زياد الرحباني: صوت يختفي بلا مأوى رقمي

كتبت جوانا صابر في "السياسة":

رحل زياد الرحباني، وبقي السؤال يطارح نفسه فوق رأس الذاكرة الثقافية اللبنانية: أين أرشيفه؟ من يحفظ أعماله؟ ولمن تعود ملكية هذا الإرث الإبداعي الذي شكّل وعي أجيال وهزّ وجدان وطن؟

في بلد كثيرًا ما أضاع ذاكرته بين الحروب والإهمال، لا يبدو مستغربًا أن يرحل أحد أعظم المبدعين في العالم العربي من دون أن تواكبه خطة رسمية لحفظ نتاجه، ولا حتى منصة وطنية تليق بعمق أثره.

لم يكن زياد فنانًا عاديًا. كان حالة، موقفًا، مرآةً مجنونة لزمن مجنون.

مسرحياته لم تكن مجرد عروض فنية، بل صرخات سياسية وسيناريوهات يومية من عمق الحياة اللبنانية.

اليوم، وبعد رحيله، يجد الباحث عن أعماله نفسه يفتش عنها بين تسجيلات رديئة الجودة على "يوتيوب"، بلا أي توثيق رسمي، ولا أرشفة تحفظ هذا الكنز الثقافي من التآكل والنسيان.

الأسئلة كثيرة: من يملك حقوق أعمال زياد الرحباني؟ هل هي في عهدة الورثة؟ فيروز؟ الدولة؟

وهل يُعقل أن يبقى هذا الإرث الفني الهائل عرضة للتناقل العشوائي، دون أي جهة رسمية تسهر على حفظه وتأطيره ضمن مشروع ثقافي وطني متكامل؟

ثمة خشية حقيقية من ضياع قسم كبير من أعماله، كما ضاع كثير من أرشيف المسرح والموسيقى في لبنان، لا سيما في ظل الغياب المزمن للبنية التحتية الثقافية.

رغم رحيله، ما يزال زياد مؤثرًا في جيل من الشباب اللبناني والعربي. كلماته، موسيقاه، مواقفه، تتداول كمرجع، تُستعاد في لحظات الانهيار، وتُغنّى في المظاهرات والجامعات والمقاهي.

لكن هذا الجيل الذي وُلد في عصر المنصات والرقمنة لا يملك منفذًا رسميًا واحدًا يعود إليه للبحث أو الدراسة أو الاستلهام.

إن أقل ما يمكن فعله اليوم لتكريم زياد الرحباني هو البدء فورًا بمشروع أرشفة رقمية شاملة لأعماله، يتضمن تسجيلات المسرحيات الأصلية بجودة عالية، مقابلاته الإذاعية والتلفزيونية النادرة، أرشيفًا موسيقيًا منسقًا ومحميًا، ووثائق مكتوبة أو مخطوطات إن وُجدت.

وينبغي أن يكون هذا المشروع برعاية وزارة الثقافة، وبالشراكة مع مؤسسات مثل الجامعة اللبنانية والتلفزيون الرسمي، وأي جهة تمتلك حق الوصول إلى المادة الأصلية.

ليس الحزن وحده تكريمًا، ولا النعوات وحدها تحفظ الأثر.

إذا كان زياد صوتًا حرًّا وشاهدًا فنيًا على تاريخ لبنان الحديث، فإن مسؤولية حفظ أعماله لا تقع على فرد، بل على دولة.

فليكن رحيله فرصة، لا نكسة إضافية في سجل ثقافتنا المنهكة.

آن الأوان أن نردّ الجميل لزياد بحفظ صوته.