ثلاث سنوات من التوقّف… والمعاينة الميكانيكية “قيد الدرس” حتى إشعار آخر

07:33AM

كتبت ديزي حواط في “نداء الوطن”:

يكفي أن نصادف يوميًا سيارات تسير بلا أضواء، وأخرى تملأ الجو دخانًا أسود من عوادمها المتآكلة، أو نسمع صرير مكابح بالكاد تعمل، لندرك حجم الفوضى التي يعيشها القطاع الميكانيكي في لبنان.

كل ذلك يجري في بلد توقّفت فيه المعاينة الميكانيكية منذ أكثر من ثلاث سنوات، بعدما أُقفلت جميع المراكز بقرار رسمي صدر في أيار 2022، ولا يزال الإقفال قائمًا حتى اليوم. وتؤكد وزارة الداخلية أن الملف لا يزال “قيد الدرس”، من دون تحديد أي موعد لإعادة تشغيل المراكز، وفق ما تشير نقابة عمّال المعاينة الميكانيكية التي تؤكّد أن الجواب نفسه يتكرّر في كل مرة يراجعون فيها المعنيين.

صحيح أن كثرًا لم يحبّذوا زيارة مراكز المعاينة بسبب الطوابير الطويلة والتعقيدات، لكن إقفالها الكامل فاقم الفوضى على الطرقات. فالمطلوب اليوم ليس فقط إعادة تشغيل المراكز، بل إعادة تنظيمها بما يضمن الشفافية والمراقبة الشاملة، بعيدًا من السمسرة التي كانت ترافق عمليات الفحص داخل المراكز وخارجها، حتى تتحول المعاينة إلى خطوة لحماية السلامة العامة لا مجرد إجراء شكلي.

في المقابل، لا تقتصر تداعيات الإقفال على السلامة المرورية فحسب، فقبل الأزمة، كانت مراكز المعاينة تشكّل شريانًا حيويًا لمئات ورش تصليح السيارات المنتشرة حولها، والتي كانت تستفيد من حاجة أصحاب السيارات إلى إصلاح أعطال الإضاءة أو الإطارات أو أنظمة المكابح قبل اجتياز الفحص. أما اليوم، وبعد إغلاق المراكز، فقد تراجعت الحركة في تلك الورش.

كذلك مئات العاملين في مراكز المعاينة وجدوا أنفسهم فجأة من دون عمل أو تعويضات، بعد إقفال المراكز بشكل مفاجئ. هؤلاء الموظفون يعيشون منذ أكثر من ثلاث سنوات حالة من الضياع المهني والمعيشي، فيما تطلق نقابتهم نداءً متكررًا لإعادتهم إلى عملهم وتأمين استمرارية المرفق تحت إدارة شفافة تضمن حقوقهم وتحمي السلامة العامة في آنٍ واحد.

وأوضح رئيس الهيئة التأسيسية لنقابة عمال المعاينة الميكانيكية حسن الحسن لـ “نداء الوطن” أن 450 عاملًا فقدوا أمنهم الاجتماعي بعد إقفال المراكز فجأة، معتبرًا أن القطاع تُرك للنسيان وأن الموظفين يدفعون ثمن أخطاء غيرهم. وأفاد بأن المراكز تُنهب فيما تتبادل الشركة والوزارة المسؤوليات، محذرًا من أن استمرار التأخير سيزيد الأعطال وبالتالي التكاليف على المواطنين.

وأشار سيمون جرجس، عضو الهيئة التأسيسية لنقابة عمال ومستخدمي المعاينة الميكانيكية، لـ “نداء الوطن” إلى أن قرار وزير الداخلية السابق بسام مولوي بإقفال المراكز كان سيئًا جدًا للعمال وللشعب اللبناني، إذ أدى إلى انتشار سيارات غير صالحة للسير وزيادة الحوادث. وأوضح أن الموظفين وجدوا أنفسهم فجأة من دون عمل، فيما امتنعت الشركة المشغّلة عن إعادة الفتح. وأضاف أن التواصل مع وزير الداخلية السابق بسّام مولوي لم يُثمر فيما وزير الداخلية الجديد أحمد الحجار وعد بمتابعة الملف بعد إنشاء هيئة لإدارة السير ووضع دفتر شروط لإطلاق المناقصة. وعن اتهامات السمسرة، شدّد جرجس على أنها مبالغ فيها، مشيرًا إلى أن أي تجاوزات فردية كانت تُعالج فورًا.

كما أن غياب الفحص الفني المنتظم يعني أن مئات الآلاف من السيارات والشاحنات والحافلات باتت تسير من دون أي رقابة على صلاحيتها، ما يضاعف من احتمالات وقوع الحوادث القاتلة. وتشير جمعيات تعنى بالسلامة المرورية إلى أن هذا الواقع “يشجع على تحويل السيارات القديمة إلى قنابل موقوتة تهدد حياة الناس”، وسط غياب أي خطة واضحة لإعادة تنظيم القطاع أو ضبطه.

لا يمكن ترك الأمور لضمير الأفراد، فبينما يحرص بعض السائقين على إخضاع سياراتهم لفحوص دورية على نفقتهم الخاصة، يتجاهل آخرون أبسط معايير الصيانة، ما يضع الجميع أمام خطر مشترك على الطرقات.

الهيئة التأسيسية لنقابة عمال ومستخدمي المعاينة الميكانيكية أطلقت من جانبها سلسلة نداءات تحذيرية من استمرار هذا الوضع، مشيرة إلى أن “المراكز المملوكة للدولة باتت عرضة للإهمال والنهب، وأن قيمتها تقدر بملايين الدولارات من مبانٍ وتجهيزات ومعدات تُركت من دون صيانة أو رقابة”. كما شددت على أن “إقفال القطاع يضرّ بالمال العام وبالسلامة العامة في آنٍ واحد، ويحرم مئات العمال من وظائفهم”.

في ظل هذا الواقع، وبين وعود لم تتحقق وملف “قيد الدرس”، تستمر الطرقات اللبنانية شاهدة على فوضى ميكانيكية تُهدّد كل سائق ومار، فيما ينتظر مئات الموظفين والعمال المعلّقين بين البطالة والأمل، جوابًا حاسمًا حول مصير المعاينة الميكانيكية.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa