07:19AM
كتبت ماريانا خوري في “نداء الوطن”:
مع انطلاق العام الدراسي الجديد، يعود معه الهاجس الأكبر الذي يثقل كاهل الأهالي في لبنان: الأقساط المدرسيّة. فبعد الأزمة الاقتصادية التي لم تنتهِ بعد، ارتفعت الأقساط في مختلف المناطق اللبنانية بنسب متفاوتة تراوحت بين 30 % و100 %، ما جعل التعليم يشكّل عبئًا شبه مستحيل على كثير من العائلات.
مصادر “نداء الوطن” تشير إلى أنّ عددًا من المؤسّسات التربوية الخاصة، عمدت إلى رفع أقساطها بشكل ملحوظ. ففي بيروت وكسروان والمتن وصلت الزيادة إلى نحو 1000 دولار للتلميذ، بينما تخطّت بعض المدارس في برمانا هذا المعدّل بكثير، إذ وصل القسط في إحداها إلى حوالى 7000 دولار للتلميذ الواحد، الأمر الذي دفع الأهالي إلى تقديم شكاوى رسميّة ضد المدرسة.
أما في المناطق الأخرى، فالأقساط جاءت أقلّ نسبيًا لكنها لا تزال تشكّل عبئًا ثقيلًا مقارنة بقدرة الأهالي الشرائية. ففي الجنوب والبقاع تراوحت زيادة الأقساط بين 500 و 800 دولار، بينما انخفضت في الأطراف مثل عكّار وطرابلس لتتراوح بين 300 و 400 دولار، ولكن مبلغ كـ “300$” بالنسبة إلى عائلات تعيش تحت خط الفقر هو بالفعل رقم كبير. والأسوأ أنّ هذه الأقساط لا تشمل الكلفة الإضافية من زيّ مدرسي، وقرطاسية، وكتب، ونقل، ما يضاعف الأعباء ويجعل التعليم امتيازًا للأغنياء فقط.
في المقابل، وبناء على قرار البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، أعلنت بطريركية السريان الكاثوليك، وللسنة السادسة على التوالي، إعفاء جميع الطلاب السريان (الكاثوليك والأرثوذكس) من كامل الأقساط المدرسية المترتّبة عليهم في كل من مدرسة “ليسيه المتحف” – بيروت ومدرسة “دير الشرفة” – حريصا للعام الدراسي 2025 – 2026، على أن يتحمل الأهالي فقط رسوم التسجيل والقرطاسية. وأوضحت البطريركية أنّ هذا الإجراء يهدف إلى تخفيف الأعباء عن العائلات، مع الحفاظ على جودة التعليم ورسالة التربية السامية التي تنتهجها المدارس.
الخريطة التربوية
وبذلك، باتت الخريطة التربوية في لبنان مقسّمة وفق مستويات المدارس والمناطق: مدارس “رفيعة المستوى” ذات أقساط مرتفعة جدًا، مدارس “متوسطة” بأقساط أقلّ نسبيًا، وأخرى “محدودة” الكلفة لكنها لا تخلو من الأعباء على العائلات المحدودة الدخل. هذه الفجوة المتنامية بين المؤسّسات التربوية، تعكس بوضوح واقع الانقسام الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون، وتضع مصير التعليم على المحكّ.
رغم كل هذه الزيادات في الأقساط، يبقى واقع الرواتب كما هو، بل إنّ معظم الموظفين يتقاضون اليوم أجورًا أقل ممّا كانوا يتقاضونه قبل الأزمة، فيما أصبحت الأقساط المدرسية أعلى ممّا كانت عليه أيضًا. وفي ظلّ هذا التناقض الصارخ، يرزح اللبنانيون تحت وضع معيشي قاسٍ، حيث تعيش الغالبية الساحقة من الشعب تحت خط الفقر، ما يثير تساؤلًا مشروعًا: كيف يمكن للأهالي أن يؤمّنوا حق أبنائهم في التعليم وسط هذه الظروف؟
الارتفاع المبالغ فيه في الأقساط لا يستند إلى أسس قانونية، إذ إنّ إدارات المدارس تذرّعت بأعباء تطبيق القانون 12/2025. لكن، وفق الدراسة العلمية التي أجراها الاتحاد لمصلحة التعليم الخاص، يتبيّن أن الحدّ الأدنى للزيادة يجب أن يبدأ من 36 دولارًا وصولًا إلى 150 دولارًا كحد أقصى، أي أنّه لا يجوز أن يتخطّى هذا السقف بأي شكل. هذه المعادلة تضمن للأساتذة تقاضي رواتبهم كاملة بالدولار الأميركي كما كانت قبل الأزمة المالية، وتؤمّن في الوقت نفسه مستحقات صندوق التعويضات.
القانون الجديد
ألزم القانون الجديد المدارس بالحصول على براءة ذمّة، وهو ما اعتُبر خطوة إيجابية، إذ يجبرها على إلغاء أي رسوم أو مداخيل خارج إطار الموازنة الرسميّة.
وفي حديث خاص مع “نداء الوطن”، أوضحت رئيسة اتحاد لجان الأهل لمى الطويل، أنّ المدارس باتت مجبرة على التصريح عن كامل الأموال التي تتقاضاها بالدولار بعدما كانت تُحصّلها من دون أي كشف أو رقابة وعلى أن يلغى الصندوق خارج الموازنة. وأضافت أنّها أصبحت ملزمة بإدخال جميع المستلزمات ضمن الموازنة الرسميّة، ما يضعها تحت رقابة لجان الأهل. واعتبرت الطويل أنّها “بداية جيدة لضبط عشوائية الأقساط”، خصوصًا بعد أن أصدرت مصلحة التعليم الخاص تعميمًا شدّدت فيه على ضرورة الالتزام بالموازنة الإلكترونية لمنع أي تلاعب، على أن تفرض غرامات بحق المخالفين.
وتابعت الطويل: “في ما خصّ تعديل القانون 515 الذي عملنا عليه لوقت طويل، فهو اليوم في لجنة التربية والتعليم، ويجب أن يُعرض بأقرب وقت على الهيئة العامة. وبهذا نكون قد حققنا إنجازًا عظيمًا في تنظيم القطاع الخاص”.
وختمت الطويل حديثها بتوجيه نداء إلى الأهالي، داعية إياهم إلى القيام بواجباتهم مع بداية تشرين الأول، موعد انتخابات لجان الأهل، عبر الترشح والمشاركة الفاعلة، والأهم التبليغ في حال التعرّض لأي ضغوطات من قبل إدارات المدارس.
أقساط مدارس المتن
وفي السياق، أشار رئيس اتحاد لجان الأهل الكاثوليكية والخاصة في المتن عبدو جبرايل إلى أنّ بعض المدارس في المتن رفعت أقساطها بنسبة وصلت إلى 35 و 40 %، فيما عمدت مدارس أخرى إلى زيادات “خيالية”، إذ بات معدّل القسط نحو 3000 دولار، وتخطّى في بعض الحالات الـ 4000 و 5000 دولار. واعتبر جبرايل أنّ “هذا الأمر خطير جدًا، إذ يشكّل كارثة حقيقية للعائلات التي لديها أكثر من ولد واحد، خصوصًا أن هذه المبالغ لا تشمل القرطاسية والزيّ المدرسي ولا تكاليف النقل والكتب”. وأردف: “نحن نطلق النداء بشكل متكرّر، لكن لا أحد يتجاوب معنا، لا الدولة ولا وزارة التربية، التي تبرّر موقفها بأنّها عاجزة بسبب غياب المجالس التحكيمية”.
من جهته، أعلن الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان، الأب يوسف نصر، أنّ القانون 12/2025 سيُنفّذ بدءًا بالأول من تشرين الأول المقبل، مشدّدًا على أنّ هذا القانون ينصّ بشكل واضح على أن تُحتسب الأقساط المدرسية انطلاقًا من الموازنة السنوية لكل مدرسة. وتشمل الموازنة الرواتب والأجور الممنوحة للمعلمين، والمصاريف الإضافية، على أن تُقسّم التكاليف على عدد الطلاب، بما يضمن موازنة موحّدة وشفافة، وتحتسب فيها أيضًا اشتراكات صندوق التعويضات والضمان الاجتماعي، إضافة إلى الأجر الإضافي المعتمد للتعويض عن خسارة قيمة الليرة اللبنانية.
وقد علمت “نداء الوطن” أنّ بعض المدارس الخاصة تُجبر لجان الأهل على توقيع الموازنة من دون الاطّلاع عليها أو التدقيق في تفاصيلها، إمّا بالوعد بخصومات لأولادهم، وإمّا بالضغط المعنويّ من باب الخجل.
مجالس تحكيميّة
يُذكر أنّ وزيرة التربية ريما كرامي كانت قد أعلنت، صباح الجمعة، عن تشكيل مجالس تحكيمية تربوية (أي القضاء التربوي) لمتابعة هذا الملف، ولكن يبقى الأهم أن تُبنى هذه المجالس على أسس تُراعي متطلبات الشعب، وأن تُشكّل بعيدًا من منطق المحاصصة، وإلّا سنعود إلى نقطة الصفر”.
كما علمت “نداء الوطن” من مصادر تربوية أنّ الوزيرة، بالتعاون مع وزير الدفاع ميشال منسى وقيادة الجيش، أطلقت مبادرة وطنية لتخفيف الأعباء عن عائلات العسكريين، تقضي بتحديد سقف للأقساط لا يتجاوز المعدّل المعتمد من تعاونية موظفي الدولة. المبادرة لاقت ترحيبًا سريعًا من نقابتي المدارس الخاصة في الأطراف والبقاع، اللتين سارعتا إلى إعلان التزامهما الكامل بها، واضعتين المصلحة الوطنية والبعد الإنساني فوق أي حسابات ضيّقة. في المقابل، رفض اتحاد المؤسّسات التربوية الخاصة الانخراط في المبادرة، متعاليًا بخطابه ومصرًّا على طلب موعد منفرد مع وزير الدفاع. وتشير مصادر خاصة إلى أنّ غالبية أعضاء الاتحاد وافقوا على المبادرة، باستثناء أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان.
وفي 9 أيلول الجاري، أكّد رئيس الجمهورية جوزاف عون في بيان أنّ “الزيادات على الأقساط التي لجأت إليها بعض المدارس الخاصة في لبنان غير مبرّرة وغير مدروسة، ولا يمكن القبول بها، ولا بدّ من إعادة النظر فيها”. ودعا خلال استقباله وفدًا من اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة إلى “الأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجه الأسر اللبنانية، والتي تجد صعوبة في تأمين كلفة تعليم أولادها نتيجة الارتفاع غير المقبول في الأقساط المدرسية”.
زيادات أكثر من عشوائية
من جهته، اعتبر الناشط الاجتماعي ميشال شمعون في حديث إلى “نداء الوطن” أنّ بعض المدارس التي تُصنَّف كـ “مدارس لا تبغي الربح” اعتمدت زيادات أكثر من عشوائية. وأوضح أنّ إدارات هذه المدارس، تحت ذريعة رفع نسبة زيادة رواتب الأساتذة من 80 % إلى 100 %، عمدت إلى تحميل الأهالي زيادات تتراوح بين 30 و 60 % على الأقساط، أي ما يعادل ما بين 1000 و 3000 دولار إضافية على كل تلميذ، مقابل زيادات فعلية لا تتعدّى 200 أو 300 دولار للأستاذ.
وشدّد شمعون على ضرورة أن يتحمّل الأهالي في هذه المدارس مسؤولياتهم عبر تشكيل لجان أهل مستقلة وغير خاضعة للإدارة، مذكّرًا بأنّ هذه اللجان هي المخوّلة قانونًا دراسة الموازنة وتحديد القسط. ودعا أولياء الأمور إلى الترشح والمشاركة الفاعلة في الانتخابات المقرّرة الشهر المقبل، حفاظًا على حقوقهم وحقوق أولادهم.
أمام هذا المشهد، يتضح أنّ أزمة الأقساط المدرسية لم تعد مجرّد قضية تربوية، بل تحوّلت إلى معركة يومية على حق أساسي هو التعليم. ففي بلد يعيش أكثر من نصف شعبه تحت خط الفقر، تصبح المطالبة بآلاف الدولارات لتعليم الأولاد أشبه بحرمانهم من مستقبلهم. وبين قوانين غير مطبّقة، ومؤسسات تربوية تتصرّف بمنطق الأسواق، يبقى السؤال الجوهري: هل يُترك التعليم رهينة الجشع، أم تتحمّل الدولة مسؤولياتها لحماية من تبقّى من جيل يسعى إلى النجاة؟
شارك هذا الخبر
رسامني في تخريج الدورة الأولى لمعاوني المراقبين الجويين: إعادة الدولة ومؤسساتها إلى مكانتها واجب ومسؤولية
لا توضبوا ملابس الصيف.. الحرارة تواصل إرتفاعها الأسبوع المقبل
ليلة دامية في أوكرانيا.. قتلى وجرحى بهجوم روسي مكثف بالصواريخ والمسيّرات
بعد أسابيع من جريمته.. القبض على من أحرق سيارة مواطن في النبطية
الرئيس عون والسيدة الأولى إلى نيويورك… لبنان على منبر الأمم المتحدة
رجي التقى الموظفين اللبنانيين في الأمم المتحدة
العثور على جثة عنصر في الجمارك ببلدة الجليلية
ثلاثة أشقاء يقتلون ابن عمهم في حادثة مروعة جنوب بغداد
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa