المنطقة تهتزّ ولبنان يستنفر على الصعيد الأمني

10/12/2024 07:22AM

لا يمكن الركون لأيّ من القراءات التي تسرح في خيالها بعيداً، وتبتدع فرضيات وترسم سيناريوهات خيالية لما بعد الإطاحة بالنظام السوري، حيث أنّ العَالِم الوحيد بما في باطن هذا الحدث، هو «المايسترو» الذي أعدّ مخطط هدم النظام في سوريا وإخراج بشار الاسد من السلطة، ومعه مجموعة من الشركاء الإقليميين الذين أنيطت بهم مسؤولية الرعاية التنفيذية لترجمة الانقلاب على الارض. على أنّ السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا الانقلاب: ما هو مصير سوريا، ومن سيحكمها؟

غموض

وسط هذا الغموض، يستحيل تقديم إجابات واضحة ودقيقة تحدّد أيَّ سوريا بعد الانقلاب، وخصوصاً انّ الامور ما زالت في بدايتها، وليس معلوماً إن كانت سوريا ستبقى ضمن حدودها الجغرافية، أو ما إذا كانت ستبقى دولة وفيها سلطة وادارات ومؤسسات - إن كان هناك انتقال سلس للسلطة- أو تصبح مجموعة دول في دولة إنْ سلكت مسار الفوضى؟

في تقييم مصادر سياسية للانقلاب التغييري في سوريا، فإنّ المنطقة تهتزّ، والحدث السوري يفتح الباب واسعاً على تغيّرات جذرية وإعادة رسم خرائط المنطقة السياسية والجيوسياسية بشكل مختلف جذرياً عمّا كانت عليه، وخارج ما يسمّى دول محور الممانعة التي كانت سوريا مع الحكم السابق تشكّل حلقة الوصل فيه. وتبعاً لذلك، فإنّ انهيار النظام السابق في سوريا يبدو أنّه خطوة اولى في مخطط هدفه واضح بتغيير وجه المنطقة، وجعل كل دول المحور وأنظمتها تتهاوى كأحجار الدومينو دولة تلو الاخرى. ما يعني والحالة هذه أنّ المنطقة برمّتها باتت بعد الانقلاب في سوريا على شفير حقبة دقيقة جداً إن لم تكن حقبة متفجّرة».

الرابح الوحيد

يتقاطع هذا التقييم مع قراءة سوداوية قدّمها مسؤول رفيع لـ«الجمهورية»، يستهلها بالقول: «بمعزل عمّا إذا كان الانقلاب قد حصل من طرف واحد، او من تقاطع مصالح دول المنطقة، فإننا امام تحول كبير، حيث سقط النظام السوري وانطوت صفحة حكم لأكثر من 50 عاماً، وبتنا أمام مشهد مجهول لناحية ما ينطوي عليه من مخاطر وتعقيدات».

وبحسب المسؤول عينه، فإنّ ثمة رابحاً وحيداً من كل ما جرى في سوريا أو ما قد يجري من حولها، هو إسرائيل (ومن خلفها بالتأكيد الولايات المتحدة الاميركية)، التي، أي إسرائيل، سارعت اعتباراً من اللحظة الاولى لنجاح الانقلاب، إلى فرض واقع احتلالي جديد في سوريا عبر التوسّع والتوغل نحو 20 كيلومتراً داخل الأراضي السورية في الجولان وجبل الشيخ، وقد تتوغل أكثر لأنّ الفرصة مؤاتية لها، وطيرانها الحربي يتحرّك بحرّية تامة في الأجواء السورية، ويشن ضربات إنهاكية لقدرات الجيش السوري.


وعلى ما يقول المسؤول عينه، فإنّ «كل الآخرين، من بينهم الشركاء المباشرون او غير المباشرين في الانقلاب، خاسرون. وهذا ما ستؤكّده المرحلة المقبلة. فيما سوريا ليس ما يضمن بقاءها كدولة، والمؤشرات تشي بوضعها في وقت ما قد لا يكون بعيداً على مائدة التقسيم، ومقدمة ذلك، تكرار النموذج الليبي، حيث أنّ الاحتفالات التي تقيمها قطاعات المعارضة المختلفة في سوريا، سبق أن أقيمت احتفالات مماثلة لها في ليبيا، وأما النتيجة فهي أنّه بعد ما يزيد عن 14 سنة، لم تعد ليبيا دولة، بل أصبحت كياناً فوضوياً مفككاً ومتناحراً بلا مقدرات او قدرات، لا شكل لدولة فيه ولا حتى لمؤسسات، وأشبه ما يكون بدويلات داخل دولة، لكل دويلة فصيل يحكمها».

وإذ يلفت المسؤول إلى أنّ الانقلاب في سوريا، يعزز المخاوف من أن يكون العراق في عين العاصفة في مرحلة لاحقة، عبّر عن خشية كبرى من أن تكون الخطوة التالية بعد سوريا هي غزة والضفة الغربية، حيث انّ ما جرى في سوريا قد تتغطى به إسرائيل لاستكمال إجهازها على قطاع غزة، وإطباقها الكامل على الضفة الغربية ودفع أهلها في اتجاه الاردن».

ماذا عن لبنان؟

وأما داخلياً، فإنّ السؤال الأساس هو ماذا عن لبنان؟ وهل سيتبع التطورات في تحرّك ما للمعارضة التكفيرية في اتجاهه؟ وماذا لو حصل ذلك، أي واقع سيفرض على البلد؟

الجو العام في لبنان يفيد بأنّ إطاحة نظام بشار الأسد، صدم حلفاءه في لبنان، وعمّم عليهم تخبّطاً وإرباكاً، وشعوراً قاسياً من السقوط المدوّي لما تبين انّه نظام من ورق. فيما في المقابل أصاب بالنشوة كل التوجّهات الداخلية المخاصمة او المعادية للنظام السوري المنتهي، وعبّرت عن ذلك بسلسلة تحركات ابتهاجية في العديد من المناطق اللبنانية، بالتوازي مع اندفاع بعض توجّهات المعارضة إلى الدعوة العلنية لأن يشمل التغيير في سوريا لبنان والتحرر من سطوة «حزب الله»، مع مطالبات متتالية للحكومة باتخاذ الإجراءات الآيلة الى تسريع التواصل مع الجانب السوري في ظل النظام الجديد لجلاء مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، والعمل على نقل المعتقلين المحررين، الذين تحدثت معلومات عن الإفراج عنهم بعد تحرير السجون، إلى لبنان».

لننتظر اكتمال المشهد

وعلى ما يقول مرجع كبير لـ«الجمهورية» فإنّ «موقعنا الجغرافي يجعلنا نتأثر بكل ما يحدث من حولنا، وبالتالي لسنا في منأى عمّا حدث في سوريا، ولكن دعونا لا نتسرّع في التحليل، ولا ندخل في تقديرات مبالغ فيها للتداعيات، فلنصبر إلى أن يكتمل المشهد في سوريا ويرسو على الصورة التي سيرسو عليها».

ولا يقلّل مرجع أمني من دقّة المرحلة وخطورتها، وأبلغ إلى «الجمهورية» قوله انّ التطورات في سوريا فرضت عبئاً ضاغطاً بقوة على لبنان، إن على مستوى الداخل، حيث سارعت الاجهزة الأمنيّة والعسكرية إلى رفع درجة اليقظة والإستعداد في هذه المرحلة لمواجهة أيّ تحرّكات مشبوهة لأفراد او خلايا ارهابية تابعة لجبهة النصرة او «داعش»، وخصوصاً في مناطق انتشار النازحين السوريين».

او على مستوى الحدود، يضيف المرجع عينه، «اتخذت اجراءات بالغة الشدّة على المعابر الشرعية لضبط خروج او قدوم السوريين إلى لبنان، فيما اتخذت قيادة الجيش بدورها سلسلة من التدابير لحماية الحدود وإقفال المعابر غير الشرعية، وعززت انتشار الوحدات العسكرية لردع أي محاولة لتسلّل المجموعات الارهابية في اتجاه لبنان، ووحدات الجيش على جهوزية كاملة للتصدّي لهؤلاء.


ورداً على سؤال، طمأن المرجع الأمني إلى انّ كل الأجهزة الامنية والعسكرية مستنفرة في وجه أي طارئ، ومع الإجراءات المشدّدة التي يتمّ اتخاذها من قبل مختلف الاجهزة، يمكن التأكيد بأنّ الوضع تحت السيطرة، والأمن ممسوك بالكامل ولا شيء يدعو الى القلق».

ماذا عن «حزب الله»؟

النظرة الداخلية بصورة عامة إلى «حزب الله» بعد الانقلاب في سوريا، تقاربه كأكثر الخاسرين من الاطاحة بنظام بشار الأسد، ولاسيما أنّه يخسر الشريان الأساس الذي يغذي فيه مخزونه من السلاح انطلاقاً من إيران ومروراً عبر سوريا. وهو وضع يؤثر تلقائياً وبصورة سلبية على قدرات الحزب وسعيه إلى تعزيزها.

الحزب: لسنا ضعفاء


المصدر : الجمهورية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa