الانتخابات البلدية والإختيارية: 300 مجلس بلدي منحلّ وناخبون غير واعين

07:20AM

كتب أنطوان مسره في نداء الوطن: 


هل حان الوقت ليمارس كلّ لبناني بعد اتفاقية القاهرة سنة 1969 وتداعياتها، ثم اتفاقية قاهرة متجدّدة في 6/2/2006 وكوارثها، نقداً ذاتياً لسلوكيات لبنانية في ما يتعلق بالمصلحة العامة؟ تطغى دراسات ومناقشات وسجالات حول الميثاق والدستور والتشريعات بينما تكمن المعضلة الكبرى في ذهنيات لبنانية ليست على مستوى لبنان ودوره العربي المميّز ورسالته تجاه التحوّلات في عالم اليوم.

1. عجز لبناني في إدارة شأن عام بلدي! تقتصر غالباً أبحاث حول اللامركزية الإدارية على جوانب قانونية ومالية وإدارية، بينما من أصل 1064 بلدية في لبنان اليوم ستدعى في أيار لانتخاب مجالس بلدية، يوجد، حسب إحصاءات رسمية، حوإلى 300 مجلس بلدي منحلّ بسبب نزاعات داخلية بين الأعضاء! عند طرح الموضوع أمام قانونيين، ولا نقول حقوقيين، يجيب أحدهم أنّ القائمقامية تقوم بإدارة شؤون البلدية المنحلّة! جوهر المعضلة ليس في القانون، بل في الذهنية السياسية! هل اللبناني عاجز عن إدارة شأن عام في القرية والضيعة والبلدية والمدينة؟

2. الحزازات العائلية طاغية محلياً! في برنامج للمؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم شمل في السنوات 2002-2013 أكثر من خمسين بلدية في مختلف المناطق قال لنا الناس: أنتم أوّل من سعى إلى جمعنا!

تبيّن هذه الظاهرة إلى أي مدى نعيش في علاقات نفوذ وليس في مواطنية الشأن العام.

حين يعمد موظف إلى الغش في عيار المياه في القرية، يقال إنها مسألة صغيرة. ليست المسألة صغيرة، لأن موظف البلدية الذي يغش في عيار المياه يرتبط بمجلس بلدي وبنائب وظهره محميّ من سلطة أعلى منه. هناك شبكة زبائنية. وعندما تكون مدرسة رسمية مقفلة في القرية ومعلمون يقبضون رواتبهم، فهذه ليست قضية صغيرة. لماذا لا يهبّ أهالي الحي مطالبين بأن تفتح المدرسة أبوابها فهي تصرف من أموال عامة؟ الأمل بأن تقوم معارضات في لبنان بحملات ضد تعيين موظف فئة خامسة لأن «ظهره محمي»، ولفتح مدرسة رسمية مقفلة في الحي يقبض أساتذتها الرواتب بدون أن يعملوا. هذه القضايا كبيرة وتساعد على الانتقال من علاقات نفوذ إلى إدارة الشأن العام.

خلال تنفيذ البرنامج أصبنا بالذهول! الأمور كافة في أي بلدة مسيّسة: الحفرة في الشارع والمجارير وقنوات المياه والكهرباء... في حال دعا أحدهم لاجتماع يقاطعه من ليسوا من عائلته بسبب الحزازات بين العائلات، مع أنهم يقطنون كلّهم على اختلاف انتماءاتهم وتوجّهاتهم في الحي نفسه وتجمعهم مصالح مشتركة! يجهل اللبنانيون أهمية المصلحة المشتركة. تؤدّي العناية بتحسين نوعية الحياة في أحد الأحياء إلى انعكاس ذلك إيجاباً على كل قاطنيه إذ ترتفع أسعار عقاراتهم ويتمتعون ببيئة لائقة وصحية. لكل مواطن مصلحة في الشأن العام وللشأن العام انعكاساته على كل مواطن.

في إحدى القرى في سويسرا Mont Pélerin، تخرج للتنزه في بعض أحياء القرية وتتعجب من جمالها وروعتها وكمالها. لا تجد فيها شيئاً مهملاً: نافذة مكسورة أو باب غير مطلي أو شجرة غير مشذّبة أو كيس نفايات غير مقفل... لا تجد أية شائبة! لا يعني ذلك أن البلدية وظفت شرطياً لمراقبة كل منزل وعائلة! الناس حريصون على الشأن العام.

لبنان وحدة مصلحية صلبة. زُرع لبنان على مدى خمس عشرة سنة بالمتاريس والمعابر، وهي كلها عجزت عن الفصل بين الناس، ما يعني أن مصالح اللبنانيين الحياتية اليومية متينة وغير قابلة للفصل. متى يدرك اللبناني ويعي مصالحه اليومية الحياتية المشتركة؟ يقوم رؤساء بلديات بإنجازات مهمة لكنهم يعانون من إساءة الناس إلى هذه الإنجازات. حققت بعض البلديات إنجازات لكن الناس قاموا بإتلافها.

قد يقول البعض إن مشاكل لبنان أكبر من الحفرة في الشارع والمصابيح المعطلة والنفايات على جوانب الطرقات وهناك مشاكل إقليمية ودولية! لكن عندما يتعامل اللبناني بجديّة مع الحفرة في الشارع والنفايات على الطرقات والأمور الحياتية اليومية، عندها يصبح أكثر جديّة في تعاطيه مع قضايا الوطن الكبرى.

نتمتع كلبنانيين بصفات إيجابية عديدة في الإبداع والانفتاح والمقاومة الوطنية والصمود والتصدّي والدفاع عن الحريات، لكننا نهمل الشأن العام. دعا الرئيس فؤاد شهاب في الستينات الأب لويس جوزف لوبريه Louis-Joseph Lebret لوضع خطة اقتصادية تنموية للبنان. كتب خلاصة لدراسته لا علاقة لها بالاقتصاد وفيها حاجة لبنان إلى لبنانيين يتضامنون ويعملون للشأن العام! يقول أحد الأميركيين وهو لبناني الأصل: «لبنانيّ واحد يساوي مئة أميركي ولكن مئة لبناني لا يساوون شيئاً»! (ا. مسرّه، الحكمية المحلية، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، الأجزاء 16، 18، 21، المكتبة الشرقية، 2002-2004، والشأن العام في الحياة اليومية المحلية في لبنان، جزء 21، 2013).

3. مؤشر لسلوك الناخبين المحليين: في لبنان اليوم حوالى 300 مجلس بلدي منحلّ بسبب نزاعات بين أعضائه. لا يجوز لمجلس بلدي منتخب التقاعس عن مهماته! إن وصف ذلك قانوناً هو تقاعس في ممارسة شأن عام abandon de poste. على سبيل المثال لا يجوز لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة ولا لأي وزير فيها الاستقالة أياً كانت المبررات، إلا في حالة الوفاة أو العجز المطلق في حالة المرض. سمعت من أهالي وأعضاء مجالس بلدية منحلّة أسباباً وتبريرات ودفاعات! لا يجوز لأي مجلس بلدي مُنتخب التقاعس في إدارة الشأن العام المحلي.

الحاجة إلى عمل ثقافي محلّي مكثّف في عدة بلديات في سبيل عدم انتخاب أي عضو سبق أن كان عضواً في مجلس بلدي منحل، أيًا كانت أسباب النزاعات والتعطيل! إذا أعاد مقترعون محليون – ولا نقول ناخبين – أيّاً من هؤلاء الأعضاء إلى مجالس بلدية جديدة فهذا يثير اليأس حول مستقبل لبنان وحظوظ التغيير والنهوض أياً كانت صلابة إرادة العهد الرئاسي والحكومي الجديد.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa