لبنان واللائحة الرمادية… هل فقد المجتمع الدولي الثقة بالنظام المالي اللبناني؟

08:35PM

في خضمّ مشهد معقد سياسيًا وأمنيًا، يواجه لبنان اليوم تحديًا اقتصاديًا إضافيًا مع إدراجه على اللائحة الرمادية من قِبل مجموعة العمل المالي    (FATF) . ويأتي هذا التصنيف في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة وضغوطات إقليمية قد تؤدي إلى تداعيات مباشرة على الاقتصاد اللبناني.

وعلى الرغم من محاولات لبنان اعتماد بعض الخطوات الإصلاحية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تظل التحدّيات كبيرة، كما المخاطر، وتتزايد بذلك أهمية البحث بنتائج انعكاسات هذا التصنيف على الاستقرار المالي، وعلى علاقات لبنان الاقتصادية، بخاصة في ظل الأوضاع الأمنية الراهنة.

الدكتور محمد فحيلي، الباحث في الشؤون المصرفية والاقتصادية وخبير المخاطر، أكد في حديث لموقع "السياسة"، أن "إدراج لبنان على "اللائحة الرمادية" سيدفع المصارف المراسلة إلى إعادة النظر في تعاملاتها مع المصارف التجارية اللبنانية، وهو ما ينطوي على تداعيات مهمة على تمويل التجارة الخارجية وتسهيل عمليات الدفع العابرة للحدود. ويضيف أنّه حاليًا، "تتعامل نحو ستة مصارف مراسلة مع المصارف اللبنانية لهذا الغرض، إلا أن بعضها فرض إجراءات مشدّدة للحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فيما تعكف مصارف أخرى على تطبيق تدابير مماثلة".

وأشار فحيلي إلى أنّ "الاجتماع الأخير لمجموعة العمل المالي ناقش بعمق الاقتصاد اللبناني وضرورة الحد من الاعتماد على النقد، وتشجيع وسائل الدفع الإلكتروني عبر النظام المصرفي. وشدّد الاجتماع على تعزيز التدابير الخاصة بمكافحة غسل الأموال داخل المصارف التجارية، ولاسيما تلك التي تتعامل بشكل كبير بالنقد". وفي هذا السياق، لفت فحيلي إلى أن لبنان "يُصنَّف "متعاونًا جزئيًا" في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع توجيه ملاحظات للسلطات اللبنانية حول بطء تنفيذ القوانين المتعلقة، كالقانون 44/2015 الذي يجرّم 21 جريمة مالية".

وأوضح فحيلي أن "المجتمعين في مجموعة العمل المالي شدّدوا على أهميّة مواصلة الإصلاحات، وأعطوا لبنان مهلة لمدّة عام لمعالجة الثغرات، ولكن عدم اتخاذ إجراءات ملموسة أدى إلى إدراجه على القائمة الرمادية، مما أضرّ بمصداقيته الدولية".

اما بالنسبة للأفراد والشركات الذين يقومون بعمليات مالية عابرة للحدود، فإنهم سيواجهون برأي فحيلي مزيدًا من المتطلبات الإجرائية، بما في ذلك تقديم وثائق إضافية لإثبات مصادر الأموال. كذلك، سيكون عليهم التحلي بالصبر، حيث ستستغرق التحويلات وقتًا أطول وتكلف مبالغ أعلى نتيجة التشدد الرقابي الجديد.

ورغم هذه التحديات، يرى فحيلي أن لبنان "لن ينفصل عن النظام المالي العالمي كليًا"، مشيرًا إلى أنّ "هناك نحو عشرة مصارف من أصل 54 بنكًا لبنانيًا ما زالت تحتفظ بعلاقات قوية مع المصارف المراسلة، على الرغم من صعوبات عديدة مرّ بها القطاع، كأزمة الديون وقرار التوقف عن السداد خلال فترة حكومة الرئيس دياب، إضافة إلى تداعيات انفجار مرفأ بيروت وأزمة النزوح السوري. وهذه المصارف أثبتت قدرتها على التكيّف مع الأزمات وتجاوزها، كما استمرّت في إدارة التدفقات المالية المرتبطة بالمساعدات الدولية وإعادة الإعمار بعد حرب 2006".

وأشار فحيلي إلى أن "الحفاظ على سمعة المصارف اللبنانية يعتمد على كفاءتها في إدارة مخاطر الائتمان، ومكافحة غسل الأموال، والتخفيف من مخاطر السمعة. وعلى الرغم من أن العملاء سيواجهون عبئًا إضافيًا في ما يتعلّق بالوقت والوثائق والتكاليف، فإنّ تدفّقات النقد من الخارج قد تستمرّ من دون تأثّر كبير، طالما أن هذه التحويلات تأتي من مصادر شفّافة وموثوقة".

وختم فحيلي بأنّ "المساعدات النقدية المقدمة من المجتمع الدولي قد توفّر دعمًا للاستقرار المالي، بخاصة إذا استُخدمت بكفاءة وشفافية. وعلى الرغم من ذلك، فإن لبنان يحتاج إلى تعزيز سياساته النقدية وتفعيل دور مؤسساته المالية، إضافة إلى تطبيق القوانين الخاصّة بمكافحة الفساد، وحماية الحدود، وضمان استقلالية القضاء".

من جانبها، علّقت الدكتورة ليال منصور، المتخصّصة في الاقتصاد النقدي، في حديث لموقع "السياسة"، على تأثير إدراج لبنان في "اللائحة الرمادية" وما قد يترّتب عليه من تباطؤ في حركة الأموال، مؤكدةً أنّ "هذا التصنيف سيؤدي إلى فقدان الثقة في النظام المالي اللبناني، كما أنه قد يدفع الأموال إلى الهروب من لبنان تجنبًا للمخاطر المحتملة.

وقالت منصور إن "لبنان يعتمد بشكل كبير على تحويلات المغتربين التي تمثل أكثر من 25% من الناتج المحلي، إلا أن هذا المصدر الحيوي للعملة الأجنبية قد يواجه تحديات إضافية".

وأشارت منصور إلى أن "الاقتصاد اللبناني يعتمد أساسًا على الدولرة، حيث يستخدم الدولار الأميركي كعملة رئيسة في معظم التعاملات المالية والتجارية، في حين أن الليرة اللبنانية فقدت أهميتها إلى حد كبير وتُستخدم فقط في المعاملات اليومية البسيطة.

وأوضحت أنّ "سياسة حاكم مصرف لبنان الحالي وسيم منصوري، بعدم طباعة الليرة، ساعدت في الحفاظ على استقرارها النسبي، قائلةً: "لو كان المصرف المركزي يلجأ إلى طباعة العملة، لكانت الليرة في حالة تدهور أكبر".

ورغم هذا الاستقرار النسبي، ترى منصور أن "البنوك اللبنانيّة ستتحمّل تكاليف إضافيّة نتيجة التحقق الإضافي في كل تحويل مالي، وهو ما سيرفع التكاليف على العملاء ويرفع من سمعة لبنان السلبية. وقد يؤدي هذا إلى تجنب بعض الدول والشركات التعامل مع لبنان مستقبلًا، حيث أصبح البلد مرتبطًا بمخاطر تسهيل غسل الأموال وتمويل الإرهاب".

إنّ إدراج لبنان على "اللائحة الرمادية" يشكّل جرس إنذار يتطلّب من السلطات اللبنانية القيام بإصلاحات جذرية وشاملة على الأصعدة المالية والقانونية لتحسين سمعة لبنان وتجنّب العزلة الاقتصادية. ويتطلب هذا التحدي تعاونًا بين المؤسسات المالية والحكومية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتحديث النظام المالي، بما يضمن حماية المصالح الوطنية ويعيد الثقة إلى النظام المصرفي.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa