26/06/2025 08:27PM
كتب رالف يونس:
لم يكن اللبناني يومًا بعيدًا عن نار السياسة، لكنه، على ما يبدو، لم يكن يومًا قريبًا من حقيقتها. تلك السياسة التي قُدِّمت لنا كمزيجٍ راقٍ من العلوم الإنسانية وفنون المفاوضة والدهاء الدبلوماسي، تبيّن لاحقًا أنها لم تكن سوى مستنقعٍ عَفِن، تُدار فيه الشعوب كما تُدار قطع الشطرنج، وتُباع فيه الأوطان برخص المساومة، ويُختزل فيه الدم إلى توقيعٍ على ورقة، والدمار إلى بندٍ في اتفاقٍ سرّي.
لعلّ أكثر ما أُقنعنا به، كأبناءٍ لهذه الأرض الجريحة، هو أن الشهادة والتضحية ليستا خيارًا، بل واجبًا مقدّسًا: أن نموت كي تبقى القضية، أن نخسر أبناءنا كي تبقى الأرض، أن نُذبح كي تعيش الشعارات. هكذا رُبّيت أجيال، وهكذا غُسلت العقول بماءٍ لا يُطهِّر. أُشرِبنا حليب "الكرامة الوطنية" منذ الطفولة، وكبرنا على أن المقاومة هي طريق الخلاص الوحيد، من دون أن نُمنَح حقّ السؤال: خلاصٌ ممّن؟ ولصالحِ مَن؟
سنواتٌ طويلة من الجوع، والحرب، والفساد، والانهيارات، والتشظّي الطائفي، والتعفّن الاقتصادي، لم تكن إلا نتائجَ طبيعية لحياةٍ سياسيةٍ ملوّثة، أدارها ساسةٌ يتقنون التلوّن والانحناء للعواصف، بينما يُبقون أقدامهم مغروسةً في وحول مصالحهم. خُدعنا بالمقاومات "الشريفة"، ففتحنا بيوتنا، وجيوبنا، وقلوبنا لها. صرنا نحمل السلاح عنها، ندافع عنها، نموت عنها، ونكتب وصايانا باسمها. لم نكن نعلم أننا لسنا سوى وقودٍ في حربٍ لا تُشبهنا، ولا تمتّ إلينا بصلة.
حمينا مقاوماتٍ تعمل وفق أجنداتٍ إقليميةٍ غامضة، لم تسعَ يومًا إلى تحرير الأرض، بقدر ما سعت إلى ترسيخ وجودها كأداةٍ تنفيذيةٍ لمشاريع كبرى، نحن أصغر من أن نُستشار بشأنها. ضحّينا بكلّ شيء: بدمائنا، برزقنا، بأماننا، وحتى بعقولنا، لنكتشف لاحقًا أن مزارع شبعا، التي كانت عنوان النضال الأوحد، قد لا تكون أصلًا لنا!
هل كان هذا هو الثمن؟ أن نُقتَل على حدودٍ لا نملكها؟ أن تُدمَّر بيوتٌ لا نعلم إن كانت داخل خارطة الوطن أم خارجها؟
كم من روحٍ سرقتموها؟ وكم من بيتٍ دمّرتموه؟ وكم من جيلٍ هجّرتموه باسم "القضية" التي لم تكن يومًا قضيتنا؟
نعم، لقد استخدمتمونا كدروعٍ بشرية، كصدىً لصراخ محورٍ لا نعرف منه سوى قراراته. حارب بنا، وبنا فقط، ثم خاض معركته القصيرة، لا أكثر من ثلاثة عشر يومًا، كأنها مسرحيةٌ من تأليف محترف، يعرف متى يُرفع الستار ومتى يسقط. ثم خرج علينا بمشهد الختام، كتبه بدمنا نحن، وأعلن "الانتصار"!
أيُّ انتصارٍ هذا الذي لا يُنجَز إلّا بخرابنا؟ أيُّ نصرٍ يُقام على ركام بيوتنا؟ وأيُّ مقاومةٍ تلك التي تطعننا بخناجرَ خلفيّةٍ في كل مفترقٍ مصالحي؟ كنا نحن الجنود، والدرع، والجسر، وأنتم كنتم القادة، والمخرجين، وجامعي الغنائم.
أيها السياسيون الذين لا تهضمكم أرض، ولا تتقبّلكم سماء، اعلموا جيدًا: لو اغتسلتم ألفًا، ولو توضأتم خمسين لا خمسًا، فلا طُهركم طاهر، ولا صلاتكم مقبولة، ولا ندمكم شفيع؛ هذا لو كنتم تعلمون معنى الندم.
نحن الشعوب، كنّا الوقود في محرقتكم. أمّا أنتم، فكنتم دائمًا وسَخ التاريخ… وستبقون.
شارك هذا الخبر
الأرقام مرعبة حقاً... حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي على غزة
وزير الدفاع الإسرائيلي: خامنئي تفادى الاغتيال بالاختباء تحت الأرض
وزير الخارجية الإيراني: أضرار كبيرة طالت المواقع النووية بعد 12 يوماً من الحرب
وزير الخارجية الإيراني: إيران ليست لبنان وإذا ما تمّ خرق وقف النار سيكون ردنا حاسما
قاسم: وقف إطلاق النار انتصار لإيران... ونفتخر بأننا تحت لواء الخامنئي
بشأن مزارع شبعا... توضيح من السيد
قاسم: كانوا يريدون إسقاط النظام في ايران وفشلوا ووقف اطلاق النار هو مصلحة إيرانية لأنه اوقف العدوان عليها
الشيخ نعيم قاسم: نقارب مواقفنا بعدم الخضوع وتحمّل المسؤولية والاستفادة من الموارد المتاحة
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa