إنهيار إتفاق وقف النار مستبعد

07:11AM

كتب عمار نعمة في اللواء:

تشير المعطيات الحالية إلى صعوبات وعقد امام محاولات اطلاق العجلة السياسية ولا تشكل التحديات في وجه تشكيل رئيس الحكومة المكلف، نواف سلام، لحكومته، سوى امثلة واقعية على ذلك.

ومع ان التشكيلات السابقة، منذ نحو 20 عاما، تلبست تلك المصاعب الناتجة اصلا عن اسلوب التحاصص في توزيع مغانم على الطبقة السياسية، فإن الكثير من اللبنانيين يأملون ان يعكس زمن التغيير، الذي استُهل منذ سنوات وليس في اللحظة السياسية الحالية، تبديلا في عملية التشكيل.

لكن اليوتوبيا الحالمة لا مكان لها على ارض الواقع، وما سيحصل في عملية التشكيل لن يخرج عن الأنماط الماضية إلى حد كبير مع فارق ان العين الدولية والعربية مفتوحة على لبنان هذه المرة وثمة تغيير نسبي في موازين القوى داخليا الذي يشكل انعكاسا للتغييرات الدراماتيكية في المنطقة.

سلام، القادم من خارج النادي السياسي، يأتي من هذه اليوتوبيا بالذات وهو العالم تماما بأن لبنانيين كثر ينتمون إلى الحلم نفسه، لذا فهو يقوى به ويسكر حتى الثمالة قبل ان يصطدم (وربما اصطدم وانتهى) بالواقع عاجلا ام آجلا، ليقدم تنازلات سيسميها لاحقا براغماتية في التعاطي وواقعية في وجه المنظومة السياسية.

طبعا هذا لا يعني ان يسلم الرجل بعودة اساطين المنظومة إلى العرف السابق. فوصوله لا ينفصل عن التغييرات التي حدثت على المشهد اللبناني منذ 17 تشرين 2019، وهو، إذ وضع شروطه التغييرية، سيضطر للتعايش مع المنظومة التي رفضه بعضها ولم يسميه لرئاسة الحكومة، بينما عمل البعض الآخر لأجل وصوله وقبل به آخرون من تلك المنظومة.

فلا يكفي الدعم الخارجي للحكومة وللعهد طبعا، على اطلاقه. فهذا الدعم قد يكون مؤيدا في شكل او في آخر، لعملية تحاصص تحفظ مصالحه ثم تطلق العجلة السياسية بمعزل عمل سيحدث في الإقليم.

فلبنان يراد له التغيير ومفتاحه تحييده عما يحصل في محيطه منذ صياغة وقف اطلاق النار ضد العدو الإسرائيلي. فظهر ضغط الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، الكبير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ملفي لبنان وغزة ليحصد المشهد قبيل تسلمه الرئاسة رسميا في 20 الشهر الحالي. ويبدو ان تركيز ترامب، وتحت جناحه، اكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا في تاريخ الكيان العبري، هو على اعادة تشكيل المنطقة بما يتلاءم مع الرؤيا الأميركية وليس بالضرورة الإسرائيلية.

وهدف نتنياهو المطلق والأهم هو النظام في ايران ويريد اسقاطه على المدى البعيد لتدمير كل خطر على الدولة العبرية واي دعم لفصائل المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية وليسهل عليه التطبيع مع العرب. وقد بدأ حملته جديا في الضفة الغربية فور الاتفاق على وقف اطلاق النار في غزة، تمهيدا لأهداف اليمين المتطرف في تهجير الفلسطينيين واقامة اوطان بديلة لهم. واستعمل القتل والوحشية والتدمير والتهويد والإستيطان وغيرهم في سبيل ذلك.

بالنسبة إلى ترامب، فهو يقدم دعمه الهائل لإسرائيل، لكنه، في إطار تصفير المشاكل وكيفية ذلك، لا يريد ضرب طهران اليوم، مثلما لا يريد اثارة القلاقل في المجتمعات العربية عبر عملية تهجير ستزعزع الاستقرار. هو يريد صياغة نظام جديد واقامة "سلام" وابتكار "حل" مع الفلسطينيين طبعا ليست الدولة الفلسطينية عماده ومن دون رفض التعاطي مع السلطة الفلسطينية التي ينبذها نتنياهو.

هذا الاستقرار الذي يُعمل عليه اميركيا تريد واشنطن ان يكون لبنان جزءا منه، وكما جرت الأحداث بات لبنان فعليا تحت المظلة الاميركية. لكن هذا لا يعني ان النفوذ الإيراني و"حزب الله" باتا ضعيفين، لكن الأمور انقلبت عن السابق: فبعد ان كان الحزب صاحب النفوذ الأكبر من دون قدرة على الحكم لوحده، باتت واشنطن صاحبة هذا النفوذ مع احتفاظ طهران بالفيتو في ملفات عديدة!

في كل الأحوال فما جرى في المنطقة (حتى في سوريا)، يشير في جانب كبير منه إلى هندسة اميركية لخارطة المنطقة.

وعودة إلى لبنان، على الصعيد الحكومي يتمظهر هذا الواقع الجديد في صراع النفوذ على تشكيلها.

فالأكيد ان مرحلة جديدة يُقبل عليها لبنان ادت إلى قبول "حزب الله" المستجد السريع بقائد الجيش جوزاف عون رئيسا، وتمكن معارضي الثنائي فرض القاضي نواف سلام رئيسا لحكومة لن يكون للثنائي الشيعي (الحزب وحركة "أمل") الثلث المعطل فيها، لكن من دون التمكن من تهميش هذا الثنائي وتجاهل مطالبه الكبرى في حصته الوزارية التحاصصية..

وإذا كان ميزان القوى الجديد قد تُرجم وسيتمظهر اكثر مع الوقت، فإن من الصعوبة بمكان استشراف طبيعة المرحلة المقبلة، خصوصاً ان الأيام حبلى دوما بكل ما هو جديد، لكن الخشية من حرب على لبنان او سقوط وقف النار او انهيار الوضع امنيا.. باتت مخاوف مستبعدة.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa