ظاهرة "البودكاست" تطغى على المشهد الإعلامي اللبناني... وتكتسح الشاشات

07:05AM

كتبت فيفيان حداد في "الشرق الاوسط":

يبدو أن مقولة «إذا لم يكن عندك بودكاست فهذا يعني أنك غير موجود» صارت واقعاً ملموساً على الساحة الإعلامية. فهذا النوع من وسائط الإعلام الرقمي بات يحقق انتشاراً واسعاً. وإذا ما قمت بجولة سريعة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا بدّ أن تكتشف وجوهاً جديدة تقدّمه، منتمية إلى المجال الإعلامي أو من خارجه، بعدما صار الـ«بودكاست» سيّد الساحة ومالكها.

البدايات... أثير رقمي

للعلم، ولدت فكرة «البودكاست» عام 2001 على يد الثنائي آدم كاري ودايف وينر. وانتشر بعدها عبر الـ«آي بود» ليؤلف صناعة رقمية بامتياز. واستهلت بدايات هذه الظاهرة بمحتوى صوتي فقط عزّزته التطبيقات الإلكترونية. وفجأة صار امتداداً لعمر الإذاعات، ثم تطوّر وشقّ طريقه نحو البصري، ليصبح جائحة بحدّ ذاته. ميكروفون وسط المشهد ومحاور وضيف، يشكلون مجتمعين أركان «البودكاست».

وكما في لبنان، كذلك في العالم العربي أخذا نصيبهما من هذه الظاهرة. وعبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي والـ«يوتيوب» لا بدّ أن ننوه بكمية عناوين «البودكاست» الأشهر، ومن بينها «فنجان» و«بلا كلام فاضي» من المملكة العربية السعودية، و«بودكاست المحور» من دولة الإمارات العربية المتحدة، و«عقل غير عادي» من سوريا. في لبنان تجتمع تحت سقف هذه الظاهرة أسماء إعلاميين كثر، من بينهم ريكاردو كرم ونايلة تويني وجاد غصن وغيرهم. وتبرز أيضاً أسماء إعلامية أخرى عبر منصات مختلفة، مثل هبة حيدري في «منّا وفينا»، ومحمد قيس في «عندي سؤال» عبر «المشهد». وكذلك «بودكاست» يديره فنانون أمثال ميشال أبو سليمان ووسام صليبا والمؤثرة نور الغندور وغيرهم. ويبقى أن الأهم هو تنوّع المواضيع الجاري تناولها مع الضيوف، ومنها السياسي، والاجتماعي، والنفسي، والرياضي، بينما هناك مواضيع أخرى تحكي عن أسرار النجاح في الحياة والعمل، وكيفية جمع الثروات والمال.

زافين والـ«بودكاست»

الإعلامي زافين قيومجيان له تجربته في هذه الظاهرة. وهو يقدّم على قناته الخاصة بودكاست «مية على ميّة» من إنتاج الجامعة اللبنانية الأميركية (إل آي يو) في ذكرى مئويتها، والثاني «عدّ للعشرة»، ويتعلق بقصص نجاح لبنانيين في مجالات مختلفة.

كذلك ينظم قيومجيان ندوات وصفوفاً خاصة في مؤسسات عربية ولبنانية عن كيفية تقديم «البودكاست» وقواعده. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال إنه «يشكّل الوجه الجدّي للمنشور والـ(ريل) في السوشيال ميديا. وبات يصنع أرشيفاً بصرياً وسمعياً هائلاً، يشبه إلى حدّ كبير البرامج الحوارية التلفزيونية، ولكن من دون أن يتحكّم به الزمان أو المكان، ما يحرّر صاحبه من ضيق الوقت المهيمن على الشاشة».

وأردف: «هناك تقنية رئيسة يجب أن يتقنها المحاور في أي (بودكاست)، هي العفوية ومعرفة بناء جمهور متابع له... مع معرفة كيفية الترويج للمحتوى. إنها موضة تضرب الإعلام اليوم، لا سيما وأنها غير مكلفة، ولا تتطلب ميزانيات مادية كبيرة».

هذه المساحة الحرّة المتاحة لأي شخص شملت أسماء معروفة وبالعكس. فالشاب جيل الغبري، مثلاً، اختار موضوع الأب ليتناوله مع ضيوفه ومدى أهمية هذا الشخص في أي عائلة. فيما رأت «الشيف» منى موصلي في بودكاست «على طاولة منى» العنوان الأفضل لحوارات مع المشاهير. ومن الإعلاميين الذين التحقوا أخيراً بهذه الظاهرة ريما كركي في بودكاست «حسب الضيف»، ورانيا برغوت في «نقطة عالسطر».

وبالمناسبة، لا تقتصر هذه الظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية؛ إذ طالت أيضاً شاشات التلفزيون ومنها «الجديد» والـ«إم تي في».

العالم العربي يعاني نقصاً

يعدّ الإعلامي محمد قيس من نجوم «البودكاست» في عالمنا العربي اليوم. ومن خلال «عندي سؤال» الذي يحاور فيه نجوم الفن يحصد شهرة ونجاحاً واسعين. وعلى منصة «المشهد» يقدّم برنامجه أسبوعياً ويحقق نسب مشاهدة مرتفعة.

قيس قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن تجربته في «البودكاست» تأتي بمثابة وثائقي يؤرّخ مرحلة من حياة الضيف. ويتابع: «العنصر الأهم في البودكاست الابتعاد عن تقليد الآخر لأنه ناجح. وكذلك اختيار المضمون الذي يعيش لمدى طويل». وعما إذا كان يرى هذه الظاهرة زائلة في المستقبل القريب، ردّ: «لا أستطيع الجزم بعدد سنين حياتها. يمكن أن تنتهي بسرعة ويمكن العكس أيضاً. أنا شخصياً أعمل على المدى الطويل. وثمة إحصائيات تشير إلى أن عالمنا العربي، ومقارنة بدول أجنبية وأوروبية يعاني من نقص في برامج البودكاست».

ويشير قيس إلى أنه في حواراته لا خطط مسبقة له، فهو يترك للحظة أن تتحكّم بأحاسيسه. ويوضح: «أعيش حالة خاصة في حواراتي، ترتكز على حب الضيف للكرسي الذي يجلس عليه والراحة التي يشعر بها، فنغوص بالأحاديث لننفصل تماماً عن عالمنا الحقيقي. لقد تعلّمت أن أصغي إلى رأي الآخر. كما أن نبرة الصوت تتأثر بما يبوح به الضيف. وهو ما يجعل صوتي يرتبط بإحساسي».

من ناحية ثانية، يعتمد بعض نجوم «البودكاست» بثّه صوتياً فقط عبر تطبيقات، ويعرضونه بالصوت والصورة على منصات وقنوات إلكترونية أخرى. ويأتي هذا الخيار على خلفية إتاحة سماع أي شخص لـ«البودكاست» في أي زمان ومكان. فأثناء قيادته السيارة كما خلال ممارسته الرياضة في النادي يكون «البودكاست» رفيق درب، وكذلك يواكب كثيرين في البيت وخلال العمل وفي أثناء السفر.

مساحة حرة

تعدّ الإعلامية رانيا برغوث، أيضاً، من الوجوه الإعلامية التي حفرت في ذاكرة المشاهد العربي، وتركت عندهم الحنين والذكريات لزمن الإعلام الحديث والمتألق في آن.

وأخيراً، بعد غياب أطلّت برغوث في «بودكاست» يتناول موضوع المرأة بعد الأربعين. وتحت عنوان «نقطة عالسطر» تستضيف رانيا نساء من هذا الجيل، وتحاورهن حول الهموم والمشاكل التي يواجهنها . وهي تشير إلى أن المرأة الخمسينية كما الستينية تعيش صراعات عدّة تتراوح بين الوحدة والتقدم في العمر والحفاظ على لياقتها وجمالها وغيرها. وراهناً، يلاقي برنامجها نجاحاً لافتاً، وخلال حوار مع لـ«الشرق الأوسط»، قالت: «(البودكاست) صار بمثابة مساحة حرّة ضبطُها مهمةٌ تقع على مسؤولية صاحبها. أنا شخصياً أعمل على تجنب تجاوز حدود مجتمعنا العربي المحافظ. كما أني في الوقت عينه أقول ما أريده وأعبّر عنه على طريقتي».

برغوث تتمتع بتجربة إعلامية طويلة وغنية تخوّلها إجراء حوارات ممتعة ومشوقة مع ضيفاتها، وهي تختارهن من بين زميلات وصديقات وخريجات مجالها الجامعي. وتوضح: «هذه المساحة ضمن الإعلام البديل فتحت أفاقاً واسعة للتحاور. لقد حرصت على تقديمه أيضاً بشكله الأصلي أي بالصوت فقط، فيسهل سماعه أينما كنّا. وكذلك يعرض (نقطة عالسطر) على منصات أخرى بالصوت والصورة. والأهم هو أن هذه الحرية ترتبط بك مباشرة من دون أي تدخلات خارجية. ووجدت في هذه الخطوة القرار الصحيح بعد غياب عن الساحة. فلطالما تساءلت: وهلّأ شو؟ وجاء الجواب صريحاً وواضحاً مع (البودكاست) الذي أستمتع بتقديمه اليوم».


المصدر : الشرق الاوسط

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa