النرجسية ليست مجرد "ترند".. اضطراب نفسي أم وباء عالمي؟

في السنوات الأخيرة، شهدنا تزايدًا ملحوظًا في الحديث عن النرجسية، سواء في الأوساط الاجتماعية أو على منصات التواصل الاجتماعي، حتى أصبح وكأنها "وباء عالمي" كما وصفته الاستشارية الاجتماعية لمى الصفدي في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية".

لم يعد مفهوم النرجسية مقتصرًا على الدراسات النفسية أو العيادات المتخصصة، بل أصبح موضوعًا يتداول يوميًا عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من خلال مقاطع الفيديو والمنشورات المختلفة.

وتعزو الصفدي هذا الانتشار إلى عدة أسباب، أبرزها زيادة الوعي النفسي في المجتمعات، ما جعل الناس أكثر قدرة على تصنيف السلوكيات والأشخاص باستخدام مصطلحات علمية، حتى وإن كانت التشخيصات في بعض الأحيان غير دقيقة. كما أن التركيز الإعلامي على مصطلح "النرجسية" وتقديمه كظاهرة شائعة جعل الكثيرين يظنون أنهم محاطون بأشخاص نرجسيين، مشيرة إلى أن "كل شخص يقول عن شريكه أنه نرجسي، بينما قد يكون فقط أنانيًا أو يعاني من عقد نفسية قديمة".

النرجسية: اضطراب نفسي أم سلوك عادي؟

تؤكد الصفدي على ضرورة التفريق بين النرجسية كصفة سلوكية شائعة و"اضطراب الشخصية النرجسية"، الذي يُعد حالة نفسية خطيرة مصنفة ضمن اضطرابات الشخصية في علم النفس. ففي حين أن الشخص النرجسي العادي قد يظهر سلوكًا مغرورًا أو أنانيًا، فإنه لا يعاني من انفصال تام عن مشاعر الآخرين. أما الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية، فهو يفتقد تمامًا القدرة على التعاطف، وقد يستمتع بتدمير حياة من حوله، معتبرة ذلك بمثابة "الموت على قيد الحياة".

لماذا أصبحت النرجسية "ترند" على السوشيال ميديا؟

أحد العوامل البارزة التي تناولتها الصفدي هو العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والنرجسية، حيث توفر السوشيال ميديا بيئة مثالية لتعزيز السلوكيات النرجسية، وذلك بسبب التركيز على الحصول على الإعجاب والاهتمام. وتوضح الصفدي أن هذه البيئة تخلق "معادلة خطيرة" تتضمن: استحقاق - نرجسية - قلق - إدمان، مشيرة إلى أن زيادة معدلات النرجسية تؤدي إلى تفاقم القلق والإدمان على منصات التواصل.

علاوة على ذلك، أصبح بعض السلوكيات النرجسية مقبولة أو حتى مشجعة في المجتمع؛ فالشخص الذي يبالغ في الترويج لنفسه على وسائل التواصل قد يُعتبر "مؤثرًا" بدلاً من أن يُعتبر مغرورًا. وتقول الصفدي: "إذا قال شخص في العمل إنه الأذكى والأفضل، سيُستغرب ذلك، ولكن إذا قال ذلك على السوشيال ميديا، يصبح 'مؤثرًا' للأسف".

تأثير النرجسية على العلاقات الاجتماعية

أصبح مصطلح "النرجسي" يُستخدم بسهولة في الخلافات الشخصية والعلاقات، مما يؤدي إلى مشكلات في التواصل بين الأفراد. وبسبب كثرة الفيديوهات والمنشورات التي تحذر من النرجسيين، أصبح الناس أكثر حساسية تجاه تصرفات من حولهم، وأحيانًا يصفون الآخرين بالنرجسية استنادًا إلى معلومات غير دقيقة. أظهر استفتاء أجرته "سكاي نيوز عربية" أن 72% من المشاركين أكدوا أنهم تعاملوا مع شخص نرجسي، بينما نفى 28% ذلك، مما يعكس انتشار الاعتقاد بوجود النرجسيين في حياتهم. ولكن الصفدي تحذر من التسرع في إصدار الأحكام، موضحة: "النرجسي هو الشخص الوحيد الذي لا يعرف أنه نرجسي، ومن حوله هم من يقيمونه. ولذلك انتشر هذا المفهوم لأننا كبشر نحب إصدار الأحكام على الآخرين".

هل يمكن علاج اضطراب الشخصية النرجسية؟

رغم كثرة الحديث عن النرجسية، فإن التعامل مع المصابين باضطراب الشخصية النرجسية ليس بالأمر السهل، إذ نادرًا ما يطلب هؤلاء الأفراد المساعدة النفسية. تقول الصفدي: "الذين يأتون إليّ هم الأشخاص المتضررون من شخص نرجسي، ولكن لم يحدث أبدًا أن جاءني شخص نرجسي ليقول إنه دمر حياة من حوله". في بعض الحالات، قد يلجأ النرجسي إلى العلاج فقط عندما يفقد شيئًا ذا قيمة بالنسبة له، ولكن غالبًا ما يكون هدفه من ذلك استعادة السيطرة وليس التغيير الجذري.

في الختام، تبقى النرجسية ليست مجرد "ترند" أو مصطلح شائع، بل هي اضطراب نفسي حقيقي يؤثر على حياة العديد من الأشخاص. وعلى الرغم من دور السوشيال ميديا في تضخيم الظاهرة، فإن الفهم الدقيق للنرجسية كاضطراب نفسي هو أمر بالغ الأهمية. وبينما يزداد الوعي حول هذا الموضوع، تظل التحديات قائمة في كيفية التعامل مع النرجسيين وتجنب التسرع في إطلاق الأحكام.

المصدر : سكاي نيوز