الإخوان في سوريا صراع مصالح وانكشاف زيف الشعارات

06:47PM

كتب طارق أبو زينب:

تتزايد التساؤلات داخل الأوساط السياسية والمتابعة للحراك الإسلامي حول وحدة القيادة داخل تنظيم "الإخوان المسلمين" في سوريا، وسط مؤشرات متزايدة على تآكل التنسيق بين فرع الجماعة في الداخل السوري والقيادة الدولية المقيمة في الخارج .

فهل لا يزال فرع سوريا تابعًا فعليًا للتنظيم العالمي، أم أصبح كيانًا مستقلًا يعمل وفق أجندات محلية وإقليمية تخدم مصالحه الخاصة؟ هذا السؤال لم يعد نظريًا، بل بات يُطرح داخل صفوف التنظيم نفسه، وفق ما تؤكده مصادر مطلعة على النقاشات الداخلية .

تقول هذه المصادر إن الخلافات تفجّرت علنًا بعد صدور بيان صلاح عبد الحق، القائم بأعمال مرشد الجماعة، والذي اعتُبر بمثابة إعادة تموضع باتجاه طهران، ما أثار غضب فرع سوريا، ليس رفضًا للتحالف بحد ذاته، بل بسبب ما وصفه بعض القياديين بـ"انفراد المركز باتخاذ قرارات استراتيجية تمس الواقع الميداني دون التشاور معهم".

ازدواجية المواقف: خطابات براقة ومصالح ضيقة

يظهر التناقض الصارخ بين المواقف السياسية المعلنة للقيادة الدولية، التي تُبدي تحفظًا نظريًا تجاه التمدد الإيراني، وبين الممارسات الميدانية لفرع سوريا، الذي لا يخفي سعيه إلى تعزيز علاقاته مع طهران، بحسب تقارير سياسية تداولتها أوساط قريبة من ناشطين أسلامين سوريين في إسطنبول .

هذا الانفصام لا يُفسَّر فقط بانقسام تنظيمي، بل يكشف أزمة أعمق في بنية الجماعة، ويؤكد أن الشعارات التي ترفعها القيادة الدولية عن "الخطوط الحمراء" لم تعد تعني شيئًا على مستوى الأداء العملي .

صراع نفوذ داخل الجماعة

بحسب مصادر مطلعة، شكّل بيان عبد الحق "إحراجًا متعمّدًا" لتنظيم الإخوان في سوريا . وتلفت المصادر إلى أن الاعتراض لم يكن على مضمون البيان بحد ذاته، بل على توقيته، الذي فضح هشاشة التنسيق الداخلي، وأظهر الجماعة وكأنها تتصارع على النفوذ بدلًا من التمسك بثوابتها .

تقاطع الحسابات مع إيران

خلاف فرع سوريا مع جبهة لندن (القيادة الدولية) لا ينبع من عداء مبدئي للنفوذ الإيراني، بل من تعارض في المصالح التكتيكية، بحسب متابعين لحركة الجماعة في سوريا. فقد سبق لفرع سوريا أن حاول الحصول على دعم إيراني للانفراد ببعض المواقع السياسية والعسكرية على حساب مجموعات معارضة أخرى، ما وضعه في موقع الشريك الموضوعي لاستراتيجية طهران في تفكيك المعارضة من الداخل.

توظيف الدين كأداة سياسية

يقول خبير مصري في الجماعات الإسلامية المتشددة ومنشق سابق عن تنظيم الإخوان الدولي إن الوجه الأخطر في هذا المشهد يتمثل في توظيف الدين لتبرير تحالفات سياسية قائمة على المصالح. فإيران، التي ترفع شعار "المقاومة والممانعة"، تدعم في الواقع أنظمة قمعية وتسعى إلى ترسيخ نفوذها من خلال ميليشيات طائفية مسلحة .

في المقابل، يرفع "الإخوان المسلمون" شعار "الإسلام هو الحل"، بينما تكشف الوقائع أنهم مستعدون للتخلي عن المبادئ مقابل حصة في السلطة أو دعم خارجي.

وتعليقًا على هذا التداخل، يوضح مصدر مطلع على آليات التنسيق بين الجماعات الإسلامية أن الخطاب الديني لدى الطرفين بات أداة نفعية تُكيّف بحسب المتطلبات السياسية والجهات الداعمة. وهذا ما يفسر التلاقي المصلحي بين جهات يفترض أنها متناحرة أيديولوجيًا لكنها تتقاطع عمليًا عند نقطة استثمار الدين كوسيلة للنفوذ.

هذا التقاطع في السلوك يُظهر أن الطرفين ليسا خصمين بقدر ما هما شركاء في استغلال الدين لأهداف توسعية، ضمن مشاريع تتخطى الحدود الوطنية وتتصل بصراعات إقليمية أوسع.

سقوط الخطاب وسقوط المشروع

ويشير المصدر إلى أن ما يجري اليوم داخل تنظيم "الإخوان المسلمين" في سوريا ليس مجرد خلاف تنظيمي داخلي، بل هو تعبير عن أزمة عميقة في البنية الفكرية والمرجعية السياسية للتنظيم .فحين تصبح المبادئ رهينة لصراعات النفوذ، وتسقط الحدود بين الشعارات والمصالح، تنهار كل مقومات العمل السياسي الحقيقي.

الإخوان في سوريا، كما قيادات لندن، يقدمون اليوم النموذج الأوضح لفشل المشروع الإسلامي السياسي حينما يتحول إلى أداة بيد القوى الإقليمية، على حساب آمال الشعوب في الحرية والكرامة الإنسانية .


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa