البابا لاوون من بكركي للشبيبة في لبنان: أنتم مصدر الأمل وفرصتكم تاريخية لتغيير المستقبل

07:56PM

وجّه قداسة البابا لاوون الرابع عشر رسالة أمل ورجاء إلى شبيبة لبنان خلال اللقاء الذي جمعه بهم في الصرح البطريركي في بكركي، مؤكدًا أن هذا اللقاء هو مناسبة "لنسمع بعضنا البعض ونطلب من الله أن يلهمنا في قراراتنا المستقبلية".

واعتبر البابا أن "تاريخ لبنان كان مليئًا بالإنجازات والتميّز، لكن فيه أيضًا جروحًا عميقة يصعب معالجتها"، لافتًا إلى أن محبة الله قادرة على مداواة هذه الجراح. وخاطب الشباب بالقول: "المستقبل بين أيديكم، ولديكم فرصة تاريخية لتغيير المستقبل. الحب قادر على معالجة جروح الجميع، ومباركون من يحملون السلام ويصنعونه، لأن هؤلاء هم أبناء الله".

وأضاف أن لبنان "سيزدهر مجددًا بشكل جميل وشامخ كالأرزة"، مشيرًا إلى أن المجتمع اللبناني يزخر بميزات كثيرة "نتيجة العمل الشجاع والدؤوب للكثيرين ممّن يشبهون جذور الأرزة المترسخة في الأرض".

ودعا البابا الشبيبة إلى أن يكونوا "مصدر الأمل الذي تنتظره هذه البلاد"، مذكّرًا بأن "يسوع مات وقام من أجل خلاصنا جميعًا، وهو دليل الصفح الذي ينجّينا من كل شرير، ومنه نتعلم السلام".

وختم قائلًا إن الله قد يبدو صامتًا في "زحمة الحياة"، لكنه شدّد على ضرورة المثابرة على الصلاة على مثال القديس شربل، والمشاركة في القداديس، باعتبارها مصدر قوة داخلية وروحية لمواجهة التحديات.


وفي ما يلي كلمته كاملة: 

أيها الشباب الأعزّاء في لبنان، "السلام عليكم!" (السلام يكون معكم!)

هذه التحية التي أطلقها المسيح القائم من بين الأموات (راجع يوحنا 20، 19) تغذّي فرح لقائنا: فالحماسة التي نشعر بها في قلوبنا تعبّر عن قرب الله المحبّ الذي يجمعنا كإخوة وأخوات لنتقاسم إيماننا به والشركة بيننا.

أشكركم جميعًا على الاستقبال الحار الذي خصصتموني به، كما أشكر صاحب الغبطة على كلماته الودّية والترحيبية. أوجّه تحية خاصة للشباب القادمين من سوريا والعراق، وكذلك اللبنانيين القادمين من بلدان عدة إلى وطنهم. لقد اجتمعنا هنا لكي نصغي إلى بعضنا البعض، وأنا أوّل من يصغي، طالبين من الربّ أن يُلهِم خياراتنا المستقبلية. وفي هذا السياق، إن الشهادات التي قدّمها لنا أنطوني وماريا، إيلي وجويل، تفتح بالفعل قلوبنا وعقولنا.

إن رواياتهم تشهد على الشجاعة وسط الألم، والرجاء وسط الخيبة، والسلام الداخلي في زمن الحرب. إنهم كالنجوم اللامعة في ليلة مظلمة، حيث يمكن رؤية خيط نور الفجر يتسلل. وفي هذا التباين، يمكن لكثيرين منا أن يتعرفوا على تجاربهم الخاصة، الحسنة منها والسيئة. إن تاريخ لبنان منسوج من صفحات مجيدة، لكنه أيضًا مطبوع بجراح عميقة يصعب شفاؤها. وهذه الجراح لها أسباب تتجاوز الحدود الوطنية، وتتشابك داخل ديناميات اجتماعية وسياسية معقّدة للغاية.

أيها الشباب الأعزّاء، قد تأسفون لأنكم ورثتم عالمًا ممزقًا بالحروب ومشوّهًا بالظلم الاجتماعي. لكن، في داخلكم يكمن رجاء، تلك الهبة التي تبدو لنا نحن الكبار وكأنها بدأت تفلت من أيدينا. أنتم تملكون الوقت! تملكون وقتًا أطول للحلم، والتنظيم، وإنجاز الخير. أنتم الحاضر، وبين أيديكم المستقبل يُبنى بالفعل! ولديكم الحماسة اللازمة لتغيير مسار التاريخ! فالمقاومة الحقيقية للشرّ ليست شرًا آخر، بل المحبة القادرة على شفاء الجراح الشخصية وجراح الآخرين.

إن تفاني أنطوني وماريا في خدمة المحتاجين، وإصرار إيلي، وسخاء جويل، هي نبوءات لمستقبل جديد يُعلن بالمصالحة والمساعدة المتبادلة. وهكذا تتحقق كلمات يسوع:
“طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض”،
“طوبى لصانعي السلام لأنهم يُدعون أبناء الله” (متى 5، 5 و9).
أيها الشباب الأعزّاء، عيشوا على نور الإنجيل، وستكونون سعداء تحت نظر الرب!

سيزدهر وطنكم، لبنان، مجددًا جميلاً وقويًا كالأرز، رمز وحدة الشعب وخصبه. نحن نعلم جيدًا أن قوة الأرزة تكمن في جذورها، التي تكون غالبًا بحجم فروعها. عدد الفروع وقوتها يعادلان عدد الجذور وقوتها. هكذا أيضًا، كل الخير الذي نراه اليوم في المجتمع اللبناني هو ثمرة عمل متواضع وخفيّ ونزيه لكثيرين من صنّاع الخير، جذور طيبة لا تبحث عن إنماء غصن واحد فحسب من الأرزة اللبنانية، بل الشجرة بأكملها بكل جمالها. فاستقوا من هذه الجذور الطيبة، من التزام الذين يخدمون المجتمع ولا "يستغلّونه" لمصالحهم الخاصة. واعملوا بسخاء من أجل العدالة، وابنوا معًا مستقبلًا من السلام والتنمية. كونوا النسغ الحيّ للرجاء الذي ينتظره وطنكم!

في هذا السياق، تسمح أسئلتكم برسم طريق، وإن كان صعبًا، لكنه، ولسبب ذلك بالذات، طريق مشوّق.

سألتموني: أين نجد نقطة الارتكاز التي تساعدنا على الثبات في الالتزام من أجل السلام؟
أيها الأصدقاء الأعزّاء، لا يمكن لهذه النقطة أن تكون فكرة أو عقدًا أو مبدأً أخلاقيًا. فالمبدأ الحقيقي للحياة الجديدة هو الرجاء الذي يأتي من فوق: إنه المسيح! لقد مات وقام من أجل خلاص الجميع. وهو، الحيّ، أساس ثقتنا؛ وهو شاهد الرحمة التي تفدي العالم من كل شرّ. وكما يذكّر القديس أغسطينوس، مرددًا كلمات بولس الرسول:
"إنه دائمًا به ومن خلاله ننال السلام"
(شرح إنجيل يوحنا، 77، 3).
فالسلام ليس حقيقيًا إن كان فقط ثمرة مصالح فئوية، بل يصبح صادقًا عندما أقوم مع الآخر بما أودّ أن يقوم هو به معي (متى 7، 12). وقد قال القديس يوحنا بولس الثاني:
"لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون غفران" (رسالة يوم السلام العالمي، 1 كانون الثاني 2002).
هكذا، من الغفران تولد العدالة، وهي أساس السلام.

أما سؤالكم الثاني، فيجد جوابه داخل هذا الإطار.
صحيح أننا نعيش في زمن تبدو فيه العلاقات الإنسانية هشة وتُعامل كالأشياء. حتى بين الشباب، أحيانًا يتعارض السعي الفردي مع الثقة بالآخر، ويُفضَّل الربح الشخصي على الخدمة. هذه المواقف تجعل حتى الكلمات الجميلة مثل الصداقة والحب تبدو سطحية، إذ تُخلط غالبًا مع شعور أناني. فإذا كان الـ"أنا" هو مركز العلاقة، فهذه العلاقة لا يمكن أن تكون مثمرة. كذلك، لا يكون الحب حبًا حقًا إن كان مؤقتًا، مرتبطًا بمدى دوام الشعور. فالحبّ محدود المدة هو حب ضعيف. أما الصداقة الحقيقية، فتقول "أنت" قبل "أنا". وهذا النظر باحترام وقبول إلى الآخر يسمح ببناء "نحن" أوسع، منفتح على المجتمع كلّه وعلى البشرية جمعاء. ولا يكون الحب أصيلًا ولا دائمًا إلا عندما يعكس بهاء الله الأبدي الذي هو محبة (1 يوحنا 4، 8).
إن العلاقات المتينة والخصبة تُبنى على الثقة المتبادلة، وعلى ذلك "للأبد" الذي ينبض في كل دعوة إلى الحياة العائلية وإلى التكريس.

أيها الشباب الأعزّاء، ما الذي يُظهر أكثر من كل شيء حضور الله في العالم؟
إنها المحبة، العمل الخيري!
إنها لغة عالمية لأنها تتحدث إلى كل قلب. وهي ليست مجرد مثال، بل تاريخ كُشف في حياة يسوع وفي حياة القديسين الذين يرافقوننا في تجارب الحياة.
انظروا خصوصًا إلى الشباب الذين لم يسمحوا للظلم أو خيبات الأمل – حتى داخل الكنيسة – أن تثنيهم، بل سعوا إلى طرق جديدة نحو ملكوت الله وعدالته.
وبالقوة التي يمنحكم إياها المسيح، ابنوا عالمًا أفضل من العالم الذي وجدتموه!

أنتم الشباب أكثر عفوية في علاقاتكم مع الآخرين، حتى المختلفين عنكم ثقافيًا ودينيًا. إن التجدد الحقيقي الذي يرغب فيه القلب الشاب يبدأ بالخطوات اليومية:
استضافة القريب والبعيد، مدّ اليد للصديق أو للاجئ، والغفران – الصعب والضروري – للعدو.

لننظر إلى أمثلة القديسين المذهلة!
لنُفكّر ببيار جورجيو فرسّاتي وكارلو أكوتيس، الشابين اللذين أُعلن قداسَتهما في هذا اليوبيل المقدّس.
ولننظر إلى القديسين اللبنانيين الكثيرين:
جمال خاص يظهر في حياة القديسة رفقا، التي قاومت الألم سنوات طويلة بقوة ولطف.
وكم من أعمال الرحمة قام بها الطوباوي يعقوب الحداد وهو يساعد المنسيين!
ويا لها من قوة نور تتدفق من الظلمة التي اختار القديس شربل أن يعيش فيها، وقد أصبح واحدًا من رموز لبنان في العالم.
إن عينَيه المرسومتين دائمًا مغلقتان، وكأنهما تحفظان سرًا عظيمًا. ومن خلالهما نستطيع أن نرى نور الله أوضح.

والنشيد الذي يُنشد له رائع:
"يا من تنام وعيناك نور لعيوننا، على جفنيك تفتّحت رائحة البخور…"
أيها الشباب، ليضيء نور الله في عيونكم أيضًا، ولتزهر فيكم رائحة الصلاة.
في عالم مليء بالمشتتات، خصصوا وقتًا يوميًا لتغلقوا أعينكم كي تروا الله وحده. وإن بدا صامتًا، فإنه يكشف نفسه لمن يبحثون عنه في الصمت.

وبينما تسعون إلى فعل الخير، أطلب منكم أن تكونوا متأملين مثل القديس شربل:
بالصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، والمشاركة في القداس، والتمادي في السجود.
وقال البابا بندكتس السادس عشر لمسيحيي الشرق:
"أدعوكم إلى المحافظة باستمرار على صداقة حقيقية مع يسوع، بقوة الصلاة."
(الكنيسة في الشرق الأوسط، رقم 63)

أيها الأصدقاء الأعزّاء، من بين جميع القديسين، تلمع القديسة مريم، أمّ الله وأمّنا.
كثير من الشباب يحملون المسبحة في جيوبهم أو حول معصمهم أو رقبتهم.
ما أجمل أن ننظر إلى يسوع بعيني قلب مريم!
وهنا حيث نقف الآن، ما أروع أن نرفع أنظارنا إلى سيدة لبنان برجاء وثقة!

أيها الشباب الأعزّاء، اسمحوا لي أن أترك معكم هذه الصلاة البسيطة والعظيمة المنسوبة إلى القديس فرنسيس الأسيزي:

"يا رب، اجعلني أداة لسلامك:
حيث الكراهية، دعني أزرع المحبة.
حيث الأذى، الغفران.
حيث الشقاق، الوحدة.
حيث الخطأ، الحقيقة.
حيث الشك، الإيمان.
حيث اليأس، الرجاء.
حيث الظلمة، النور.
حيث الحزن، الفرح."

فلتبقَ هذه الصلاة مشتعلة فيكم، تُغذّي فيكم فرح الإنجيل وحماسة الإيمان.
ومعنى كلمة "حماسة" هو: "أن يكون الله في القلب".
وعندما يسكن الرب في داخلنا، يصبح الرجاء الذي يمنحنا إياه مثمرًا للعالم.
فالرجاء، كما ترون، فضيلة متواضعة، تأتي ويديها فارغتين:
وهما اليدان القادرتان على فتح الأبواب التي تبدو مغلقة أمام التعب والألم والخيبة.

سيكون الرب معكم دائمًا، واعلموا أن الكنيسة كلها تساندكم في تحديات حياتكم ومسار وطنكم الحبيب.
أستودعكم حماية والدة الله وسيدتنا، التي من على قمّة هذا الجبل تتأمل هذا الإزهار الجديد.

يا شباب لبنان، انموا أقوياء كالأرز… واجعلوا العالم يزهر رجاءً!



شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa