سعر الصرف مستقر والأسعار ترتفع: هل فقدت الدولة السيطرة؟

08:03AM

كتب علي نور الدين في “المدن”:

باتت معدلات التضخّم، كما يعكسها مؤشّر أسعار المستهلك، متاحة للنصف الأوّل من العام الراهن، بحسب معطيات إدارة الإحصاء المركزي. حتّى شهر حزيران الماضي، كان مؤشّر الأسعار العام قد ارتفع بنسبة سنويّة تقارب 15 بالمئة، ما شكّل هبوطًا قياسيًا، مقارنة بذروة الارتفاع في هذه النسبة، التي بلغت 253.55 بالمئة في الفترة المماثلة من العام 2023. هبوط نسبة التضخّم على هذا النحو، يعود أولًا إلى الاستقرار الذي تحقّق في سعر الصرف، مقارنة بالفترة التي شهدت هبوط قيمة الليرة، قبل آذار 2023. مع الإشارة إلى أنّ أرقام المؤشّر تُحتسب وفقًا للأسعار بالليرة اللبنانيّة، لا بالعملة الصعبة.

غير أنّ نسبة الزيادة الحاليّة في الأسعار، لا تزال غير مبرّرة، بل تعد مرتفعة قياسًا لبلد لا يشهد اضطرابات في سعر الصرف منذ سنتين وأربعة أشهر. تفسير غلاء المعيشة الراهن، واستمرار التضخّم، يقتضي العودة إلى أسعار كل باب من أبواب الإنفاق، بحسب ما نشرته إدارة الإحصاء المركزي.

سلع ترفع مؤشّر التضخّم

في أرقام إدارة الإحصاء المركزي، يبدو من الواضح أنّ ثمّة سلع وخدمات معيّنة شهدت ارتفاعات كبيرة في أسعارها، وبما يتجاوز نسبة الزيادة في مؤشّر الأسعار العام. وهذا ما يعني أنّ أبواب الإنفاق هذه، هي التي قادت الارتفاع في أسعار السوق، خلال النصف الأوّل من السنة الراهنة.

أسعار المواد الغذائيّة بالتحديد، ارتفعت بنسبة 20.79 بالمئة على أساس سنوي، وهو ما يزيد بنحو خمس نقاط عن نسبة الزيادة في مؤشّر أسعار السوق العام. استمرار ارتفاع الأسعار خلال النصف الأوّل من العام الحالي، كان مرتبطًا بمجموعة من العوامل، مثل: استمرار تأثير ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، الاضطرابات الأمنيّة في المنطقة، بما في ذلك البحر الأحمر. وتقلّص معدّلات الإنتاج الزراعي والصناعي محليًا، وزيادة الحاجة للاستيراد، في ضوء تداعيات الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان. وأخيراً، لا يبدو أنّ الإجراءات الرسميّة كانت كفيلة بضبط الممارسات غير العادلة الموجودة في السوق، وخصوصًا على مستوى الزيادات غير المبرّرة في الأسعار من قبل المستوردين وأصحاب المحال التجاريّة.

وتشير أرقام المؤشّر أيضًا إلى ارتفاع تكاليف الإيجارات بنسبة 22.45 بالمئة على أساس سنوي، ولغاية نصف السنة الراهنة. كما ارتفعت تكاليف السكن بالنسبة للشقق المملوكة بنسبة 30 بالمئة، خلال الفترة نفسها. وهذا ما يؤشّر إلى تأثيرات ارتفاع الطلب على المساكن في مناطق معيّنة خلال السنة الراهنة، في ضوء تداعيات الحرب، التي أدّت إلى حركة سكانيّة مؤثّرة نتيجة دمار أو تضرّر نحو مئة ألف وحدة سكنيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ كلفة الإيجارات شهدت، خلال شهر حزيران وحده، زيادة تقدّر بنحو 4 بالمئة، تحت تأثير قدوم فصل الصيف، وبدء الموسم السياحي وتوافد المغتربين.

في الوقت نفسه، تشير أرقام المؤشّر إلى ارتفاع أسعار الخدمات الصحيّة بنسبة 21.7 بالمئة، ما يظهر كتأثّر بارتفاع تكاليف استيراد الأدوية، لنفس الأسباب التي رفعت كلفة استيراد المواد الغذائيّة. أمّا كلفة التعليم، فارتفعت بنسبة خياليّة، مقارنة بجميع أبواب الإنفاق الأخرى. إذ ارتفعت هذه النسبة إلى 30.6 بالمئة، جرّاء استمرار الزيادات في أقساط المدارس والجامعة الخاصّة، ربما استكمالًا للتصحيح في أقساطها، التي شهدت هبوطاً كبيرًا خلال سنوات الأزمة السابقة.

السلع والخدمات المستقرّة

في المقابل، كان ثمّة عدّة أبواب من الخدمات والسلع، التي لم تشهد أي تغيير في أسعارها. ومنها على سبيل المثال المواصلات، التي اقتصر الارتفاع في أسعارها على نحو 2 بالمئة، نتيجة التراجعات التي حصلت خلال هذه السنة في كلفة الوقود. أمّا كلفة الاتصالات، فتراجعت بنسبة 3.27 بالمئة، ما يعني أنّها حدّت -وإن بقدر ضئيل- من نسبة الارتفاع، في مؤشّر الأسعار العام. وهذا الاستقرار في أسعار هذه الخدمة، اتّصل بثبات كلفة خدمات الخليوي والإنترنت، على امتداد السنة السابقة.

على أعتاب موسم الاصطياف، في شهر حزيران الماضي، كانت أسعار الفنادق والمطاعم قد شهدت ارتفاعًا مؤثّرًا بنسبة 12.29 بالمئة، وهو ما جاء في سياق النمط المُعتاد كل سنة، حيث ترفع المؤسّسات السياحيّة أسعارها قبيل توافد المغتربين خلال الصيف. غير أنّ أنشطة الترفيه والثقافة لم تشهد، خلال الفترة نفسها، هذا الارتفاع في الأسعار، بل اقتصرت الزيادة على نسبة أقل لم تتجاوز حدود 9 بالمئة.

أخيرًا، تقتضي الإشارة إلى أنّ وجود نسب مرتفعة من التضخّم، كما هو الحال الآن، يمثّل عاملاً رئيسيًا من عوامل تفاقم اللامساواة والتفاوتات الاجتماعيّة. إذ تبقى الفئات المحدودة الدخل الأقل قدرة على مواكبة الأسعار المرتفعة، وزيادة مداخيلها لتأمين الحاجات الأساسيّة، وذلك بخلاف الفئات الأثرى في المجتمع. وهذا ما ينعكس تلقائيًا على مستوى نسب الفقر، التي ارتفعت بعد الأزمة لتقارب 44 بالمئة، مقارنة بنحو 12 بالمئة قبل نحو عقد من الزمن.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa