غسيل الأموال يمرّ عبر كتّاب العدل والمحامين… لبنان في خطر الانزلاق إلى اللائحة السوداء

07:12AM

مدّدت مجموعة العمل المالي FATF مهلة إنجاز لبنان لمتطلباتها في مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب إلى نهاية العام 2026. عندها ستعيد النظر في وضع إدراجه على لائحة الدول الخاضعة للرقابة المتزايدة (اللائحة الرمادية) وتفادي انحداره إلى اللائحة السوداء. وبالتالي يكون أمامنا أكثر من عام لإنجاز متطلبات "فاتف"، ما استدعى من وزير العدل عادل نصّار تشكيل لجنة في 20 الجاري برئاسة المحامي كريم ضاهر لتحقيق تلك الغاية. لماذا تندرج تلك المتطلبات ضمن مهام وزارة العدل وكيف ستنجز اللجنة المهمّة الموكلة إليها؟


أعاد قرار وزير العدل عادل نصار تشكيل لجنة في 20 الجاري، لبدء العمل على تلبية متطلبات الخروج من اللائحة الرمادية، هذا الملف إلى الواجهة. وقد تم تكليف المحامي كريم ضاهر برئاسة اللجنة، وعضوية كل من: القاضي السابق جان طنّوس، القاضية رنا عاكوم، المحامية لارا سعادة، المحامي محمد مغبط والخبير الاقتصادي محمد فحيلي.

مهام اللجنة كما جاء في بيان قرار تشكيلها من وزير العدل جاءت كما يلي:

- تنفيذ الإجراءات التصحيحية المطلوبة من قبل وزارة العدل وفق خطة العمل الموضوعة من قبل "فاتف" لخروج لبنان من اللائحة الرمادية.

-رفع اللجنة تقريرها إلى وزير العدل خلال مهلة 45 يوماً بدءاً من 20 شباط 2024.

ويقول رئيس اللجنة المحامي ضاهر لـ"نداء الوطن"، إن "تطبيق لبنان لما هو مطلوب من "فاتف"  أمر محتّم وليس تجريبياً، فالمنظمة منحتنا مهل سماح كافية للقيام بالإصلاحات ولكن لبنان لم يلتزم بها، ما أفقدنا مصداقيتنا أمام مجموعة العمل المالي. فالحكومة السابقة لم تلتزم بتلك المطالبات الإصلاحية لتفادي إدراجنا على اللائحة الرمادية، لسببين أولاً، لأنها حكومة تصريف أعمال وثانياً، لأنها تعتبر نفسها غير مسؤولة أمام مجلس النواب ولن تحاسب".

مكامن التقصير 

من حيث الشكل أجرى مجلس الوزراء مراسلات مع الجهات المعنية بالتزامات لبنان الدولية في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لحثّها على الالتزام بمتطلبات "فاتف"، واستناداً إلى حقّ الوصول إلى المعلومات تمكن عضو اللجنة المحامي محمد مغبط من الحصول على تلك المراسلات التي جرت بين رئاسة مجلس الوزراء والوزارات والأطراف المعنية الرسمية قبل إدراجنا على اللائحة الرمادية في 25 تشرين الأول 2024 لحثّهم على تطبيق التعليمات الآيلة إلى مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب التزاماً بمتطلبات "فاتف" ولكن لا الجهات المعنية التزمت ولا مجلس الوزراء اتّخذ تدابير حيالها.

وعرضت ورقة أعدّتها شركة "SKY للأبحاث والاستشارات والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان لأسباب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية مستندة إلى الوقائع  وأبرز عناوينها الإهمال، رغم الفرص العديدة التي منحتها FATF (Financial Action Task Force) للبنان من خلال فترات سماح لتسوية وضعه وتفادي انحداره إلى اللائحة الرمادية.

وتبين لـ"فاتف" خلال فترة السماح الأخيرة والتفاهم الذي حصل بين الدولة اللبنانية ومنظمة العمل الدولية حول 46 إجراء تصحيحياً  أساسياً مترتباً على لبنان Key recommended actions، أنه لم تتمّ معالجة 21 إجراء تصحيحياً أساسياً مطلوباً، بينما تمّت معالجة 25 منها بشكل جزئي. كما طلبت معلومات إضافية وإيضاحات خلال مهلة أقصاها 26/8/2024 لم تتلقاها من الجهات اللبنانية المعنية. كل ذلك أدّى إلى إدراج لبنان على القائمة الرمادية .

كيف ستنفّذ اللجنة المعينة الشروط المطلوبة من "فاتف" اليوم لتحييد لبنان عن الأسوأ؟ عند نهاية العام 2026 أمام "فاتف" ثلاثة احتمالات:

  - إخراج لبنان من قائمة الدول الخاضعة للرقابة المتزايدة (Jurisdiction under increased monitoring-grey List ).

- طلب المزيد من الإجراءات .

- وضع لبنان على قائمة الدول عالية المخاطر - القائمة السوداء ( High-Risk (Jurisdictions subject to a Call for Action - Black List؟  

العمل المنوط باللجنة 

هناك مجموعة إجراءات ومطالب ملحّة من اللجنة المشكّلة حديثاً والتي عقدت أول اجتماعاتها أمس. وتلك الإجراءات يقول ضاهر توزّع على مراحل . في المرحلة الأولى، يترتّب على اللجنة خلال مهلة 45 يوماً إنجاز تقرير عن الإجراءات السريعة المفترض المباشرة بها مثل تقديم كتاب إلى النيابة العامة المالية، على أن يبادر وزير العدل إلى وضع الإجراءات الضرورية موضع التنفيذ.

المرحلة الثانية من عمل اللجنة، ستكون أصعب، إذ مطلوب إعداد دليل لإرشاد الجهات المختصة، حول ضرورة تدريب وتأهيل الجهات المعنية بتلك المسألة فيتم توحيد أو تأمين الالتزام بالموجبات من قبل الفئات المعنية بمتطلبات "فاتف"، وفي حال عدم الالتزام تفرض على المخالفين عقوبات صارمة".

إذاً على اللجنة أن تقدّم اقتراحاتها ووزير العدل يضعها موضع التنفيذ، من هنا استناداً إلى ضاهر "سنشهد مشاريع قوانين ومكننة للإدارة وحصول ربط بالسجل التجاري عبر توفير المعلومات الضرورية لتحقيق الشفافية إذ من خلال السجل التجاري تتستّر كيانات قانونية وراءه".

ولكتّاب العدل والنقابات (المحاسبة والمحامون ...)، دور مهم في تلك المعادلة أيضاً اذ يترتّب عليهم على غرار المصارف الالتزام بمعرفة عميلهم KYC (know your customer) وتحويل المعلومات التي يسجّلونها إلى الجهات المسؤولة، وتلك التدابير التي تتّخذ ستتحقّق منها "فاتف" بنفسها على الأرض بعد انتهاء المهلة الممنوحة للبنان أي في العام المقبل.

كيف سيحاسَب غير الملتزم؟

من لا يلتزم بالقانون، وبمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، سيحاسب من خلال تدابير عقابية ستتّخذها الحكومة ومنها الإقالات من الأداء الوظيفي، إذ هناك إمكانيات لممارسة الضغوط على الفئات المختصة وغير الملتزمة بالتعليمات.

وأعطى ضاهر الأمثلة على ذلك :

- يمكن على سبيل المثال لخبراء المحاسبة والمحامين غير الملتزمين بالمهام المطلوبة، منعهم من تسجيل شركة أو معاملة تعود لهم في السجل التجاري.

- إقالة كتاب العدل غير الملتزمين بالقوانين. أما إذا تبيّن وجود تسهيل لعمليات غسيل الأموال في إحدى النقابات، كنقابة المحامين مثلاً تشطب عضوية المحامي من النقابة.

مما ذكرنا، يتبين لنا أن الحكومة لم تلتزم بتطبيق البنود المفروضة من"فاتف" على لبنان، والكلمة السحرية ستكون "المحاسبة". فانطلاقاً من كلمة "محاسبة نذكر أن مجلس النواب لم يؤدّ دوره القانوني بمحاسبة الحكومة عن تقصيرها بموضوع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن مجلس الوزراء قام بدوره بشكل شكلي إذ راسل الجهات المختصة للالتزام بمتطلبات "فاتف"، من دون فرض التطبيق .

وهنا كان يترتّب على مجلس الوزراء بحسب ضاهر "اتّخاذ تدابير بحق تلك الجهات المخالفة أو التشهير بها name and shame لمعرفة الجهة المقصّرة كأن يكون كاتب عدل أو محامٍ منتمٍ إلى نقابة المحامين أو محاسب مسجّل في نقابة المحاسبين أو موظف في وزارة، لأن اعتبار لبنان من الدول غير المتعاونة مسألة خطيرة".

قانون غسيل الأموال

في المقلب القانوني حول مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، كان القانون رقم 318/2001 أول تلك التشريعات. ولكن بما أن بنوده لم تكن شاملة وواسعة الصلاحيات، تمّ تحديثه في العام 2015، فوسّع القانون رقم 44/2015 لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، وأدرج فئات أخرى ضمن تلك التي تعنى بموضوع الامتثال ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والسرقة والإتجار بالبشر، خصوصاً مع انتشار الممنوعات كالمخدرات والإتجار بالأسلحة والإرهاب، ما أظهر أن الجرائم المالية تسهّل الإرهاب وغسيل الأموال .

وللتذكر يشير ضاهر إلى أنه "مع الوقت، وتحديداً منذ 2018 تمّ اكتشاف أن مسألة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لا تحصل بشكل مبسّط كما كان يحصل سابقاً، إذ أن من يتاجر بالمخدرات كان ينجز المعاملات باسمه ومن دون ستارة. فما يحصل اليوم هو "تلطّي" كلّ تجّار المخدرات والفاسدين وراء كيانات قانونية أي شركات وهمية وأسماء مستعارة (موظفين) وهم المستفيدون الحقيقيون من الحقوق.

يتمّ تسجيل شركة على سبيل المثال باسم شخص مؤتمن عليه أو موظف مشهود له سلوكه الجيّد، فتقوم إدارة الشركة بالعمليات المخالفة للقوانين وتحوّل الأموال إلى الخارج وهكذا يتم تمويل الإرهاب والإتجار بالمخدرات. من هنا يكمن موقع ودور وزارة العدل في تلك المعركة في ضبط المخالفات.

"الكاش إيكونومي"

بالاستناد إلى القانون رقم 44، إن الامتثال والعناية المطلوبة لا تُلقى فقط على المصارف والمؤسسات المالية، بل هناك فئات أخرى تسهّل غسيل الأموال عن طريق الـ "كاش ايكونومي" أو التحويلات في المصارف من خلال كيانات أخرى أو غسيل أموال عبر شراء المجوهرات أو العقارات أو التحف الفنيّة، وهذا ما لحظته المادة 5 من القانون رقم 44 موجبات المصارف والمؤسسات المالية . وفي المادة 6 فئات أخرى وهم الوسطاء العقاريون، كتاب العدل، خبراء المحاسبة، تجار المجوهرات، المحامون الذي ألزمهم القانون بتدابير معينة. فتاجر المجوهرات والمحامي والمراقب ...الذي يتلقى أكثر من 10 آلاف دولار "كاش"، يترتّب عليه الحصول على معلومات عن حامل المبلغ وتصوير هويته وإرسالها إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان للتأكد من أن العمل مشروع.

مفترق طرق 

وفق تلك المعادلة والمهام الملقاة على عاتق وزارة العدل، تكون الأخيرة على مفترق طرق بين هيئة التحقيق الخاصة بالمصارف، وبين المؤسسات المالية والمجموعات المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وفضلاً عن العمل المنوط بها، يترتّب على "العدل" أيضاً تبادل المعلومات وتحصيل الأموال المتأتية عن أعمال الفساد. هكذا نسير على طريق مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية المنشودة من قبل الدولة واكتساب ثقة المجتمع الدولي.


المصدر : نداء الوطن

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa