حين تُختصر الدولة بخزان مازوت: بعلبك بين خطاب المقاومة وحقيقة التبعية!

08:50AM

كتبت سوزان سعد ياغي: 

في زمن الانهيار الشامل، لا يحتاج اللبنانيون إلى دروس في الولاء أو مواعظ في الكرامة، بل إلى مؤسسات تحترمهم، وبلديات تُدار بمال عام لا يُستثمر كأداة ابتزاز انتخابي. 

من مدينة بعلبك، التي تحمل إرثاً وطنياً عريقاً وموقعاً مركزياً في التاريخ اللبناني، خرج مسؤول “حزب الله” ليقدم مرافعة حزبية دفاعاً عن إدارة بلدية كانت – حسب اعترافه – عاجزة تماماً عن تغطية حاجاتها التشغيلية من دون “كرم الحزب”.

ما قُدّم في خطاب مسؤول منطقة البقاع، ليس بياناً تنموياً، بل إعلان واضح عن قيام دولة موازية تُحكم بالمحروقات، وتعيش بلدية بعلبك على أوكسيجينها. 

بلدية تعيش على مخصصات تفيض بها جهة حزبية، تموّلها طهران وتغذيها شبكات اقتصاد غير شرعي، من تهريب السلاح إلى الكبتاغون، ومن تجارة المخدرات إلى تهريب المحروقات.

فليخبرنا المعنيون من أين يأتي هذا الحزب بـ10 آلاف ليتر من المازوت شهرياً؟ 

ومن يمول تلك الكميات في بلد لا يستطيع تأمين كهرباء لعاصمة؟ 

كيف لحزب يزعم الحصار المالي أن يغدق على بلدية بعلبك وقصور الدولة تقف عاجزة؟ 

الجواب معروف، ومنشور حتى في تقارير الأمم المتحدة ووكالات مكافحة المخدرات الدولية،حزب الله متورط في شبكات تهريب الكبتاغون والسلاح، وعلاقته بحلقات النفوذ داخل النظام السوري السابق ليست خافية، وقد انكشفت حتى في ملف “نفق عماد” الذي اتضح أنه لا يؤدي إلى “أرض العدو” كما زُعم، بل إلى أراضي قصر ماهر الأسد، بوابة الشاحنات المهرّبة بين لبنان وسوريا.

في خطابه، حوّل النمر المساعدات إلى وسام، والمازوت إلى مكرمة، وتطوّع عناصره لحماية معمل فرز النفايات إلى شهادة تشبه “الجهاد”، في استعراض مستمر لفائض القوة الذي يُراد له أن يخفي العجز البنيوي في الإدارة، ويُسكِت الأصوات المعارضة التي تحاول رسم مسار بلدي مستقل، بعيداً عن سطوة المحور.

المفارقة أن من يتهم خصومه بالحصول على “مال مشبوه”، لم يقدّم لائحة واحدة بمصدر تمويل حزبه، لا في بعلبك ولا غيرها من المناطق،ولا فصّل يوماً كيف يموّل رواتب محازبيه ودوائره، ومعاركه، وخطابه الإعلامي، ومدارسه، ومستشفياته، ومواكبه الأمنية. أليس المال المشبوه هو ذاك الذي لا يمر في وزارة، ولا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة، ولا يُدرج في الموازنات؟

ما يُطرح اليوم في بعلبك ليس مجرد معركة انتخابية، بل معركة حول شكل الدولة وكرامة المواطن. 

فإما دولة تقدّم المحروقات من الخزينة، أو دولة تُستبدل فيها صناديق الاقتراع بصناديق الوقود، والمجالس البلدية بمكاتب ولائية.

أهل بعلبك، بكل طوائفهم وكرامتهم وذاكرتهم، يستحقون بلدية تُدار باسم الشعب، لا بإذنه فقط، وبأموال الناس، لا بأموال لا تمرّ حتى من باب مصرف لبنان.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa