شهران من الشلل القضائي… والموقوفون يدفعون الثمن

08:14AM

كتبت ناديا غصوب في “نداء الوطن”:

شهران كاملان من العطلة القضائية، من 15 تموز حتى 15 أيلول، كفيلان بشلّ النظام القضائيّ في لبنان. على الورق، يُقال إنّ العطلة تهدف إلى تنظيم العمل ومنح القضاة فرصة للراحة. لكنّ الواقع أبعد ما يكون عن التنظيم. المحاكم تتوقف تقريبًا بشكل كامل، والموقوفون يبقون خلف القضبان من دون محاكمة أو قرار قضائيّ، فقط لأنّ القضاة في إجازة. إنها استراحة على حساب حريّة الناس وحقوقهم الأساسية.

المناوبون الذين يُفترض أن يسهروا على القضايا المستعجلة لا يكفون لتغطية الحجم الهائل من الملفات، ما يفاقم التأجيلات ويزيد الضغط على السجون المكتظة أصلًا. المواطن البسيط يدفع ثمن ما يسمّيه كثيرون “ترفًا قضائيًا”، فيما القضاة يتمسّكون بـ “تقليد” يعتبره المنتقدون غير مبرّر في بلد غارق بالأزمات.

المقارنة مع أوروبا، التي غالبًا ما يستخدمها القضاة للدفاع عن عطلتهم، لا تصمد أمام الواقع. ففي دول مثل هولندا، السجون شبه فارغة والموقوفون قلّة، أمّا في لبنان فالوضع مختلف جذريًا. وبالتالي، استنساخ هذا النموذج في بلد مأزوم لا يؤدي إلّا إلى مضاعفة الانهيار.

والمشكلة لا تقتصر على المحاكم. امتحانات دخول نقابة المحامين، التي أُجريت في أيار وحزيران، لم تصدر نتائجها حتى بداية أيلول. لا موعد واضح، ولا آلية شفافة. عشرات المتقدّمين ينتظرون مصيرهم، في وقت كان يُفترض أن تكون النتائج محدّدة وثابتة منذ اليوم الأول. في الولايات المتحدة مثلًا، يعرف الطالب تاريخ صدور النتيجة قبل أن يبدأ المذاكرة. أما في لبنان، فحتى النقابة تعيش في عطلة، والنتائج عالقة في دهاليز البيروقراطية.

الفساد ليس مجرّد رشاوى أو صفقات تحت الطاولة، بل هو أيضًا في العقلية التي تُعطّل العدالة وتجمّد المحاكم. حين يصبح القضاء نفسه جزءًا من منظومة التسويف والمماطلة، يتحوّل إلى شريك في الفساد لا إلى رقيب عليه. فكيف يُحاكم الفاسدون إذا كان الحكم معلّقًا في إجازة صيفية؟

أيّ إصلاح نريده إذا كانت العدالة نفسها، وهي العمود الفقري لأيّ دولة، متوقفة بشحطة قلم؟ أيّ إصلاح يمكن أن يُقنع المواطن بأن الدولة جادّة، إذا كان الموقوف يبقى أسابيع وربما أشهرًا إضافية في السجن فقط لأنّ القضاة في عطلة؟ كيف نطالب بمحاربة الفساد وببناء مؤسّسات حديثة، فيما أبسط الاستحقاقات المهنية مثل إعلان نتائج امتحان نقابة المحامين تحتاج أشهرًا من الانتظار؟

الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من المؤتمرات ولا من التصريحات السياسية، بل من القضاء. فإذا كان القضاء غائبًا أو معطّلًا أو غير مبالٍ، فكلّ خطاب عن الإصلاح يصبح مجرّد وهم. فالدولة التي تعجز عن ضمان عدالة سريعة وشفافة لمواطنيها، هي دولة لا يمكن أن تُصلَح.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa