04:07PM
كتب رالف يونس:
التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يهمس لمن يُجيد الاستماع. ففي يناير ١٩٩١، جلس طارق عزيز، وزير خارجية العراق آنذاك، قبالة نظيره الأميركي جيمس بيكر في جنيف، في لحظة وُصفت بأنها الفرصة الأخيرة قبل أن تهب عاصفة الصحراء. سلّمه بيكر رسالة من الرئيس جورج بوش الأب إلى صدام حسين، تحذّره من أن استمرار احتلال الكويت سيؤدي حتمًا إلى حرب مدمرة. لكن عزيز، بكبرياء عراقي وعناده المعروف، رفض استلام الرسالة قائلاً: "هذه ليست لغة يتحدث بها رؤساء الدول". ترك الرسالة على الطاولة، وغادر القاعة. بعد أسابيع، اجتاحت الجيوش الأميركية العراق.
اليوم، في جنيف أيضًا، يتكرر المشهد، ليس في الشكل فقط، بل في الروح والمواجهة. عباس عراقجي، كبير مفاوضي إيران ووزير خارجيتها، يرفض، باستعراض لا يخلو من التحدي السياسي، تسلّم أي رسالة من إدارة دونالد ترامب، التي عادت بقوة إلى البيت الأبيض. محاطًا بمقترحات أوروبية تهدف إلى كبح التصعيد مع إسرائيل، قال عراقجي بوضوح: "لا رسائل، لا وساطات، لا مفاوضات قبل وقف العدوان الإسرائيلي على إيران". كانت كلماته حاسمة، لكنها أيضًا تحمل ما يشبه الإنذار المضاد.
وهنا يعود السؤال الذي تجاهله التاريخ في بغداد: ماذا يحدث عندما تُترك الرسائل على الطاولة؟
بين طارق عزيز وعباس عراقجي خيط رفيع من العناد الدبلوماسي. كلاهما واجه الغرب من موقع الممانعة، رافضًا لغة الإملاء السياسي. لكن جوهر القضية لا يكمن في موقف الرفض، بل في عواقبه. رفض عزيز لرسالة بيكر كان إيذانًا بنهاية الدبلوماسية، وبداية لحرب لم يخرج العراق من تبعاتها حتى اليوم. فهل يكرر عراقجي الخطأ نفسه، ولكن هذه المرة تحت شعار "الكرامة السيادية"؟
رفض رسالة ترامب، سواء كانت مباشرة أو عبر وسطاء عرب وأوروبيين، لا يعني فقط إغلاق الباب في وجه السياسة، بل أيضاً نسف أي احتمال لمخرج تفاوضي، في لحظة حرجة تشهد أول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بعد سنوات من حروب الظل والوكالة.
في عالم السياسة، الرسائل ليست مجرد ورق، بل أدوات اختبار للإرادات، ومؤشرات لبقاء خطوط التواصل مفتوحة. تجاهلها لا يُسقط مضمونها، بل يُسقط إمكانية قراءتها بتأنٍ أو تأويلها لصالحك.
القيادة الإيرانية تجد نفسها اليوم في مواجهة غير مسبوقة: قصف مباشر، انهيار في الدفاعات، تهديدات أميركية علنية، أزمة اقتصادية خانقة، وعزلة إقليمية متفاقمة. في هذا السياق، لا يبدو رفض الرسائل خيارًا استراتيجيًا بقدر ما هو مقامرة غير محسوبة.
وراء الأبواب الغربية، تُتداول تسريبات حول مرحلة ما بعد الجمهورية الإسلامية. من الحديث عن تواصل غير مؤكد مع رضا بهلوي، إلى لقاءات مع شخصيات معارضة في المنفى، يبدو أن بعض العواصم لم تعد تفكر بإصلاح النظام، بل باستبداله. ومع عودة ترامب إلى الحكم، عاد خطاب "الضربة الحاسمة" بقوة إلى واشنطن.
في هذا المناخ، يُقرأ رفض الرسالة في واشنطن ولندن وباريس كإغلاق للنافذة الدبلوماسية. وما يُغلق في جنيف، قد يُفتَح بصواريخ التوماهوك من البحر، أو بقنابل "MOP" الضخمة من طائرات B‑2 الشبحية.
طارق عزيز لم يُسقِط الطائرات الأميركية برفضه الرسالة، ولم يمنع الغزو، ولم يُنقذ بغداد. بل إن قراره ساعد واشنطن على إضفاء الشرعية على حربها. واليوم، قد يكرّر عراقجي المشهد ذاته: حيث يتحوّل الخطأ التكتيكي إلى كارثة استراتيجية.
ربما لم يكن بوسع عراقجي أن يوقف الحرب، لكنه كان قادرًا على كسب وقت، أو إحراج خصومه أخلاقيًا، أو حتى فتح نافذة جديدة لتجميد التصعيد. لكن حين تُرفض الرسائل قبل قراءتها، لا أحد يسمع نداء العاقبة.
خُذ الرسالة يا عباس... قبل أن يكتبها التاريخ بمداد الدم.
شارك هذا الخبر
الطيران الحربي الاسرائيلي شن غارات استهدفت مرتفعات الريحان وتومات نيحا وأطراف وادي برغز
بشرى الخليل تصرخ وترمي القلم! ٤ ايام وتسقط القبة الحديدية انتظروا صاروخ نصر-الله والحزب سيحتل الجليل
جلسة مجلس الوزراء: هذه أبرز المقررات
نتنياهو: هدفنا تدمير برنامج إيران النووي ولدينا القدرات اللازمة
مرقص: تشكيل لجنة وزارية مصغرة لدارسة الإطار القانونيّ الأسرع الذي سيُعتمد لتطوير مطار القليعات وعرض النتيجة في جلسة مجلس الوزراء المقبلة
عقوبات أميركية جديدة على إيران
وزير الإعلام بول مرقص بعد جلسة مجلس الوزراء: إقرار ترحيل المواد الكيماوية من معملي الجية والذوق
تصعيد جديد في غزة: غارات إسرائيلية تقتل 43 فلسطينياً
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa