12:27PM
على مدى العامين الأخيرين، أدّت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى خسائر ودمار يفوقان الوصف. وعاش سكان غزة، بمن فيهم زملاؤنا، القتل والإصابة والتجويع والنزوح والحصار.
يروي زميلنا محمد الحواجري، ممرض غرفة العمليات في غزة، رحلة عائلته في البحث عن الأمان الذي تبيّن في النهاية أنه بعيد المنال، وكيف غادر غزة إلى الأردن بعد إصابة ابنه ذي الخمس سنوات في غارة إسرائيلية، ليتلقى العلاج في مستشفى أطباء بلا حدود للجراحة الترميمية في عمّان، الأردن.
"بعد أيام من اندلاع الحرب في غزة، أصدرت إسرائيل أوامر إخلاء طالت نحو نصف السكان للانتقال إلى جنوب القطاع. بقينا في الشمال وانتقلنا إلى مكتب أطباء بلا حدود، حيث تجمّع عدد كبير من الزملاء وعائلاتهم. بدا المكتب أكثر أمانًا من منازلنا، غير أن الأصوات في الخارج لم تشِ بأن في محيطنا أي مكان آمن.
بعد أسابيع، اقتحمت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء شمال القطاع، وخيّم الخوف على كل زاوية في مدينة غزة. كانت المتاجر والمخابز قد أغلقت أبوابها، وبدأ الجوع يُحكم قبضته على الشمال. بدت المدينة وكأنها تحتضر ببطء تحت وطأة القصف والجوع، فقرّرنا المغادرة على أمل أن يمنحنا الجنوب فرصة للنجاة.
حاولت أطباء بلا حدود تأمين مسار آمن لفريقها خلال مُهل قصيرة تسمح بها القوات الإسرائيلية. انطلقنا في قافلة من السيارات مع العشرات من موظفي أطباء بلا حدود وعائلاتهم. لكن مع توجّه الآلاف نحو الجنوب والإجراءات المعقَّدة عند حاجز نتساريم، انتهت المهلة قبل أن نتمكن من العبور، واضطررنا للعودة إلى مدينة غزة. وبينما كانت قافلتنا تعود أدراجها، ورغم أنها تحمل شعار أطباء بلا حدود بوضوح، فُتح عليها النار، فتحطّمت النوافذ وتناثرت الشظايا مخترقةً السيارات.
في خضم الفوضى، أُصيب ممرض الطوارئ علاء الشوا الذي كان يتطوّع مع أطباء بلا حدود برصاصة في رأسه وهو يحمل أطفالي في حضنه. قضى علاء في اللحظة نفسها.
ما زال ذلك اليوم عالقًا في ذاكرة أطفالي كأنه وقع بالأمس، من النيران التي انهالت علينا من كل جهة حتى بات من المستحيل معرفة مصدرها، إلى الرصاصة التي مرت فوق رؤوسهم قبل أن تصيب علاء، ومن ثم مقتل زميلنا وصديقنا الذي أحبوه كثيرًا. كنا قريبين من العيادة حين بدأ إطلاق النار، فهرعنا إليها، لكن حتى هناك، شاهد أطفالي علاء ينزف أمامهم فيما فشلت كل محاولات إنقاذه.
أتذكّر صراخ الأطفال وأصواتهم التي ملأت المكان فيما كان علاء يُوارى الثرى. كنا في ذهول، عاجزين عن استيعاب ما جرى.
ظللنا محاصرين في العيادة طوال الأيام التالية، ننام في المكان نفسه الذي يرقد فيه جسد علاء، إذ لم يكن أمامنا أي مكان آخر نلجأ إليه. تأثر ابني الأكبر على نحو خاص وكان يستيقظ كل ليلة باكيًا، تطارده ذكريات ما حدث وجثمان علاء قبل أن يُدفَن.
وحين تمكّنا أخيرًا من العبور إلى الجنوب، كان الطريق أمامنا ممتلئًا بالجثث في مشهد لن يُمحى من ذاكرتنا أبدًا.
وصلنا إلى خان يونس ولجأنا إلى مأوى أطباء بلا حدود، لكننا لم نكن بمنأى عن أهوال الحرب. فقد أدّت غارة قريبة إلى تحطيم النوافذ واهتزّ المبنى بأكمله على إثرها. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أصابت قذيفة دبابة المبنى مباشرة في وقت لاحق، رغم شعار أطباء بلا حدود الواضح على واجهته. أدى الهجوم إلى مقتل ابنة أحد زملائنا.
بعد القصف، غادرنا مرة أخرى، هذه المرة إلى رفح، المنطقة التي زُعم أنها آمنة. لكن الغارات الجوية لم تتوقف، فحتى عندما لا تستهدف الهجمات المنازل مباشرة، كانت شظاياها تخترق الجدران والملاجئ.
بعد ذلك، خضنا شهورًا من النزوح، كانت مليئة بالخسائر الكبيرة والظروف القاسية. تلاشت الأيام ونحن ننتقل من مكان إلى آخر، نكابد الحياة لحظة بلحظة. وعندما ظننا أننا تجاوزنا أسوأ ما يمكن، جاءت الإبادة لتطرق أبوابنا من جديد. ففي 27 يونيو/حزيران 2025، أصابت غارة جوية الشارع المجاور لمنزلنا، وكان ابننا الصغير عمر واقفًا عند الباب، فاخترقت ساقه إحدى الشظايا. كان عمره خمس سنوات فقط، وقد أضعفته شهور طويلة من الخوف والجوع.
في غزة، خضع عمر لعدة عمليات جراحية في ظروف صعبة، وسط الجوع وارتفاع أسعار الطعام والدواء التي لم نعد قادرين على شرائها أو الوصول إليها بسبب الحصار الإسرائيلي. وبعد ستة أسابيع، تمكّن زملاؤنا من تأمين إحالتنا إلى مستشفى أطباء بلا حدود للجراحة الترميمية في الأردن. وفي ذلك الوقت، كان عمر مصابًا بسوء التغذية وإخوته يعانون نقصًا خطيرًا في الوزن.
وفي عمّان، أجرى عمر عمليات إضافية وتلقى رعاية متعددة التخصصات. أصبح الآن قادرًا على الوقوف واللعب ليعيش طفولته من جديد. وتذكّرنا خطواته الأولى نحو التعافي بأن الحياة يمكنها أن تبدأ من جديد، حتى بعد كل ما مررنا به.
ومع ذلك، ومهما حظي من رعاية، سيظل جزء من طفولته متأثّرًا بما حدث - إبادة جماعية يصعب علينا تصديق أنها حلّت بنا وبأطفالنا، وبغزّة التي نكن لها حبًا عميقًا".
شارك هذا الخبر
"وطن الإنسان" يهنّىء الفائزين في نقابة المحامين: العدالة هي البوصلة
إقفال فرن للكعك في العدوسية بالشمع الأحمر لمخالفته نظامي الإقامة والعمل
بري يستقبل السفير الأميركي الجديد: لقاء جيد وصريح
عون أمام وفد من "مورغان ستانلي": مشاركة "بيروت 1" تؤكّد عودة الثقة الدولية بلبنان
وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى السراي الحكومي للقاء سلام
مرقص يزور قابة المحامين مهنئًا: للتعاون في الملفات التشريعية
في مستجدات الانتخابات النيابية... عون يوقع المرسوم!
بريطانيا تضع حاملة الطائرات "برينس أوف ويلز" تحت قيادة الناتو لأول مرة في أوروبا
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa