسف الشديد، فإنّ السواد الأعظم من أصحاب الأقلام عندنا، ترتاح أقلامه في عَلّاقة مفاتيح أبواب بلاطات الأحزاب والسّلطة...

وإذا كانت الثقافة تعني الوعي لوجود الكائن البشريّ، والنَّقد، والرّفض، والهدم لبناء الأفضل، والشجاعة، والالتزام... فنحن في حاجة ماسّة إلى الثقافة، التي لا تَجود بها المدارس والجامعات فقط...

وأمام فراغات لا تُحصى، لا عجبَ إن رأينا سكربينة "إليسّا" تأخذ راحتها على كرسيّ "بعَبدا".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa