انسحاب "المستقبل" يفتح الطريق للمجتمع المدني في المنية

كتب مايز عبيد في "المدن": 

عزف تيار "المستقبل" عن الدخول في المعركة الانتخابية البلدية في المنية-النبي يوشع، كما في سائر المناطق. وتبلّغ العديد من الأطراف والفاعليات في المنية أنّ "المستقبل" على مسافة واحدة من الجميع، وأنّ أي تحرّك انتخابي لمحسوبين عليه يُعدّ تحرّكًا شخصيًا لا تغطية إطلاقًا، تماشيًا مع ما صدر عن الرئيس سعد الحريري. ثم كتب منسق "المستقبل" في المنية، توفيق حامد، على صفحاته أنّ "المستقبل لن يكون خصمًا مع أهله وجمهوره. قرار الرئيس الحريري هو الوفاق إذا أمكن أو الحياد".

عزوف "المستقبل" غيّر ما درجت عليه العادة في كل انتخابات بلدية سابقة، والتي كانت ذات صبغة سياسية واضحة. وعليه، فإنّ المعركة في المنية هذه المرّة مختلفة عن سابقاتها، لناحية عدم تدخّل "المستقبل" مباشرة في تركيب اللوائح ودعم المرشحين، في مدينة تُطلق على نفسها اسم "مدينة الشهيد رفيق الحريري". نتيجةً لذلك، تفرملت اندفاعة النائب الحالي أحمد الخير، والنواب السابقين كاظم الخير وعثمان علم الدين، ما يجعل المعركة الانتخابية بطابع عائلي واجتماعي بالدرجة الأولى.

الخلافات أعاقت العمل البلدي

الإحجام السياسي لـ"المستقبل" عن خوض المعركة أفسح المجال للمجتمع المدني في المنية لتوسيع تحرّكه الانتخابي. فقبل عزوف "المستقبل"، كانت شخصيات مستقلة قد بدأت تنشط على خط الانتخابات البلدية، انطلاقًا من واقع أنّ المجالس البلدية السابقة، التي كانت تُشكَّل لوائحها بالسياسة، لم تلبّ طموحات المنية بالإنماء. لا بل كانت المجالس البلدية تتنازعها الخلافات والتوترات، وغالبًا ما كانت تؤدي إلى حلّها. فآخر مجلس بلدي في دورة العام 2016، انفرط عقده في سنة 2019، نتيجة تبدّل التحالفات السياسية في المنية، بعد الانتخابات النيابية التي شهدتها المنطقة في العام 2018.

يزيد عدد الناخبين في المنية-النبي يوشع عن 30 ألفًا، وعدد أعضاء المجلس البلدي 21 عضوًا، من بينهم خمسة أعضاء لمنطقة النبي يوشع. لكنّ المنية بلا مجلس بلدي منذ تموز 2019، بسبب الخلافات السياسية. وعليه، تولّى محافظ الشمال رمزي نهرا إدارة البلدية، قبل أن يتم تكليف ديالا بدور بتسيير الأعمال في البلدية المنحلّة.

الخلافات السياسية التي قضت على العمل البلدي، انعكست ببروز شخصيات وهيئات شبابية وفاعليات تجارية وزراعية وتربوية واجتماعية مختلفة، محسوبة على المجتمع المدني. وكانت أولى محطات هذه القوى في العام 2019، في عهد حكومة سعد الحريري، عندما وقفت في وجه إقامة مكبّ للنفايات في منطقة جبل تربل، ونجحت في منعه رغم الضغوط السياسية لتمرير المشروع. أما المحطة الثانية فكانت في الانتخابات النيابية عام 2022، عندما رشّحت الشيخ محمد أسوم على لائحة قوى التغيير "إنتفض" في دائرة الشمال الثانية. ومؤخّرًا، عاد حراك المجتمع المدني في المنية للمشاركة في الانتخابات البلدية، تحت مسمّى "مجموعة العمل البلدي".

عودة المجتمع المدني

وتعتبر هذه القوى أنّ ما يجمعها هو المنية والنهوض بها. وما يوحّدها في هذه الانتخابات هو فكرة "إيصال مجلس بلدي بعيد عن الاصطفاف السياسي، حتى لا يصبح مصيره في مهبّ الريح عند أي أزمة سياسية تحصل، وحتى لا يستخدمه أي من الأطراف السياسية لاحقًا لصالحه في الانتخابات النيابية المقبلة".

وللغرض الانتخابي عينه، عُقد أكثر من لقاء للقوى المدنية في المنية في مطعم "عين البرج"، لمناقشة سبل تشكيل لائحة تمثّل ما بات يُعرف بـ"لقاء عين البرج". تقول مصادر متابعة لهذا الحراك لـ"المدن": "إن هيئات المجتمع المدني في المنية تبحث عن التغيير، وهي تسعى لتكوين لائحة بعيدة عن الاصطفافات، من شخصيات تتمتّع بالثقة والمصداقية لدى كل أبناء المنطقة، وستضمن فيها التمثيل المسيحي، وليس لها هدف إلا النهوض بالمنية. فإن حققت التوافق، فهذا جيد، وإلا فهي ستخوض الانتخابات بهذه الروحية، وإذا ما حصلت على دعم سياسي من أي جهة على المبادئ التي يطرحها المجتمع المدني، فلا مانع في ذلك".

ويقول الناشط عبدالله علم الدين، المشارك في الاجتماعات: "نحن لسنا إلغائيين، بل نمدّ اليد للجميع في المنية من دون استثناء. لكننا وصلنا إلى لحظة الحقيقة. فمنطقة المنية-النبي يوشع تحتاج إلى مجلس بلدي يمثّلها بالفعل، ويخرج من التبعية السياسية إلى التبعية للمنية ومصالحها وحدها. ويكون قادرًا على الاستمرار والإنتاج، ولا يتأثر بالضغوطات أو ينحاز لأي طرف. مجلس يحمل صفة العمل والإنجاز، وليس فيه صواعق فشل وتفجير".

وتشير آخر المعطيات حول الحراك البلدي في المنية إلى أنّ عزوف "المستقبل" أعطى مزيدًا من الزخم للحراك المدني، ودفع العديد من القوى إلى قراءة مشهد المتغيّرات في المنية. وقد انطلق الحراك المدني بالمزيد من الاجتماعات المكثّفة، لتكون كلمته هذه المرّة الأقوى، ويُصغى لها للوصول إلى مجلس بلدي يمثّل طموحات المنية وأبنائها.