"سلبطة" الأمر الواقع تحكم مرفأ صور

07:24AM

كتبت زيزي إسطفان في نداء الوطن: 

وكأن مدينة صور لم يكفها ما عاشته من ويلات الحرب، ولم يكف أهلها الخسائر والدمار حتى تسلّط "الزعران" على مينائها ينافسون الصيّادين على لقمة عيشهم ويحرمون "فلوكاتهم" من مرابط لها في الميناء. "سلبطة" الأمر الواقع تفرض بالقوة قوانينها وتسيطر على أملاك الدولة العامة متحدّية رئاسة المرفأ ومن خلفها مديرية النقل البحري وتمنع عن الصيّادين وحرفيي صناعة المراكب إيجاد مرابط في الميناء لقواربهم ومصدر رزقهم.

صور "سيدة البحار " التي طالما احتضنت الصيادين في مينائها تجد نفسها اليوم عاجزة عن تأمين الحضن الآمن لهم. مرفأ صور ما عاد يتّسع لمراكب الصيد بعد أن استولى بعض المستزلمين والمدعومين على مرابط المراكب فيه يتحكمون بها على هواهم، يؤجّرونها ويبيعونها، كما لو كانت ملكاً مشروعاً لهم فيما هي أملاك عامة تابعة للدولة اللبنانية ويحرمون الصيّادين من مرابط لقواربهم.

صرخة الفقراء

الصرخة صدرت بداية من أحد الذين احترفوا تصنيع القوارب أباً عن جد وتردّد صداها بين الصيّادين في صور. الياس بربور الذي مارست عائلته صناعة القوارب منذ أكثر من مئة عام يبدو اليوم غير قادر على الاستمرار بهذه المهنة. فالصيّاد الذي ينوي شراء "فلوكة" جديدة له أو لأبنائه ليرثوا المهنة من بعده، يحتاج إلى موافقة من رئاسة المرفأ التي تشترط وجود مربط للفلوكة قبل الموافقة على تصنيعها أو شرائها. وهنا بيت القصيد، زمرة معروفة من السماسرة والتابعين لأحزاب محلية يتحكّمون بجزء من المرابط يؤجّرونها أو يبيعونها لمن يدفع أكثر فيما هي ملك للدولة لا يحق لأحد استثمارها. وبهذا بات الصيّاد وصانع القوارب غير قادرين على وضع فلوكة جديدة في المرفأ ما يهدّد بقطع أرزاقهم واندثار مهنتهم.

يقول بربور "الصيّادون الفقراء لا قدرة لهم على منافسة أصحاب المراكب السياحية و "اللانشات" والميناء في الأصل للصيادين لا للمراكب السياحية. ولو بقيت محصورة بالصيادين لوجد كل صياد مربطاً لمركبه. حالياً هناك 170 فلوكة للصيد تقريباً و 150 مركباً سياحياً. كل مركب يدفع رسم إرساء رسمي لرئاسة المرفأ يتراوح بين 810,000 و910,000 ليرة. لكن من لا يجد له مكاناً يضطر لدفع مبالغ أكبر بكثير لهؤلاء الذين وضعوا أيديهم على المرابط وقد "يبيعونها" بمبالغ تصل إلى 4000 دولار أو أكثر أحياناً أو قد يؤجرونها بمبالغ شهرية. كل هذا ورئاسة المرفأ غير قادرة على ردعهم والوقوف في وجههم".

وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية ومديرية النقل البحري في الوزارة على علم بالمشكلة وقد وعد الوزير خيراً الوفد الذي زاره، مؤكداً أنه سيعمل على ضبط الأوضاع وإنصاف الصيادين، لكن حتى الآن لا تزال الأمور على حالها والزعران متحكّمون بمرابط المراكب.

هذا الأمر يؤكده رئيس مرفأ الصيادين في صور طالب بحلص الذي يعترف أن الوضع صعب ولا يمكنه مجابهته وحيداً وأن هناك تدخّلات سياسية وحزبية وحتى تهديدات، ولا بدّ للجهات المعنية أن تقف إلى جانبه ليتمكّن من ضبط الأوضاع. يعترف أن حرس الشواطئ وأمن الدولة وحتى المخابرات تسعى جميعها لضبط المخالفات الأمنية في الميناء لكن المخالفات القانونية يعود البتّ فيها إلى مديرية النقل البحري.

لكن كيف وصلت الأمور إلى هنا وصارت المرابط مملوكة من قبل أشخاص يسيطرون عليها؟ وكيف تداخلت المراكب السياحية مع مراكب الصيادين؟

يتجاهلون القوانين

بحلص الذي تسلّم رئاسة المرفأ منذ عام ونصف يؤكد "أن الميناء ليست فقط لمراكب الصيادين وفيها مراكب للنزهة ونقل الركاب ولو كان القانون يمنع دخول المراكب السياحية إليها لما سمح بدخولها وفيها حوالى 150 مركباً للنزهة وما بين 250 و300 للصيد".

وبحسب بحلص "حين بدأت الأصوات تعلو عن بيع وتأجير المرابط عيّنني الوزير لتنظيم الأمور ومنع التأجير لكن مدير عام النقل البحري الأسبق عبد الحفيظ اللقيس كان قد أصدر أرقاماً للمرابط وأعطى لصاحب كل مربط رقماً بحيث بدا الأمر وكأنه صار مالكاً له ولم يعد أحد سواه يستطيع إرساء قاربه في المكان ذاته، في حين أن المربط ملك للدولة ويحق لأي كان استخدامه إذا كان يدفع الرسوم".

هذه الورقة جعلت البعض يتحكم بالمرابط فصار الصياد يبيع "فلوكته" وتلقائياً يباع المربط معها وغالباً ما يكون الشارون من أصحاب الأموال يزيلون الفلوكة ويضعون مكانها مركباً سياحياً. قانوناً يمكن بيع الفلوكة ولكن ما هو غير قانوني بيع المربط معها حتى لو كان صاحبه الجديد يدفع الرسوم القانونية للمرفأ. العام الماضي حاول بحلص على حد قوله "وقف عمليات التأجير، لكن الأمر لم يرض من أصرّ على تسميتهم بالزعران الذين كانوا يسحبون قواربهم ويؤجّرون مرابطهم دون العودة إلى رئاسة المرفأ".

"لم أكن أسمح بإدخال أي مركب من الخارج إلا إذا كان عنده مربط وفق القانون ولكن البعض يستقوي على القانون وقد حاول أحدهم مثلاً الدخول عنوة من فوق الجنزير. أشعر مع الصيادين ومع صانعي القوارب ولكنني لا أستطيع طرد من يملك ورقة رسمية بمربط. ليست لدي أماكن كافية للجميع".

مديرية النقل البحري على دراية بما يحدث لكنها تترك لرئاسة الميناء تنظيم أمورها الداخلية. المشكلة باتت واضحة من الجانبين ولكن أين الحل الذي يحفظ للدولة حقها وللصيادين لقمة عيشهم ويحافظ على حرفة صناعة القوارب؟

برأي رئاسة المرفأ الحل يبدأ أولاً بسحب كل أوراق المرابط حتى لا يتملك صاحب المركب المربط؛ تنظيم عملية الإرساء بحيث إذا غادر صاحب المربط مكانه لفترة أو سحب قاربه يعود المربط لإدارة المرفأ ولا يتم تأجيره أو بيعه؛ والأهم من ذلك كله وقف التدخلات السياسية والحزبية وعدم تأمين غطاء للزعران. ويبقى الحل النهائي بتوسعة المرفأ ليستوعب عدداً أكبر من المراكب يصل إلى حدود الألف أو إنشاء موانئ جديدة في الناقورة أو عدلون .

زعران الميناء...

على ألسنة الصيادين والمسؤولين تتردّد كلمة واحدة عند الحديث عن ميناء صور وهي "الزعران". هم زمرة من "السكرجية" والمدمنين يحملون السكاكين ويدّعون الاحتماء بالأحزاب. استوطنوا الميناء وحوّلوها إلى مرتع للسكر والسرقة ومكباً لنفاياتهم. يمارسون سطوتهم على المرابط ليتم تأجيرها لمن يدفع أكثر. مخالفات هؤلاء كثيرة: أحدهم حوّل مركبه إلى مطعم وكافيه واشترى عشرة مرابط من الصيادين ليركن"مطعمه" ورغم اعتراض الأونيسكو لم تتم إزالة المركب لأن صاحبه مغطى من قوى الأمر الواقع. آخر وضع خيمة وأنشأ مطعماً على أملاك المرفأ البحرية بلا حسيب أو رقيب. وجودهم بات يشكل معضلة حقيقية مزعجة والحل وفق رئاسة المرفأ تسييج الميناء بحيث يصبح من الصعب عليهم أن يدخلوها ويعيثوا فيها خراباً.


المصدر : نداء الوطن

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa