الإصلاح والإعمار.. والبند السابع!

07:40AM

كتب صلاح سلام في اللواء: 

التزامن بين الإصلاح والإعمار تحوّل إلى علاقة جدلية  في برنامج أولويات الحكومة، والإنطلاقة المنتظرة للعهد الجديد، وذلك على خلفية الحاجة الملحَّة لإعادة إعمار المناطق المدمرة، وتوفير التمويل اللازم قروضاً ومساعدات من الدول المانحة الشقيقة والصديقة، في حين أن تلك الدول تنتظر إطلاق ورشة الإصلاح، وتحقيق خطوات عملية على مسار مكافحة الفساد، والحد من التضخم الإداري، وإتخاذ القرارات التي تعزز الشفافية والحوكمة في الإدارات العامة. 

التحدي الأكبر لا يكمن  بالمقولة الشعبية المعروفة «الدجاجة قبل البيضة.. أم البيضة قبل الدجاجة»، بل في نظرة الأطراف المتوقع أن تساعد لبنان، وتقييمها للمسار الحكومي الإصلاحي، حتى تبني على الشيء مقتضاه. 

والمفارقة أن الإعمار ضرورة ملحَّة اليوم قبل الغد، لتأمين عودة مليون مواطن إلى بيوتهم وقراهم، في حين أن الإصلاحات الأساسية تتطلَّب بعض الوقت لتشقَّ طريقها إلى المسار التنفيذي، سواءٌ عبر مجلس الوزراء أم بالتصويت في مجلس النواب. 

 ثمة إشكاليات تحيط بهذه العلاقة الجدلية بين الأوليات الأكثر إلحاحاً. أولها أن لبنان يستطيع أن ينفذ الخطط الإصلاحية بقدراته الذاتية، ولو أخذت بعض الأمور الوقت الكافي، في حين أن الدولة اللبنانية المفلسة  تفتقد الإمكانيات المالية الضرورية لإعادة الإعمار، الأمر الذي يستوجب إلرهان على المساعدات الخارجية. 

الإشكالية الثانية ظهرت في المباحثات مع دول وصناديق دولية، عبر تساؤلات من نوع: ما هي ضمانات عدم تعرض ما يتم بناؤه اليوم إلى التدمير في حرب جديدة بعد عقد من الزمن مثلاً؟  كما حصل في حرب تموز ٢٠٠٦، حيث تم تقديم بضعة مليارات من السعودية ودول خليجية أخرى للبنان، لإعادة بناء الضاحية الجنوبية لبيروت، وإعمار وترميم منازل ومدارس ومنشآت عامة في ٢٣٦ قرية وبلدة في الجنوب. 

 الإشكالية الثالثة تتعلق بإنشاء الصندوق الخاص للإعمار، ووضع النظم والقواعد اللازمة لتحديد دوره المالي والهندسي والمُدُني، والآلية التي ستتبع في التعاطي مع الدول المانحة، خاصة وأن معظمها أبدى رغبته في الإشراف والمتابعة، والبعض إشترط إدارة التنفيذ مباشرة. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما كشفه الرئيس ميشال سليمان حول وجود صندوق للإعمار، تم إنشاؤه خلال ولايته، لمتابعة إعمار ما دمرته حرب ٢٠٠٦.

أما الإشكالية الرابعة فتفرضها العقوبات الأميركية والغربية على إيران، وتحول دون إمكانية وصول مساعدات مالية إيرانية بسبب العقوبات أولاً، ومنعاً لوصول الأموال إلى حزب الله مباشرة بحجة دعم ورشة الإعمار، ويتم إستخدام معظمها لاحقاً لإعادة تجهيز الحزب، وتأمين مستلزماته المالية واللوجستية، على حد زعم الأوساط الأميركية. 

هذه الإشكالات تتطلَّب التعاطي مع مسألة الإعمار بكثير من الحكمة والواقعية، بعيداً عن أساليب المزايدات الحزبية والشعبوية، والتحريض ضد الدولة، بحجة التقصير أو التأخير في إطلاق ورشة الإعمار، وتحميلها كامل المسؤولية عما حلّ بالبلد من خراب ودمار. فضلاً عن الإتهامات بالتقصير في إخراج العدو الإسرائيلي من التلال الحدودية الخمس، والإنتقادات المبطنة لكلام رئيس الجمهورية في إعتماد السبيل الديبلوماسي لإكمال الإنسحاب الإسرائيلي من المواقع الجنوبية. 

وفي إطار المعالجة الهادئة، ثمة من يتساءل:

١ـ هل يستطيع لبنان خوض معركة عسكرية مع العدو الإسرائيلي لإستعادة المواقع الخمسة؟ 

٢ـ هل حزب الله بوارد العودة إلى الحرب لتحرير التلال الخمس، وتحمّل تبعات مواجهة عسكرية جديدة مع العدو الإسرائيلي؟

٣ـ ألا يعلم حزب الله أن حرب الشهرين وضعت لبنان تحت الوصاية الأميركية والغربية، في أدق التفاصيل اليومية؟ 

٤ـ ألا يُدرك مَنْ يلجأ إلى التحريض والمزايدات أن مضمون إتفاق وقف العمليات العسكرية هو أخطر بكثير من بنود النص الاساسي للقرار ١٧٠١، وأن ورقة الضمانات الأميركية أعطت العدو الإسرائيلي حرية الحركة ضد كل ما «يرصده» من مخاطر أمنية  في الأراضي اللبنانية، مما جعل تنفيذ إتفاق وقف النار وكأنه تحت البند السابع، ولكن بقرار إسرائيلي؟

إن السلاح الديبلوماسي الوحيد في يد لبنان يتمثّل بالكلام عن حصر إحتكار السلاح بالدولة اللبنانية، المعنية أساساً بفرض سلطتها الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية، كما ينص إتفاق ودستور الطائف، وتنفيذ سياسة دفاعية تحفظ سيادة الدولة، وتحصر بها مسؤولية قرار الحرب والسلم. 

وغني عن القول أن تنفيذ ما ورد في خطاب قسم رئيس الجمهورية، وما تضمنه البيان الوزاري للحكومة السلامية، لجهة إحتكار حمل السلاح بالدولة، هو جزء أساسي من الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، كشرط لتقديم المساعدات اللازمة للبنان.

الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية مطالبة اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، بإعتماد لغة العقل والحكمة، وتغليب منهج الواقعية السياسية على أساليب التجييش والتحريض، التي تضرُّ أصحابها، وتُفيد خصومهم، ولا تساعد على تسهيل نهوض الوطن من كبوته.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa