السيادة لا تُستعاد بالشعارات… بل بالشفافية ورفض الوصاية

01:14PM

في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان، لم يعد مقبولاً الاستمرار في إدارة الأزمات بالعتمة السياسية والالتفاف على وعي الناس. فالدولة التي تريد استعادة سيادتها وبناء ثقة شعبها لا يمكنها أن تفعل ذلك من دون شفافية، ولا يمكنها أن تدّعي الاستقلال فيما القرار الأمني والسياسي مرتهن للخارج.

أولاً، إن الجيش اللبناني، بوصفه المؤسسة الوطنية الجامعة، يعمل اليوم على إبراز قدراته أمام المجتمع الدولي لكسب الشرعية والدعم. لكن هذه الجهود تبقى ناقصة ما لم تُستكمل بتواصل واضح وصريح مع الشعب اللبناني. فالمواطن هو المتضرر الأول من السلاح غير الشرعي ومن نتائج الصراعات المفروضة على البلاد، ومن حقه أن يعرف أين وصلت المعالجة، وما الذي تحقق، وما الذي لا يزال عالقاً. نشر تقارير دورية عن التقدم المحقق ورفعها إلى الحكومة وإطلاع الرأي العام عليها ليس ترفاً، بل ضرورة لبناء الثقة ولطمأنة الناس بأن الخطر يتراجع وأن الدولة تستعيد دورها تدريجياً في حماية السيادة والأمن.

وفي السياق نفسه، لا يمكن للبنان أن يدّعي الحياد أو السيادة فيما تستمر التدخلات الإيرانية السافرة في شؤونه الداخلية. من هنا، فإن أي زيارة لمسؤولين إيرانيين، طالما هذا التدخل قائم، يجب أن تُقابل بالرفض الواضح. فالموقف الذي عبّرت عنه بعض الدول في هذا الإطار يجب أن يتحول إلى نهج جماعي، تتبناه القيادات اللبنانية بدعم من المجتمع الدولي، تأكيداً على أن لبنان ليس ساحة مفتوحة ولا ورقة تفاوض في صراعات الآخرين.

السيادة، بمعناها الحقيقي، لا تكتمل إلا بإزالة النفوذ الإيراني عن الأراضي اللبنانية وتفكيك الشبكات الوكيلة التي تعمل خارج منطق الدولة. فلا يمكن لدولة تحترم نفسها أن تسمح بوجود قوى عسكرية منظمة تعمل داخل حدودها، وتتبع لقيادة خارجية، سواء اتخذت هذه القوى تسميات محلية أو غطاءات سياسية. وجود مثل هذه التشكيلات يقوّض مفهوم الدولة من أساسه، ويحوّل لبنان إلى كيان هش فاقد لقراره.

إلى جانب ذلك، يبرز السلوك السياسي الديكتاتوري الذي لا يزال يمارسه بعض رموز السلطة، وفي طليعتهم نبيه بري، الذي يتصرف وكأن البلاد ملك خاص أو رهينة لماضٍ تجاوزه الزمن. هذا النهج، المرتبط عضوياً برواية إيران وأجندتها، يهدد بتعطيل الاستحقاقات الدستورية المقبلة، وعلى رأسها الانتخابات، ويدفع لبنان مرة جديدة نحو الشلل والفوضى. إن الإصرار على التحكم بمفاصل الدولة ومنع التداول الطبيعي للسلطة ليس سوى محاولة يائسة للإبقاء على لبنان أسيراً للوصاية ولمنطق التعطيل.

أمام هذا الواقع، تقع المسؤولية على عاتق الشعب اللبناني أولاً وأخيراً. فرفض الديكتاتورية، ورفض النفوذ الخارجي، والمطالبة بدولة شفافة ذات سيادة كاملة، لم تعد خيارات سياسية، بل شروطاً وجودية لبقاء لبنان. المستقبل لا يُبنى بالارتهان ولا بالخوف، بل بإرادة وطنية واضحة تقول إن زمن السيطرة من الخارج انتهى، وإن لبنان يستحق دولة حرة، سيدة، وقادرة على حماية أبنائها


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa