من "قواعد الاشتباك"... إلى أين؟

18/09/2024 10:50AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة"

ليس ما حصل أمس مِن موت وجراح ورعب مسألة عابرة، لأنّ "قواعد الاشتباك" كانت عنوانا لحرب طويلة، قد لا تنتهي إلّا بِنسف القواعد، وبمزيد من المأساة، وصولا إلى حسم ما.

أمسِ، عاش السّواد الأعظم من اللبنانيّين ألمًا كبيرا، وإن كان الكثيرون من هذا السّواد على طرَفَي نقيض مع حزب الله بما يمثّله من عقيدة، وما يقوم به من نشاط جهاديّ متواصل، مصادرا ما للدّولة من حضور على مختلف المستويات.

ولا شكّ في أنّ قلّة من اللبنانيّين تردّ على شماتة سابقة بشماتة حاليّة، وذلك لا يعني، على الرغم من سلبيّته، وقوفا إلى جانب العدوّ الإسرائيليّ ضدّ المقاومة الإسلاميّة، فرع لبنان، لأنّ القوى السياسيّة اللبنانيّة التي تُواجِه حزب الله تجتمع على أنّ الحلّ للمعضلة اللبنانيّة لا يكون إلّا بدولة قادرة، سيّدة، بكلّ مؤسّساتها، ولا بندقيّة إلّا بِيَد قواها الأمنيّة وحدها.

وبات واضحا أنّ حرب "طوفان الأقصى" الطويلة لن تنتهي إلّا بقرار ثنائيّ: إسرائيليّ إيرانيّ. 

وبات واضحا أيضا أنّ ولاية الفقيه ترفض القتال بِدم إيرانيّ، ومَن يسمع خامنئي، مرشد الثورة، متحدّثا عن حرب لا تنتهي بين الجبهة الحُسَينيّة، التي تمثّل الحقّ، والجبهة اليَزيديّة، التي تمثّل الباطل، مُساوِيا في الظّلم بين العدوّ الإسرائيليّ وأهل السُّنّة، يَعرف أنّ استراتيجيّة ولاية الفقيه ترمي إلى اعتبار المسجد الأقصى قِبلة أهل الشِّيعة، ومن المنطقيّ أنّهم لن يصلوا إليه إلّا بهزيمة أهل السُّنّة، المُمَثَّلين اليوم بحركة "حماس"، وغيرها، جهاديّا. وليس مِن العابر تصريح طهران في أنّها استطاعت تجنُّب حرب إقليميّة، عندما ضبطَت نفسها ولم تردّ على اغتيال اسماعيل هنيّه في أرضها.

إنّ ولاية الفقيه التي ترفض حربا إقليميّة في مُواجهة إسرائيل، لا سيّما أنّها تدّعي القدرة العسكريّة على إزالتها من الوجود، هي تنسحب من المُوَاجَهة، مكتفيةً بما حقّقته وستحقّقه من مكاسب في التسوية الإقليميّة والدّوليّة، التي تأتي بعد كلّ حرب.

وإذا كان كلام خامنئي غير كافٍ لإظهار الموقف الإيرانيّ، فإنّ كلام الرئيس بزشكيان يُزبل أيّ غموض مُحتَمَل، حين يعلن أنّ إيران ليست عدوّة أميركا، وأنّ بين الأميركيّين والإيرانيّين أُخُوَّة...

إنّ الذين سقطوا في مواجهة الاحتلال السّوريّ، والذين سقطوا في مواجهة الاحتلال الإسرائيليّّ، والذين تَهجّروا وخسروا بيوتهم وأرزاقهم وسلامهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والذين سقطوا في مواجهة داخليّة بين فريقين من طائفة واحدة، والذين سقطوا أو خسروا أعينهم في مواجهة سلطة لبنانيّة قاتلة... كلّهم أولاد ناس، ومِن غير الإنسانيّ ألّا يكون التّضامُن سيّد الموقف في حضرة الموت والألم اللبنانيَّين.

نعم، إنّ من حقّ كلّ مواطن أن يكون له الرأي السياسيّ الذي يشاء، وبِغَضّ النظر عن إمكانيّة الوصول إلى صيغة، أو نظام حُكم يضمَن السلام اللبنانيّ الداخليّ أوّلا، فإنّ اعتماد مبدأ التضامن الإنسانيّ يساعد في تخفيف كلفة الوصول، إذا كان من إمكانيّة للوصول.

نحن أمام المجهول، بعد ما حصل أمس. وكلّ الاحتمالات واردة، ومنها اجتياح إسرائيليّ وشيك، والمؤسف أنّ العالم بأسره يتفرّج، والسلطة اللبنانيّة عاجِزة ومُصادَرَة، والانشقاقات السياسيّة تزداد ارتداءً للطابع الغرائزيّ الانفعاليّ، بينما نحن في أمسّ الحاجة إلى الانحناء أمام الألم، والتّكاتُف الإنسانيّ.

أمّا على المستوى السياسيّ فإنّنا ندفع ثمن حرب نرفضها، مِثلما نرفض أن يكون قرار السلم والحرب بيد حزب الله. والحلّ واحد، ولا يكون إلّا بحضور الدولة الفاعل على كلّ أراضيها، ابتداءً من الجنوب.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa