آفاق مستقبل سوريا بعد عام على رحيل بشار الأسد

08/12/2025 09:39PM

كتب أنطوني سعد:

مرّ عام كامل على رحيل بشار الأسد عن المشهد السوري، عام كان كافياً لإسقاط كثير من الأوهام التي رافقت لحظة السقوط، وكشف حجم التعقيد الذي يلف مستقبل سوريا. فبدلاً من أن يشكّل غياب الأسد مدخلاً سريعاً لإعادة توحيد الدولة وترميم السلطة، دخلت البلاد في مرحلة سيولة سياسية وجغرافية غير مسبوقة، تزداد معها الأسئلة أكثر مما تتضح الإجابات.

خلال هذا العام، خسرت سوريا فعلياً السيطرة على السويداء وجبل الدروز، ليس بالضرورة عبر إعلان انفصال رسمي، بل من خلال واقع ميداني وأمني مختلف كلياً عن سلطة دمشق. فقد باتت هذه المنطقة تدار ذاتياً بحكم الأمر الواقع، وسط حضور ضعيف أو شبه غائب لمؤسسات الدولة، مقابل تنامي نفوذ محلي مدعوم بحسابات إقليمية دقيقة. وفي موازاة ذلك، استغلت إسرائيل لحظة التحول السوري لتوسيع رقعة انتشارها العسكري داخل الأراضي السورية، فاحتلت مناطق إضافية، وفرضت خطوط تماس جديدة، في ظل غياب أي قدرة سورية فعلية على الرد أو حتى الاحتجاج.

أما الساحل السوري، الذي لطالما شكّل خزّان الاستقرار النسبي للسلطة، فبات بدوره منطقة مضطربة. التوترات الأمنية، والقلق الاجتماعي، والصراع الصامت بين شبكات نفوذ قديمة وأخرى جديدة، جعلت الساحل بعيداً عن كونه قاعدة صلبة لحكم مركزي قوي. لا تمر فترة من دون تسجيل حوادث، أو تسريب مخاوف، أو مؤشرات على أن هذا الشريط الحساس لم يُحسم أمره بعد في معادلة سوريا الجديدة.

في هذا المشهد المتشظي، يظهر الحكم الجديد كسلطة “طرية العود”، تحكم وكأنها في امتحان دائم أمام الخارج أكثر مما تحكم الداخل السوري. فخطاب القيادة، وحركتها، وأولوياتها، كلها موجّهة إلى المجتمع الدولي، إلى العواصم الكبرى، وإلى غرف القرار الإقليمي. وكأن الشرعية تُطلب من الخارج، لا من الشارع السوري الذي أنهكته الحرب والانقسام والانهيار الاقتصادي.

على شاشات التلفزة، ومن قصور كبار الرؤساء إلى صالات الملوك، يُقدَّم الشرع بوصفه رئيساً استثنائياً، رجل المرحلة الذي أعاد سوريا إلى طاولة الدول، وكسر العزلة، وفتح الأبواب المغلقة. صوره في العواصم، وخطابه الهادئ، ورسائله السياسية المدروسة، كلها رسمت صورة قائد يحظى بقبول دولي واسع، وربما أكثر مما حظي به أي زعيم سوري منذ عقود.

لكن هذه الصورة الخارجية لا تنسحب على الداخل. ففي الواقع السوري، لا يحكم الشرع إلا في دمشق ومحيطها المباشر. بقية الجغرافيا موزعة بين قوى أمر واقع، ونفوذ أجنبي، وسلطات محلّية تفرض شروطها. الدولة، بمعناها الكامل، لم تعد ممسكة بالأرض ولا بالمجتمع، فيما القرارات الكبرى ما زالت تصطدم بحسابات معقدة تتجاوز قدرة السلطة الجديدة على الحسم.

وزادت الأمور تعقيداً مع تراجع، أو على الأقل تباطؤ، مسار السلام مع إسرائيل. فبعدما راهن كثيرون على أن يكون الانفتاح على تل أبيب أحد مفاتيح تثبيت الحكم الجديد وضمان بقائه، تبدو المؤشرات اليوم أقل وضوحاً. التردد السوري، والضغوط الداخلية، وحسابات الشارع، كلها عوامل جعلت هذا المسار يتقدم ببطء شديد، ما وضع الشرع أمام معادلة صعبة: إرضاء الخارج دون خسارة الداخل، أو العكس.

من هنا، يبرز السؤال الجوهري: هل يخضع الشرع في نهاية المطاف لشروط الخارج، ويمضي في التسويات المطلوبة للبقاء في الحكم، أم أن دوره لا يتعدى كونه حاكماً انتقالياً، جاء ليهيئ الساحة السياسية والأمنية لمن سيأتي بعده؟ هل هو رئيس مرحلة طويلة، أم مجرد حلقة في مسار إعادة تشكيل سوريا؟

بعد عام على رحيل الأسد، تبدو سوريا أبعد ما تكون عن الاستقرار. دولة مجزأة، سلطة محدودة النفوذ، حضور دولي كثيف، ومجتمع يتلمس طريقه في المجهول. وبين صورة لامعة في الخارج وواقع هش في الداخل، يتحدد مستقبل الحكم الجديد، ومعه مستقبل سوريا كله.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa