أميركا تستنفد الرسائل وفرنسا مرتبكة

07:22AM

كتب أنطوان مراد في نداء الوطن:

يقول دبلوماسي عربي في مجلس خاص جدًا إن المملكة العربية السعودية لا يعنيها بالمعنى السياسي لبنان الرهينة بيد "حزب الله" ومن خلاله إيران، إلا بما يحفظ لبنان الوطن، باعتبار أن التجارب السابقة أثبتت أن الدولة اللبنانية ومن خلال مَن تسلّم زمامها على صعيد القرار لا سيما على مدى العقدين الأخيرين، كانت بين العجز عن ترسيخ سيادتها وبين محاولات تبرير هذا العجز بالدعوة إلى الصبر حرصًا على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. ولكن تبيّن أنه تحت عباءة هذا الحرص كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشدد قبضتها على مفاصل الدولة وكان "حزب الله" يهيّئ دولته المتكاملة التي أرادها أن تحتوي الدولة اللبنانية تدريجًا.

وما ضاعف الخيبة السعودية هو تمكن "حزب الله" من "التشبيح" أو من وضع اليد على جزء من الدفعة الأولى من المساعدات التي أقرتها المملكة للبنان بهدف دعم الجيش اللبناني وسائر القوى الأمنية بقيمة أربعة مليارات دولار، ليأتي ذلك كـ "شحمة على فطيرة" في ظل تكرار هذه الظاهرة، وفي ضوء المواقف المناهضة للمملكة من قبل "حزب الله" وحلفائه وعلى رأسهم "التيار الوطني الحر"، فضلًا عن امتناع لبنان الرسمي في حينه عن إدانة صريحة للاعتداءات الحوثية بتوجيه إيراني على أراضي المملكة، معطوفة على الاعتداء على القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية، فكان القرار السعودي بوقف تلك المساعدات نهائيًا في منتصف شباط 2016، ومن بعدها وقف مختلف أنواع المساعدات، باستثناء المساعدات ذات الطابع الإنساني ومن خلال المؤسسات الدولية والإقليمة المعنية حصرًا.

وبالفعل التزمت المملكة هذا القرار بشكل حاسم، ولم تُعر كثير اهتمام لاعتبارات طائفية أو تحالفية، إذ اكتفت بالحفاظ على علاقات طيبة مع دار الفتوى والشخصيات السنية السيادية في معظمها، إلى القوى والشخصيات السيادية الأخرى وأبرزها "القوات اللبنانية" ورئيسها سمير جعجع. وقد سارت دول الخليج بعامة وفق النهج السعودي باستثناء تمايزات محدودة من قبل قطر والإمارات، علمًا أن الكويت لم تخرج عن هذا الالتزام إلا في ما خص بعض المشاريع الملحوظة سابقًا والتي تخضع لرقابة توحي بالثقة.

واليوم، تبدو المملكة كما يلفت الدبلوماسي العربي، في حالة ترقب شديد للتطورات اللبنانية، وثمة شعور بنوع من الحذر لديها حيال البطء في حسم مسألة حصرية السلاح واستعادة سيادة الدولة، مع التنبيه من تكرار الأخطاء الماضية بالوقوع في فخ الممانعة.

ويلفت إلى أن السعودية ومعها دول الخليج تسعى للتعويض عن حجب المساعدات بدعم الخيار السيادي عبر السعي للملمة الشمل على أكثر من صعيد، مع الأمل بأن تكون الانتخابات المقبلة مفصلًا في حسم المعادلة لمصلحة الدولة السيدة التي تسودها الحرية وتكرس التنوع، وفاقًا مع "اتفاق الطائف" الذي يمثل الميثاق الثابت، وعندما تكتمل عناصر السيادة ويستعيد الميثاق وهجه، يمكن الانكباب على البحث جديًا في كيفية مساعدة لبنان للنهوض اقتصاديًا وإعماريًا، لأن زمن هدر المال انتهى إلى غير رجعة ولأن استقرار لبنان من استقرار المنطقة والعكس صحيح.

أما في ما خص الموقف الأميركي، فالثابتة الوحيدة هي دعم الجيش اللبناني بما أمكن من عتاد وذخائر ومساعدات، ولكن تحت سقف محدد يراوح بين تأمين استمرارية الجيش مؤسسة قائمة وفاعلة، علمًا أن الجيش يستحق دعمًا إضافيًا، وبين التحفظ على ضخ أموال ومساعدات أكبر، لأن السقف السياسي للدولة اللبنانية ما زال منخفضًا ولا يرقى إلى المستوى المطلوب، في ضوء التأخير في مسار تطبيق قرار حصرية السلاح والعودة إلى ما يشبه التذاكي في تبرير هذا التأخير. على أن إدارة الرئيس ترامب تثق برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وتدرك أنه ليس وحده في موقع القرار، لكنها تريد في الوقت عينه أن يستعيد زمام المبادرة التي دانت له مع انطلاقة عهده، وبالأخص بوجود حكومة سيادية في أكثريتها الساحقة وعلى رأسها رئيس سيادي أظهر التزامه الجدي بقرار حصر السلاح من دون تردد.

على أن واشنطن لا يخفى عليها الدور المعرقل الذي يتولاه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالنيابة عن "حزب الله"، لكن مسوؤلين في وزارة الخارجية يبدون اعتقادًا بأن المزيد من التحولات ستدفع بالرئيس بري إلى تحسين موقفه، بحجة أنه الأحرص على "حزب الله" وفي الوقت عينه على تجنب المزيد من الخضات الداخلية والحروب العبثية.

وفي رأي مصادر على تماس مع التوجه الأميركي حيال لبنان، فإن واشنطن في طريقها إلى استنفاد مختلف الوسائل لإقناع أركان الحكم في لبنان بتسريع وتعزيز مسار عملية حصر السلاح، لأن المحاذير كبيرة وخطيرة حيال عودة إسرائيل إلى خيار الضربات العنيفة على "حزب الله"، لا سيما وأن الموفد المصري نقل جوًا غير مشجع حيال التباطؤ في استحقاق تنفيذ خطة الجيش بحصر السلاح في مختلف الأراضي اللبنانية بيد الدولة.

وفي ما يتعلق بالموقف الفرنسي فهو مرتبك على شيء من الالتباس، باعتبار أن الرئيس ماكرون غارق في سلسلة مشكلات داخلية تنال من صدقية عهده بقوة، في وقت يبدي استعدادًا دائمًا لعقد مؤتمر أول تحت عنوان دعم الجيش اللبناني، لكنه ينتظر كما هو واضح كيف ستتقدم التطورات في الأسابيع القليلة المقبلة وماذا سيكون عليه الموقف الأميركي الذي لم يعط بعد الضوء الأخضر الصريح لهكذا مؤتمر إذا ما أريد له أن ينتهي إلى نتائج جدية.



المصدر : نداء الوطن

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa