تجديد ولاية اليونيفيل: بين الضغوط الدولية والهواجس اللبنانية

07:11AM


كتب زياد سامي عيتاني في "اللواء": 

مع اقتراب انتهاء ولاية قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في 31 آب الجاري، تعود القضية إلى واجهة الاهتمام في مجلس الأمن الدولي، لتثير تساؤلات عن مستقبل الأمن على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في ظل توترات إقليمية متصاعدة. بين بيروت التي تتمسّك بالتمديد الكامل، وواشنطن وتل أبيب اللتين تضغطان لتقليص المهمة أو إنهائها، وفرنسا التي تقود خط الدفاع الأوروبي، يصبح الملف بمثابة اختبار لبراغماتية المجتمع الدولي ولقدرة الدولة اللبنانية على الحفاظ على استقرار الجنوب.

• اليونيفيل بين الماضي الحاضر

تأسست اليونيفيل عام 1978 بموجب القرار 425، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لتكون قوة مراقبة مؤقتة. ومع انتهاء حرب تموز 2006، أصبح القرار 1701 الإطار الأساسي لعملها، ليصبح عدد عناصرها اليوم نحو 10 آلاف جندي من نحو 50 دولة، بميزانية سنوية تتجاوز 500 مليون دولار.

المهمة المعلنة لليونيفيل تشمل مراقبة وقف الأعمال العدائية، دعم الجيش اللبناني، وضمان عدم وجود أي قوات مسلحة جنوب نهر الليطاني إلّا الدولة اللبنانية. ومع ذلك، تتهم إسرائيل اليونيفيل بالفشل في منع نشاطات حزب الله، بينما يرى اللبنانيون أن وجودها يشكّل الحد الأدنى من الضمانات لمنع انزلاق الجنوب إلى مواجهة مفتوحة.

• الموقف اللبناني:  التمديد أولوية

لبنان الرسمي طلب رسمياً تمديد ولاية اليونيفيل حتى 31 آب 2026. وفق Security Council Report، تعتبر بيروت أن وجود القوة شرط أساسي لتمكين الجيش اللبناني من الانتشار جنوب الليطاني، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادّة.

وذكرت مصادر متابعة أن الحكومة اللبنانية «أطلقت اتصالات مع عواصم القرار في نيويورك وباريس لضمان التمديد، خشية أن يؤدي أي فراغ أمني إلى انفلات الوضع على الحدود».

التمديد بالنسبة للبنان ليس مجرد مسألة أمنية، بل عنصر من عناصر الحفاظ على استقرار الدولة في مواجهة ضغوط اقتصادية وسياسية متشابكة، ويشكّل بطاقة ضغط في مفاوضات لبنان مع المجتمع الدولي حول الدعم المالي والعسكري.

• الموقف الأميركي: الكلفة مقابل الجدوى

في واشنطن، يطغى البُعد المالي والسياسي على أي قرار. نقلت «رويترز» عن دبلوماسيين أن الولايات المتحدة «تفضّل تمديداً قصير الأمد مع جدول واضح لإنهاء المهمة»، مستندة إلى تقديرات مراكز الأبحاث مثل Washington Institute، التي أشارت إلى أن «العائد الأمني لليونيفيل محدود رغم الكلفة المرتفعة»، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن وجودها يقلل احتمالات التصعيد غير المقصود على الخط الأزرق.

واشنطن تستخدم ورقة التجديد للضغط على لبنان، بهدف دفعه نحو التزامات أوضح بتنفيذ القرار 1701، واحتواء أنشطة حزب الله جنوب نهر الليطاني دون التسبب في مواجهة عسكرية مباشرة.

• الموقف الإسرائيلي: بين الخطاب المتشدّد البراغماتية

في الجانب الإسرائيلي، أرسل وزير الخارجية جدعون ساعر رسالة إلى نظيره الأميركي ماركو روبيو طالب فيها بإنهاء المهمة، معتبراً أن اليونيفيل «فشلت في منع حزب الله من التمركز جنوب الليطاني».

ورغم الخطاب المتشدد، تُظهر إسرائيل براغماتية واضحة: فاليونيفيل، وإن كانت ضعيفة، توفر طبقة عازلة تقلل الاحتكاك المباشر مع الجيش اللبناني، وتتيح إدارة الحوادث عبر قنوات أممية، بدل الانزلاق إلى مواجهة عسكرية. إذن، الخطاب الإسرائيلي يُعدّ ورقة ضغط لتعديل قواعد الاشتباك وليس مجرد مطلب بإنهاء المهمة فوراً.

• فرنسا وأوروبا: الاستقرار أولوية

تؤكد باريس، التي تقود الموقف الأوروبي، على تمديد اليونيفيل لعام إضافي، مع عبارة «نيّة الانسحاب التدريجي عندما تصبح الحكومة اللبنانية المزوّد الوحيد للأمن في الجنوب».

بالنسبة للأوروبيين، أي انسحاب مفاجئ يعني فراغاً أمنياً خطيراً على الخط الأزرق، وبالتالي يفضّلون لغة مرنة: تمديد الآن، مع وعد غامض بالانسحاب لاحقاً، ما يضمن بقاء الاستقرار، ويعطي الجميع فرصة تسويق النصر أمام الرأي العام الدولي.

• المشهد في مجلس الأمن: ثلاثة اتجاهات

مع بدء المداولات في نيويورك، ظهرت ثلاثة توجهات:

1. التمديد لعام كامل (الموقف الفرنسي – الأوروبي).

2. التمديد قصير الأمد (6 أشهر) مع جدول انسحاب واضح (الموقف الأميركي – الإسرائيلي).

3. الانسحاب الفوري أو التجميد (مطلب إسرائيلي أقصى، مستبعد جداً).

تظهر المسودة الفرنسية اهتماماً بالحفاظ على التوازن بين الاستقرار والدعم التدريجي للدولة اللبنانية، لتجنب فراغ أمني يهدّد الأمن الإقليمي.

• الحسابات الداخلية: الجيش وحزب الله

داخل لبنان، الجيش هو الطرف الأكثر تضرراً من أي انسحاب أممي، إذ لا يمكنه ملء الفراغ في ظل الأزمة المالية. في المقابل، حزب الله ينظر إلى اليونيفيل على أنها «وجود محايد» لا يهدّد نشاطه العسكري طالما تجنّب الاحتكاك المباشر.

هذا التوازن الهش يخدم الجميع: الجيش اللبناني يحصل على دعم دولي، والحزب يتجنب مواجهة مباشرة مع إسرائيل تحت عين الأمم المتحدة، ما يحول اليونيفيل إلى عنصر استقرار، ولو محدود، بين طرفين يمكن أن ينزلقا إلى مواجهة مفتوحة.

• السياق الإقليمي: لبنان في مرآة الصراع

لا يمكن فصل النقاش حول اليونيفيل عن الصورة الإقليمية الأوسع:

- الولايات المتحدة تعيد النظر في تمويل بعثات حفظ السلام حول العالم.

- إسرائيل تخوض معركة استراتيجية مع حزب الله على عدة جبهات، من سوريا إلى غزة.

- لبنان يواجه انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، ما يجعله أكثر اعتماداً على «المساعدات الأمنية الرمزية».

هكذا يتحوّل التجديد من مسألة إجرائية إلى اختبار ميزان القوى الإقليمي، ومؤشر على قدرة المجتمع الدولي على إدارة ملفات شائكة دون اندلاع مواجهات.

• سيناريوهات ما بعد 31 آب

1. تمديد لعام إضافي مع صياغة غامضة للانسحاب: السيناريو الأكثر ترجيحاً، يمنح جميع الأطراف فرصة تسويق النصر.

2. تمديد قصير الأمد (6 أشهر): يفتح الباب لمعركة جديدة في الربيع المقبل.

3. انسحاب تدريجي مع تعزيز الجيش اللبناني: خيار وسط، يتطلب تمويلاً كبيراً غير متوافر حالياً.

4. انسحاب مفاجئ: مستبعد، لكنه يشكل كابوساً دبلوماسياً وأمنياً للمنطقة.

• تجديد مشروط لا مفر منه

في النهاية، يُرجح أن يعتمد مجلس الأمن حلاً وسطاً يعكس براغماتية الأمم المتحدة: تمديد لعام إضافي مع صياغة فضفاضة حول «نيّة الانسحاب التدريجي». بذلك يربح كل طرف ورقة سياسية: بيروت تحصل على عام إضافي من التنفس، واشنطن وتل أبيب تحفظان فكرة الانسحاب، وأوروبا تحافظ على الاستقرار الحدودي.

لكن الحقيقة الصعبة تبقى: لا الجيش اللبناني قادر على ملء الفراغ وحده، ولا حزب الله مستعد للانكفاء، ولا أحد يملك خطة ليوم ما بعد رحيل اليونيفيل.

اليونيفيل قد تبدو «قوة عاجزة»، لكنها في الواقع «قوة ضرورية». فبدونها، الجنوب مهدّد بأن يتحوّل إلى مسرح مواجهة يومية بين الجيش اللبناني وحزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. السؤال ليس عن كفاءة اليونيفيل، بل عن البديل، وحتى إشعار آخر، لا بديل في الأفق.


المصدر : اللواء

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa