لبنان الحضارة والتاريخ لم يستسلم

12:31PM


الكاتبة ليلى حجازي مستشارة علاقات عامة

لبنان، هذا البلد الصغير بمساحته، الكبير بتاريخه وتنوعه، يقف في موقع استراتيجي يجعله محط أنظار القوى العالمية، شرقية كانت أم غربية. على الرغم من مساحته الضئيلة، فإن أهميته تتجاوز حدوده، مما يجعله دائمًا في قلب التنافس بين الدول الكبرى، ليصبح ساحة تصفية حسابات جيوسياسية، تتجلى اليوم في حرب الاستنزاف القائمة بين امريكا واسرائيل من جهة وايران من جهة أخرى.

يرتبط لبنان بأهمية خاصة للغرب نظرًا لموقعه الاستراتيجي على المتوسط وقربه من شواطئ أوروبا التي باتت تخشى عمليات الهجرة وتنفق مليارات الدولارات لمواجهتها، وبالإضافة إلى أهمية موقعه، مَثّل لبنان بوابة للتواصل الثقافي والتجاري بين الغرب والشرق وشكل منصة للمصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط. 

تاريخيًا.. لطالما تمتع هذا البلد الصغير جغرافياً والكبير ثقافة وتنوعاً بعلاقات متميزة مع الدول الأوروبية،خاصة مع فرنسا، التي تمتلك تاريخاً طويلاً  من العلاقات الثقافية والسياسية مع بلدان المتوسط، وثقلها المؤثر دولياً بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي..

وبالنسبة للشرق، يمثل لبنان موقعاً استراتيجيًا بسبب قربه من إسرائيل وسوريا،  الدولتان محط الاهتمام الاكبر لسياسات القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، ناهيك عن كونه منصة لحركات المقاومة في المنطقة تشكلت خلال عقود من الزمن فلطالما كان هذا البلد مقراً لقوى التحرير الفلسطينية ومستقراً للقوى القومية العربية ، ما جعله محورًا أساسيًا في التوازن الإقليمي من منظور العالم الشرقي.

إن مطامع القوى الخارجية في لبنان ليست جديدة، إذ تتزايد بشكل كبير بسبب موقعه الجغرافي الذي يربط بين قارات عدة، وثرواته البحرية المكتشفة حديثًا التي باتت محط الأنظار الاسرائيلية والاقليمية على حد سواء .

ولا شك بأن التنوع الثقافي والطائفي في لبنان جعل منه محطة استقطاب لدعم طوائف ضد بعضها لتعزيز السباق والتنافس الاقليمي في المنطقة.

، ليصبح ساحة مناسبة لاستعراض النفوذ على حساب لبنان وشعبه المحب للحياة.

لم يشهد لبنان استقرارًا سياسيًا حقيقيًا منذ عقود، ويرجع ذلك إلى التدخلات الخارجية الدائمة. فبعد الاستقلال، بدأت القوى الكبرى في محاولة التأثير على الساحة السياسية اللبنانية، سواء عبر الدعم المباشر للتيارات السياسية أو من خلال الحروب الأهلية التي شهدها البلد.

منذ سبعينيات القرن الماضي، دخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقًا معركة النفوذ في لبنان، وحملته الى ساحة للحرب الباردة، واستمرت التدخلات الدولية في العقود اللاحقة، لتشهد البلاد تجاذبات إيرانية - سعودية، وأمريكية - روسية، حيث تلعب كل قوة دورها عبر دعم أطراف داخلية في البلاد لتحقيق مصالحها.

اليوم، يتجلى هذا الصراع الإقليمي والدولي من جديد في الحرب القائمة بين إسرائيل ولبنان، حيث يتضح أن الصراع يتجاوز حدود لبنان ليشمل صراعًا بين الولايات المتحدة وإيران، فكلتا الدولتين تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي، وإسرائيل تُعد أداة ضمن هذا الصراع.

رغم كل ما مر به من حروب وأزمات، أظهر الشعب اللبناني صمودًا استثنائيًا وقدرة عالية على التكيف والبقاء، عانى اللبنانيون من ويلات الحروب والصراعات، وتكبدوا تكاليف باهظة من دمار البنية التحتية وخسائر في الأرواح، لكنهم ظلوا متمسكين بحقهم في الحياة والسلام. هذا الشعب الذي تحمل عقودًا من الصراعات الطائفية والتهديدات الخارجية، يستحق اليوم أن ينعم بالاستقرار والأمان وأن يتمكن من بناء دولة قوية وحرة.

لتحقيق الاستقرار في لبنان، يجب التركيز على بناء مؤسسات دولة قوية ومستقلة تتجاوز الانتماءات الطائفية والسياسية الضيقة، وعلى الشعب اللبناني أن يسعى إلى بناء مؤسساته التي تحاكي التطورات العالمية وتعزز استقلاليته، من خلال بناء دولة مدنية حديثة تعتمد القانون لا المعتقد أساساً لنظامها وتعاملاتها.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa