17/06/2025 07:17PM
كتب رالف يونس:
في قلب المعمعة الشرق أوسطية الدامية، حيث تتقاطع النيران بين طهران وتل أبيب، لا يبدو المشهد مقتصرًا على ضربات عسكرية أو اصطفافات استراتيجية فحسب. فهناك طبقة أعمق من الصراع، تسكنها نزاعات نفسية دفينة، بعضها شخصي بشكلٍ لافت. في هذا السياق، لا يُعدّ ظهور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيد البراغماتية الشعبوية، في ثوب المؤيد الصارخ لأي عمل عسكري ضد إيران، أمرًا مفاجئًا. لكنه، في الوقت ذاته، لا يخفي شماتة مبطّنة بما يصيب إسرائيل، وتحديدًا رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الرجل الذي لم يتردد يومًا في تحدي واشنطن حين ظن أن موازين القوى تميل لصالحه.
هذه الثنائية العجيبة بين التأييد الظاهري والنكاية الخفية تعيدنا إلى ما يمكن تسميته بـ"الحرب الباردة داخل البيت الأبيض". ففي عام ٢٠٢٠، لم يُخفِ ترامب امتعاضه من نتنياهو، خاصة بعد فشل "صفقة القرن"، وتسرّع تل أبيب في توقيع اتفاقيات أبراهام مع دول عربية دون تنسيق نهائي مع واشنطن. شعر ترامب آنذاك أن نتنياهو خانه سياسيًا، بل قلّل من شأنه كرئيسٍ رعى تلك المبادرات. واليوم، وسط تصعيد عسكري واسع بين إسرائيل وإيران، قد يرى ترامب في الضربات الإيرانية نوعًا من "العدالة القدرية" لرجلٍ تجرأ على كسر ولائه.
لكن، بعيدًا عن الحسابات الشخصية، يبقى الواقع العسكري والاستراتيجي مجردًا من الرغبات. فإيران، رغم ترسانتها الصاروخية ومحورها الممتد من بيروت إلى صنعاء، لا تُعدّ قوة عظمى. وهي، على الأرجح، لن تخرج منتصرة من حرب مباشرة مع إسرائيل المدعومة غربيًا. فموازين القوى الحقيقية، كما علمتنا الحروب الكبرى، لا تُقاس بضجيج الإعلام، بل بقدرة الدولة على الصمود الاقتصادي والسياسي، خاصة عندما تطول المعركة ويشتد الضغط الدولي.
اللافت أن الغرب، وفق تسريبات وتحليلات أمنية، لا يرى في سقوط الجمهورية الإسلامية فوضى، بل فرصة نادرة لخلع العمامة وإعادة التاج. وبينما تتكثف العمليات العسكرية، تتواتر الأنباء عن اجتماعات أوروبية وأميركية ضمن مجموعة الدول السبع، تناقش مرحلة ما بعد خامنئي، وتتحدث عن اتصالات غير معلنة مع رضا بهلوي، نجل الشاه المخلوع، إلى جانب شخصيات ليبرالية محسوبة على الخط الغربي، يُنظر إليها كبدائل محتملة تُعيد إيران إلى "العالم الحر" عبر بوابة نظام ملكي أو ديمقراطي علماني.
ليست هذه المرة الأولى التي يُعاد فيها تدوير رموز سابقة تحت شعار "الانتقال الديمقراطي". حدث ذلك في العراق مع أحمد الجلبي وإياد علاوي، وفي أفغانستان مع حامد كرزاي، وفي ليبيا مع تحالفات هشّة تهاوت سريعًا. واليوم، يُقدَّم رضا بهلوي ليس فقط كملك محتمل، بل كضامن للاستقرار الاقتصادي والسياسي في منطقة أنهكها الصراع الأيديولوجي وتصدير الثورة.
لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تنجح عودة الشاه في مجتمع لم ينسَ بعد قمع "السافاك" وترف البلاط الإمبراطوري؟ وهل إيران، التي صنعت ثورتها بقبضة دينية وشعبوية، مستعدة لاستقبال ابن الشاه كمخلّص؟ قد لا تكون الإجابة سهلة، لكن المؤكد أن الغرب لا يراهن فقط على ذاكرة الإيرانيين، بل على تعبهم. تعبٌ من العزلة، من القمع، ومن خطر الاندثار الوجودي.
ومع ذلك، فالمعادلة ليست بهذه البساطة. إيران اليوم ليست دولة رخوة، بل محصّنة بطبقة أيديولوجية وعسكرية متغلغلة في مفاصل الدولة والمجتمع. وإسقاط النظام، حتى لو تم باغتيال خامنئي أو ضربة عسكرية موجعة، لا يفتح بالضرورة الطريق أمام من يريده الغرب على رأس المشهد.
في خضم هذا التحول المحتمل، يبرز سؤال أخلاقي قبل أن يكون سياسيًا: هل سقوط نظام ديني شمولي يعني بالضرورة العودة إلى نظام ملكي؟ أم أن ذلك يعكس افتقار الغرب إلى خيال سياسي أوسع من مجرد إعادة تدوير الماضي؟
المفارقة مريرة: الشعار الذي أسقط الشاه قبل نصف قرن كان "الموت لأميركا"، واليوم يُعاد طرح ابنه كمنقذ برعاية أميركية - أوروبية. وكأنّ الزمن يدور في حلقة مفرغة، تتردد فيها صرخة فرنسية شهيرة: "مات الملك، عاش الملك"... ولكن هذه المرة بصيغة فارسية: مات السيّد، عاش الشاه.
ما يحدث اليوم في طهران وتل أبيب ليس مجرد صراع عسكري، بل معركة حول من يكتب التاريخ القادم للمنطقة. وإذا ما تجاوزت الحرب أسبوعها الثاني، فإن الخطر لم يعد محصورًا في النظام الإيراني، بل يهدد استقرار الإقليم بأسره. فالسقوط لا يصيب عرشًا واحدًا، بل يفتح جراحًا لا تُخاط سريعًا.
شارك هذا الخبر
البترون تتألق: انطلاق مهرجانات صيف 2025 برعاية وزيرة السياحة
روسيا تحذر: هجمات إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية تهدد بكارثة نووية!
مسؤولون أميركيون لـ"سي.إن.إن": ترامب تراجع عن إرسال مسؤولين كبار للاجتماع مع الإيرانيين لمحاولة التوصل إلى اتفاق
نتنياهو: سنقوم بكل ما يلزم لتدمير المنشآت النووية في إيران
نتنياهو لـ القناة 14: بعد النصر سيكون هناك شرق أوسط مختلف
إردوغان: نتنياهو الخطر الأكبر على الشرق الأوسط!
الإمارات تحذّر: المواجهة الإقليمية تقترب..والدبلوماسية السبيل الوحيد
عودة اللبنانيين من أنطاليا: خيارات سريعة تنقذ العالقين!
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa