من بكفيا الى الحمرا... الى بكفيا

29/07/2025 01:49PM

كتب آلان عقل في السياسة: 


تعرّف جيلنا على أعمال زياد الرحباني عندما كنّا في عمر التمرّد، فأُعجِبنا بالروح المرحة والكلام الخارج عن المألوف والضوابط، كما الموسيقى غير التقليدية. حفظنا المسرحيات والعبارات بسذاجة المراهق وحماسة الثائر على كلّ شيء.

وعندما خمدت طاقاتنا وقضت هموم البلد على آمالنا الطّموحة، بدأنا ندرك بعين العقل أنّ خلف مزاح زياد فلسفة سياسية عميقة ومبادئ إنسانية متحرّرة من الخوف؛ الخوف من الذات كما الخوف من الآخر، كسبيل لبناء الدولة على أسس الثورة الفكرية الإنسانية.

ولكن، خلف زياد الخارج عن المألوف وغير الآبه بالتقاليد والأعراف، إنسان عانى ما عاناه من ألمٍ وجراح وظلم وعدم إنصاف.

شعر بأنّ الله لم ينصفه، فاختار الشيوعية. 

شعر بأنّ الوطن لم ينصفه ، فاختار التمرد. 

وشعر بأنّ العائلة لم تنصفه ، فاختار الوحدة.

لم يتوقّف الفنان فيه عن البحث عن الذات، عن المجتمع وعن الوطن. فزياد كان يبحث في الثورة عن طفولةٍ ضائعة، وفي اللحن عن حبّ ضائع. يبحث في التمرّد عن وطنٍ ضائع، وفي كتب "فرويد" عن راحةٍ لم تعرفها نفسه، وعن نومٍ ضاع من عينيه.

من بكفيا الى الحمرا... وبالعكس، تغلّب على الخوف من الآخر وتحرر من نفسه. أرسل إشارات ورسائل عن إمكانية البناء مع اليمين إذا... ومع اليسار إذا تعذّر، فكان في أحلك أيام تاريخنا، جسراً بين اليمين واليسار، بين "أحمد" و"باتريك" وبين بيروت وبيروت، ما قبل وما بعد "أبو خضر".

ومن أصعب ما قام به إبن الرحباني تأسيس مدرسة موسيقية نهضوية حديثة، وهو إبن مدرسة موسيقية عريقة. أيقن أنّ للفكر التقليدي حدود، فكسرها. خلع ثوب الموسيقى التقليدية، ليبدع في عالم "الجاز"، فمن قال أن معزوفةً بمستوى عالمي لا يمكن أن تحمل اسم "أبو علي"؟

ولكن، على الرغم من اقتناع معظم أفراد جيل الحرب وما بعدها بأفكار زياد، لم نستطع كسر القيود كما فعل، فاكتفت مراهقتنا السياسية بالضحك على المقاطع الفكاهية، وفاتنا قطار الثورة الفكرية لبناء الدولة.

فإلى زياد:

إنّ "رشيد" لم ولن يستطع أن يثور وحيداً. حلّق عالياً. كن أنانيّاً لمرة وتحرّر منّا، فنحن لا نستطيع الى ثورتك سبيلًا. 

فتربيتنا لا تسمح بذلك،

وإخراجات قيدنا لا تسمح بذلك،

وثقافاتنا لا تسمح بذلك،

وطوائفنا لا تسمح بذلك،

وخوفنا لم ولن يسمح بذلك.



شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa