شارع الحمرا يستعيد عزه... النزوح الداخلي يعوّض خسائر السياحة

13/11/2024 07:03AM

كتب اتحاد درويش في "الأنباء الكويتية":

يزدحم شارع الحمرا في بيروت بالحركة الكثيفة نتيجة نزوح آلاف العائلات، هربا من الغارات الإسرائيلية التي دمرت معظم بيوتهم أو أصابتها بأضرار بفعل توسع دائرة القصف العنيف الذي لم يهدأ منذ 17 سبتمبر الماضي، وطاول قرى وبلدات واسعة في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية التي اضطر أهلها إلى مغادرتها قسرا، آملين بالعودة اليها وإعادة بناء ما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية.

الرجل السبعيني من مدينة النبطية الذي جلس على حافة يحتسي فنجانا من القهوة استرجع ذكريات الماضي، وقال لـ «الأنباء»: «كنت طالبا في الجامعة الأميركية أمضيت خلال دراستي أوقاتا جميلة ولطالما التقينا وأصدقائي في المقاهي القديمة التي شكلت ملتقى الأدباء والشعراء. كنت ارتاد مقهى «المودكا» مع زملائي ونتبادل أحاديث الدراسة ونتسمع إلى رواده من المثقفين اللبنانيين والعرب. لكن أحوال الشارع تبدلت ليس اليوم، بل منذ سنوات. والشارع الذي تميز بالسياح العرب والأجانب أعاد النزوح إلى ذاكرتي أيام عزه. نعم استرجعت أيام عز شارع الحمرا في هذا الوقت العصيب، بعد أن انتقلت إلى هنا مع عائلتي وخسرت منزلي. لكن العودة إلى قرانا لابد منها».

شارع الحمرا الذائع الصيت الذي تميز لعقود طويلة بتنوعه الثقافي والتعليمي ودوره الاقتصادي والتجاري والاستشفائي، تراجع دوره في الأعوام الأخيرة نتيجة انهيار الدولة والاقتصاد. وهو اليوم كغيره من المناطق تحول إلى مساحة أمان، وجد فيها النازح السكون والسكن والطمأنينة باحتضان الشارع عددا كبيرا من النازحين الذين توزعوا على الفنادق والشقق المفروشة، وغيرها من الأبنية التي فتحت أبوابها في لفتة طيبة تنم عن حسن الاستقبال.

مع بداية موجة النزوح شهد شارع الحمرا حركة واسعة باتجاهه وامتلأت الفنادق الكبيرة منها والصغيرة بالنازحين، إلا أنها بدأت بالتراجع تدريجيا على ما يقول مدير العمليات في أوتيل «كافاليية» أيمن ناصر الدين لـ «الأنباء».

«نحن كغيرنا من الفنادق استقبلنا عددا كبيرا من النازحين في منتصف شهر سبتمبر. إلا أنه ومع بداية شهر نوفمبر بدأ العدد بالتراجع. فالعائلات المكونة من خمسة أشخاص وما فوق ما عادت تناسبها غرفة واحدة يتراوح سعرها ما بين 50 إلى 60 دولارا في الليلة الواحدة، إلى مصاريف تشغيلية. وهذه الاسعار تنطبق على بقية الفنادق، وبعضها وصل الى 150 دولارا في الليلة الواحدة بحسب المواصفات، فيما أمكن إيجاد غرف بسعر 40 دولارا».

وتابع ناصر الدين: «تراوحت حركة الإشغال في الفنادق من 70 إلى 90% مع بداية النزوح. هناك عائلات بقيت أياما معدودة، وأخرى فترة شهر، وقد سميتها انطلاقا من خبرتي بالفترة الانتقالية إلى حين إيجاد البديل، أي الشقق للانتقال اليها، بعد أن وصل إيجار الغرفة الواحدة إلى 1500دولار في الشهر. الجميع يريدون مطبخا لتحضير الطعام، اذ لم يعد بإمكانهم طلب «الدليفري»، ما دفع بالكثيرين إلى المغادرة والبحث عن شقة بأقل من هذا السعر».

ولفت ناصر الدين «إلى أننا مررنا بفترة جيدة نحن وغيرنا من العاملين في الفنادق، اذ كان السياح من الإخوة المصريين والعراقيين يملأون الفندق وغيره في الحمرا. ومع بداية حرب غزة «اخترب بيتنا»، فانخفض العدد من 70 إلى 20%، وفي فترة النزوح استطعنا التعويض خلال شهر بعض من الخسائر التي تكبدناها طوال سنة».

يزدحم شارع الحمرا بالمارة وبالأعداد الكبيرة من السيارات التي ركنت على جانبي الطريق. وتلاحظ حركة إقبال على الشراء نحو المحال التي تسمى «بالأوت ليت» وأفران المناقيش والسوبر ماركت. «لا تنغشي بعجقة السير» يقول أحد أصحاب المحال، ويصفها «بالطبيعية شأن ما تشهده مناطق عدة نتيجة النزوح الكبير. لا أرقام دقيقة تشير إلى العدد هنا، وصحيح أن الطلب على الشراء تبدل بعد سنوات من الركود. البيع في يوم واحد يساوي شهرا كاملا، وهذا أمر طبيعي، بعد أن تحول الشراء من المناطق التي نزحوا منها إلى شارع الحمرا».

في الشارع الرئيسي في الحمرا جلس بعض رواد المقهى الذي تبدل أسمه ليصبح مقهى «Rossa». وقال صاحبه عماد الداعوق لـ «الأنباء»: «تبدل المشهد في هذا الشارع تبدل على نحو واسع. اليوم ومع تراجع السياحة بسبب حربي غزة ولبنان بنسبة 50%، أصبح الزبائن من إخواننا النازحين في فترة النهار. أما عند المساء وحتى منتصف الليل فتتراجع الحركة إلى الصفر».

في شارع المقدسي الموازي للشارع الرئيسي أوقف أحد النازحين سيارته عند مفترق الطريق عارضا بيع ما تيسر من زيت الزيتون الذي حمله معه من القرية، قبل أن يغدر به صاروخ قضى على ما تبقى من جنى العمر كما قال.

«الزيت هو المؤونة الرئيسية في البيوت، وليس أغلى من الأرواح التي تزهق يوميا بفعل هدم البيوت على رؤوس ساكنيها وتحويلها ركاما. كان علي عند مغادرة قريتي مع عائلتي المؤلفة من خمسة أشخاص أن أنقل بعض ما تبقى من زجاجات الزيت وهي من الموسم الماضي. لا موسم هذه السنة بعد أن أصبحت أشجار الزيتون رمادا بفعل القصف العنيف الذي قضى على القرية التي استشهد فيها عدد كبير من أبنائها، ودمرت بيوتها على نحو واسع لم نشهده في الحروب السابقة. لقد قضى العدو الإسرائيلي على كل شيء، فكيف السبيل إلى العودة التي يبدو انها ستكون متعذرة؟ لكننا سنعود يوما».


المصدر : الانبء الكويتية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa