الحزب مربك بعد خسارته نصرالله وخياراته المستقبلية لم تنضج

07:07AM

كتب حسن المصطفى في الشرق الأوسط: 


شيّع «حزب الله» أمينه العام السابق حسن نصر الله، وخليفته هاشم صفي الدين، في 23 فبراير (شباط) الحالي، ضمن جنازة واسعة في العاصمة اللبنانية بيروت.

هذا المشهد من المفيد قراءته بهدوء، بعقل سياسي بارد، دون انفعالات، وبالتحرر من العواطف التي تجعل المراقب ينحاز لجهة ما أو يغلّبُ أحكاماً مسبقةً لديه؛ لأن مناسبات كهذه ليست مجرد حدث جماهيري وحسب، بل قد تشكلُ خطاً فاصلاً بين مرحلتين يخرج منها «الحزب» من إطارٍ لآخر، وهو الخروج الذي يأتي مدفوعاً بالتطورات العسكرية والسياسية التي أعقبت عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والحرب الإسرائيلية على لبنان، والتغيّرات البنيوية التي طالت ما يُعرف بـ«محور المقاومة».


واضح أن مؤيدي «حزب الله» أرادوا من خلال المشاركة الواسعة في تشييع نصر الله وصفي الدين بـ«مدينة كميل شمعون الرياضية» والباحات المحيطة بها، التأكيد على تمسكهم بخياراتهم، وأن الضربات العسكرية الموجعة التي وجهتها إسرائيل للحزب لم تكسره.


هذه الرسالة بقدر ما قد يخشاها البعض، إلا أنها ضرورية لجمهور «حزب الله» كي تساعده على تضميد جراحه العميقة، وتدفعه تالياً للخروج من ألم الفقدِ إلى مرحلة التأمل والتبصر في اليوم التالي، وطرح السؤال الأكثر إلحاحاً: ما الذي يتوجَّب علينا فعله في غياب نصر الله؟


ربما على الأرجح ليس هناك جواب مكتمل على هذا السؤال الصعب حتى الساعة، وذلك أمرٌ طبيعي، لأن الفراغ الذي خلّفه اغتيال حسن نصر الله ليس من اليسيرِ على خليفته نعيم قاسم أن يسدَّه، فهو غياب اقترن بفقدان شخصيات مثل هاشم صفي الدين، نبيل قاووق، فؤاد شكر، إبراهيم عقيل، محمد حسين سرور، وقبلهم عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، وسواهم من القيادات السياسية والأمنية المؤسسة للنواة الصلبة لـ«حزب الله». وبالتالي، فإن إعادة إنتاج دائرة صنع قرار وتفكير جديدة ليست بالأمر السهل، رغم إعلان الأمين العام الجديد نعيم قاسم أن الحزب استطاع ترميم هياكله التنظيمية وإعادة تنصيب قيادات جديدة في أكثر من قطاع.



أمرٌ آخر يجعل السؤال عما بعد حسن نصر الله أكثر وعورة، هو أن البيئة السياسية اللبنانية لا تزال برزخية ومضطربة في آنٍ معاً، وهناك سديمٌ شديد. فإسرائيل مستمرة في احتلاها جزءاً من الأراضي اللبنانية، وتمارس انتهاكات يومية للسيادة اللبنانية. من جهة أخرى، هناك غياب لإجماع وطني عابر للطوائف، فلا تزال بعض الخطابات تعلو فيها نبرة التطرف أو الإلغاء، وهو الأمر الذي يجعل البيئة السياسية والاجتماعية غير دافعة لحدوث مراجعات جادة وحقيقية داخل أوساط «حزب الله» تدفع نحو البدء في خطوات انتقالية لليوم التالي سياسياً.


هناك الآن رئيس جمهورية جديد هو جوزيف عون، وحكومة وطنية في لبنان برئاسة نواف سلام، وكلاهما أعلن الالتزام بإعادة الإعمار ودعم السيادة اللبنانية ورفض الانتهاكات الإسرائيلية. إلا أن «العهد الجديد» لا يمتلك القدرة العسكرية التي تجعله قادراً على مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، ولذا يفضل الخيار الدبلوماسي والاحتكام إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو مصيبٌ في ذلك.



إنَّ «الأحزاب» مثل البشر، تتملكها الحيرة والخوف ومشاعر القلق والريبة وعدم اليقين. ولذا، فإن هذه المشاعر إذا استمرت لدى «حزب الله» فسوف تعوقه عن الدخول الفعلي في التغيّر الحقيقي لمرحلة ما بعد نصر الله، وهو تغيّر من الممكن حدوثه على مراحل متتالية، لأن التغيّر الجذري السريع غير ممكن، بل خطير أيضاً، لأنَّه قد ينتكس وينقلب إلى ضده، ويصبح «الصقور» هم سادة المشهد، عوض أن يكون «الواقعيون» هم من يقودون التحول المنتظر!

هل هذا التحوّل لليوم التالي ممكن؟ المتأمل في مجريات التاريخ يرى أنه حتمي وضروري، وأن أي ممانعة له لن تكون في مصلحة «حزب الله» وستدفعه إلى مواجهات ليست مع الحكومة اللبنانية وحسب، بل مع قطاع واسع من بيئته الحاضنة له، التي تعبت من الحروب وأنهكتها الجنائز المتتالية لأبنائها وعائلاتها!



نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» مقالاً للأستاذ عبد الرحمن الراشد، بعنوان «تشييع حزب الله»، 24 فبراير الحالي، التقط فيه الراشد ملامح بدايات هذا التغيّر في آلية العمل السياسي لدى «الحزب»، بحيث يكون أقل فاعلية في المجال الخارجي، ويتعامل بواقعية مع الشأن الداخلي اللبناني، مرجحاً أن «يتم تأطير خروج لبنان من الخريطة الإيرانية، ضمن المفاوضات المحتملة بين طهران وواشنطن، مع جملة قضايا إقليمية، والبرنامج النووي الإيراني». أمَّا داخلياً فيقول الراشد: «نلمس أنَّ الحزبَ يتقبَّل الواقع الجديد، حيث قال أمينه العام نعيم قاسم إنَّه سيواجه إسرائيل وطردها عبر تحرك الدولة دبلوماسياً. وتحدَّث أيضاً عن تراجعه عن سياساته السابقة، معلناً أنَّ الحزب سيعمل تحت سقف اتفاق الطائف».

المؤشرات أعلاه التي لاحظها الأستاذ عبد الرحمن الراشد هي علامات دالة على بدايات التغيّر، وهي عملية لن تكون يسيرة أو سريعة، إلا أنها تراكمية، وستستغرق وقتاً، وستبقى محل مراقبة واختبار، وفي حال اكتمالها، ستكون في صالح استقرار لبنان وأمنه وتنميته، ومشاركة جميع اللبنانيين دون استثناء في إعادة الإعمار وبناء دولة حديثة ومستقرة.


المصدر : الشرق الأوسط

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa