من ياسر عرفات إلى محمود عباس: رحلة الشرعية الفلسطينية

01:41PM

كتب المتخصص في الشأن العربي والخليجي الكاتب السياسي  طارق أبو زينب:

    

   في الأول من كانون الثاني/يناير 1965، لم يكن الفلسطينيون على موعد مع عملية عسكرية فحسب، بل مع ولادة مرحلة تاريخية جديدة دشّنت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة الشهيد القائد ياسر عرفات (أبو عمار) ورفاقه في حركة فتح. في ذلك اليوم، كُسر الصمت الطويل الذي فرضته الهزيمة والتشريد، وأُعلن أن الشعب الفلسطيني قرر أن يكون صاحب قضيته وقراره، لا ملحقًا بصراعات الآخرين ولا رهينة للانتظار .

لم تكن العملية العسكرية الأولى هدفًا بحد ذاتها، بل كانت رسالة سياسية مدوّية بأن الهوية الفلسطينية استعادت صوتها، وأن المشروع الوطني دخل حيّز الفعل المنظم، مؤسسًا لمرحلة جديدة عنوانها الكفاح والتمثيل والاستقلالية الوطنية .


برز ياسر عرفات منذ اللحظة الأولى كقائد استثنائي، قادر على تحويل الفكرة الثورية إلى حركة شعبية حقيقية، ونقل القضية الفلسطينية من هامش الإهمال الدولي إلى مركز الاهتمام العالمي . في هذا السياق، تأسست منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية راسخة، لتكون الإطار الجامع للفلسطينيين في الداخل والخارج، وحاملة مشروع التحرير والمقاومة الوطنية، مع اعتماد استراتيجية متكاملة تشمل جميع أدوات النضال، العسكرية والمدنية على حد سواء. وانطلقت المنظمة لتحقيق أهدافها عبر الوسائل المشروعة والدعم المتاح، لتصبح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والإطار الجامع له، حاملة همومه ومصالحه الوطنية .

جمع أبو عمار بين البندقية وغصن الزيتون، ونجح في تثبيت معادلة صعبة: مقاومة الاحتلال دون التفريط بالشرعية السياسية، والنضال من أجل التحرير مع الانفتاح على العالم. هكذا، لم تعد الثورة فعلًا عسكريًا محضًا، بل مشروعًا وطنيًا متكاملًا يحمي الهوية ويصون القرار الفلسطيني المستقل .

الثورة كمشروع وطني لا كحدث عابر


مع تعاقب الحروب والانتفاضات والتحولات الإقليمية، تطورت الحركة الوطنية الفلسطينية من الكفاح المسلح الخالص إلى برنامج سياسي مرحلي، هدفه إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية  وفق قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بحل الدولتينورغم ما رافق هذا التحول من انقسامات وضغوط، بقيت الثوابت الوطنية راسخة، وفي مقدّمها حق تقرير المصير وحق العودة للاجئين .

من إرث الثورة إلى مسار الدولة


بعد رحيل ياسر عرفات، دخلت القضية الفلسطينية مرحلة شديدة التعقيد. فتولّى الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، أحد مؤسسي حركة فتح ورفيق درب أبو عمار، قيادة المشروع الوطني في زمن التراجع العربي والانكفاء الدولي. مثّل عباس استمرارية للشرعية الفلسطينية، لكنه قاد تحولًا واضحًا نحو ترسيخ النضال السياسي والدبلوماسي، وتدويل القضية الفلسطينية، ومواجهة إسرائيل في ساحات القانون الدولي والمؤسسات الأممية .

محمود عباس واستمرارية الشرعية الفلسطينية


اعتمد الرئيس محمود عباس نهجًا يقوم على تغليب السياسة كأداة نضال، دون التخلي عن الثوابت. فعمل على تثبيت الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، والانضمام إلى المنظمات الدولية، وملاحقة الانتهاكات الإسرائيلية قانونيًا، رافضًا محاولات فرض حلول أحادية أو صفقات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو شطب حقوقها الأساسية .

داخليًا، واصلت القيادة الفلسطينية رعاية شؤون الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والشتات، في ظل الاحتلال والاستيطان والحصار والتآمر على القيادة السياسية الشرعية . فكان التركيز على دعم صمود المواطنين، والحفاظ على المؤسسات الوطنية، وتأمين الخدمات الأساسية، والدفاع عن القدس ومقدساتها، ورفض أي تغيير في وضعها القانوني والتاريخي. كما شكّل التصدي لمشاريع الضم والاستيطان معركة سياسية يومية للحفاظ على إمكانية قيام الدولة الفلسطينية .

الشتات وحق العودة: جوهر القضية


في المقابل، بقي الفلسطينيون في الشتات في صلب المشروع الوطني. إذ لم تتراجع القيادة الفلسطينية عن التمسك بحق العودة وفق القرار الدولي 194، ورفضت أي تسويات تنتقص من هذا الحق أو تحاول طيّ صفحة اللاجئين. واستمرت منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادتها، مظلة سياسية جامعة تحافظ على وحدة الفلسطينيين وهويتهم أينما وُجدوا .

رمزية الأول من كانون الثاني اليوم


اليوم، وبعد ستة عقود على انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، تتجاوز رمزية الأول من كانون الثاني كونه ذكرى تاريخية، ليغدو محطة لمراجعة المسار وتجديد العهد. ففي زمن محاولات طمس الهوية وتفريغ القضية من مضمونها، يذكّر هذا التاريخ بأن المشروع الوطني الفلسطيني لم يولد صدفة، ولن يسقط بالتقادم، وأن وحدة الشعب حول قضيته تبقى السلاح الأهم في مواجهة التحديات.

ستة عقود… والرسالة لم تتغيّر


ليست الثورة الفلسطينية ذكرى مؤرشفة، بل مسيرة مستمرة تتبدّل أدواتها وتبقى أهدافها ثابتة. وبين إرث ياسر عرفات الثوري ونهج محمود عباس السياسي، تتواصل رحلة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات من أجل الحرية والاستقلال.

وكما قال ياسر عرفات في واحدة من أشهر عباراته التي تختصر روح الثورة ومسيرتهايحملونني على أكتافهم شهيدًا، أو أحملهم على أكتافهم إلى شاطئ الحرية… لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي .

بهذه الروح، يبقى الأول من كانون الثاني شاهدًا على ثورة لم تنطفئ، وقضية ما زالت حيّة، يصونها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وجدان شعبها وضمير الأمة .


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

03:45PM

محاولة انتحار عند صخرة الروشة… والدفاع المدني ينقذ مواطناً في اللحظات الأخيرة

03:25PM

سلام بعد جلسة الحكومة: لا أحد يبيع الذهب ولا يرهنه... و85% من المودعين سيحصلون على أموالهم كاملة

03:14PM

سلام: إقرار مشروع قانون الفجوة الماليّة يُفترض أن يفتح لنا باب التفاهم مع صندوق النقد ومع دول مانحة ويُساعد على جلب الاستثمارات مع التحسّن الاقتصادي الذي أراهن عليه

03:10PM

سلام: قانون الفجوة الماليّة ليس مثاليًّا وفيه نواقص ولا يحقّق تطلّعات الجميع لكنّه خطوة واقعيّة ومنصفة على طريق استعادة الحقوق ووقف الانهيار الذي يُعاني منه البلد وإعادة العافية للقطاع المصرفي

03:09PM

سلام: الكلام الذي يُقال يهدف للتشويش على المودعين لا سيما صغار المودعين وأريد أن أطمئنهم أن كلّ ذلك يأتي في سياق ذرّ الرماد في العيون ولا يُزايدنّ أحد علينا

03:09PM

سلام: للمرّة الأولى نقرّ قانوناً يتضمّن مساءلة ومحاسبة ومن المعيب أن يقول عنه البعض إنّه على قاعدة "عفا الله عما مضى"

03:08PM

سلام: لا صحّة لما يُقال عن السندات التي سيحصل عليها المودعون وأحدٌ لا يبيع الذهب ولا يرهنه

03:05PM

رئيس الحكومة نواف سلام بعد جلسة مجلس الوزراء: أقرّينا مشروع قانون الفجوة الماليّة واسترداد الودائع وأؤكّد أنّ 85% من المودعين سيحصلون على أموالهم كاملة والبعض الآخر سيستردّ أمواله ولكن ليس بالسرعة نفسها

تواصل إجتماعي

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa