09:49AM
اليسا الهاشم
كاتبة سياسية
من مارالاغو، وفي مشهدٍ محمّل بالدلالات، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليبعث برسالة لا لبس فيها، الطموحات النووية والبالستية الإيرانية تجاوزت الحدود، وفتحت الباب على خيار الضربة السريعة القاضية. لم تكن الكلمات مجرد رسمٍ لخطوط حمراء، بل تعبيراً عن اصطفاف سياسي كامل مع المقاربة الإسرائيلية الأكثر تشدّداً، وإعلان انتقال الملف الإيراني من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الحسم.
تتوالى المعلومات عن التظاهرات في مختلف المدن الإيرانية، ككرة ثلج تتعاظم. السبب طبيعة النظام نفسه، آلة قمع متجذّرة منذ التأسيس، اعتمدت السجن والتعذيب والإعدامات كوسيلة حكم، وهي قُدرت بالمئات في الأشهر الأخيرة وفق ما تداولته تقارير إعلامية دولية.
توقيت لقاء مارالاغو لم يكن معزولاً عن هذا المشهد الداخلي. للمرة الأولى منذ عقود، لا يكتفي المحتجون برفع شعارات الغلاء وانهيار القدرة الشرائية، بل يتوجهون مباشرة إلى قلب السلطة مطالبين بتغيير النظام. مقاطع مصوّرة على المنصات الرقمية تظهر أسواقاً مغلقة، وحركة تجارية مشلولة، وهتافات غير مسبوقة تطال المرشد الأعلى تطالب برحيل وسقوط "الديكتاتور"، بل تستحضر رمزية عودة الشاه. اللافت تدخّل اسرائيل العلني والمباشر لتعزي زخم الشارع تعزّز وهو ما ظهّره حساب علني يُنسب إلى الموساد على منصة «إكس»، يبارك الحراك ويدعو الإيرانيين إلى النزول إلى الشارع. بالاضافة الى سيل من التصريحات الداعمة للحراك من صقور الجمهوريين ومقرّبين من الرئيس ترامب.
اقتصادياً ومالياً إيران تنهار. الريال يواصل سقوطه الحر، والتضخم ينهش ما تبقى من القدرة المعيشية، فيما جاءت استقالة حاكم المصرف المركزي محمد رضا فرزين تحت ضغط شعبي وسياسي كثيف الا انه لا يشفي غليل الشارع. هذا التآكل الاقتصادي لا يضرب الداخل فقط، بل ينعكس مباشرة على امتدادات إيران الخارجية. القوى المرتبطة بطهران واذرعها، من لبنان إلى اليمن والعراق، تواجه واقعاً مالياً وسياسياً مختلفاً كلياً عمّا بُنيت عليه حساباتها خلال العقود الماضية، ما يفرض إعادة تموضع قسرية لا خيار فيها.
ردّ النظام جاء مرتبكاً مشحوناً بالقلق. «الحرس الثوري» لجأ إلى إرسال رسائل نصية جماعية لسكان طهران يحذّرهم من «التجمعات غير القانونية» ويدعوهم إلى لزوم المنازل. تاريخياً، لا يُستخدم هذا الأسلوب إلا عندما تبدأ السلطة بفقدان السيطرة على الشارع. بالتوازي، تصاعد التخويف الرقمي ومحاولات ضبط السردية العامة، في مشهد يعكس واقع ان القبضة باتت رخوة.
على الضفة الأخرى، تبدو حسابات واشنطن وتل أبيب شديدة الحساسية. في حزيران الماضي، أفادت تقارير بأن دولًا إقليمية تدخلت ونجحت في اقناع الولايات المتحدة بعدم الإقدام على خطوة تستهدف رأس النظام الايراني بعد أن حدّدت الاستخبارات الإسرائيلية مكانه، محذّرة من «تأثير الدومينو» الذي قد يزعزع استقرار المنطقة بأكملها. تلك الدول لم تكن معنية ببقاء النظام بقدر ما كانت تخشى الفوضى. لكن للولايات المتحدة وإسرائيل أولوياتهما، استمرار نظام معادٍ، ايديولوجياً وأمنياً، يتحكم بممرات تجارة وطاقة حيوية من المحيط الهندي إلى باب المندب والبحر الأحمر، لم يعد مقبولًا استراتيجياً. في هذا السياق، فُهمت خطوات مثل الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال والذي لم يكن ليحصل من دون ضوء أخضر أميركي كجزء من إحكام الطوق الجيوسياسي حول إيران ضمن رؤية طويلة الأمد لاحتوائها.
قرار الضربة على إيران وأذرعها لم يعد افتراضاً نظرياً. في مارالاغو اتخذ القرار، وعملياً نحن في سباق مع لحظة السقوط أو الإسقاط. ديناميات التغيير باتت أسرع من قدرة أي طرف على كبحها؛ ما يحدث الآن ليس تمهيداً، بل بداية مسار لا رجوع عنه.
هذا التلاقي بين الانهيار الاقتصادي داخل إيران والغليان الشعبي غير المسبوق والضغط الدولي المتصاعد، يضع طهران أمام هامش ضيق من الخيارات. الاحتجاج لم يعد مطلباً معيشياً، بل تحدياً مباشراً لشرعية القيادة الدينية نفسها. النظام يدرك ذلك، كما تدركه العواصم المعنية التي تراقب لحظة الانكشاف الإيراني بكل ما تحمله من تداعيات إقليمية.
وفي هذا السياق تحديداً، لا يمكن فصل لبنان عمّا يجري. فاهتزاز المركز في طهران ينعكس تلقائياً على الأطراف. الدولة اللبنانية تعيش هشاشة غير مسبوقة، والعهد الرئاسي فشل في مقاربة الواقع، غارقاً في الإنكار والانفصال عن التحولات الكبرى. «حزب الله»، كامتداد عضوي للمشروع الإيراني، يجد نفسه أمام خيار عقائدي وجودي، لا سياسي، مشروع بُني على فائض قوة إقليمي يتآكل بسرعة. في المقابل، الطبقة السياسية اللبنانية تبدو كأنها على كوكب آخر، منشغلة بزوايا محلية ضيقة، وانتخابات مؤجلة، وفساد مزمن، فيما المنطقة من حولها تدخل طوراً زلزالياً يعيد رسم الخرائط من القرن الأفريقي إلى المحيط الهندي.
بين مارالاغو وشوارع طهران، لم يعد المشهد قابلًا للتأجيل أو التدوير. ما يجري في إيران هو شرارة مركزية، لكن السياق الإقليمي أوسع، الشرق الأوسط يعاد تشكيله الآن، نفوذ يُقتلع، أنظمة تُختبر حتى العظم خرائط دول تتغيّر، وكيانات تُعاد صياغتها بالقوة. من السودان إلى الصومال، ومن اليمن إلى سوريا والعراق، تتقدّم وقائع التفكك والتقسيم كمسار مفتوح، ولبنان ليس استثناءً بل جزء من هذه الموجة. مطلع عام 2026 لا يظهر كموعد تسويات، بل كنقطة تحوّل حادّة تُفرض فيها الجغرافيا الجديدة تحت ضغط الصراع والفوضى. ما كان يُدار في الظل صار على المكشوف، وما كان يُراهن عليه باسم الاستقرار سقط تحت وطأة التحوّل. من لا يقرأ لحظة الانفجار اليوم، لن يكون جزءاً من ما بعدها.
شارك هذا الخبر
مكتب بهاء الحريري ينفي الأخبار المتداولة عن إقفال مكاتبه
خلف: لا بد من التنبه إلى الأخطار المحيطة بنا على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية
البعريني: نفتح نوافذ الرجاء على وطن أرهقته العواصف
إليكم الطرقات المقطوعة بسبب تراكم الثلوج
سعد: بين برشلونة وقرطبة غابت بلدية صيدا عن أدوارها
إيلي الفرزلي:سيناريو تقسيمي للبنان والسلاح فقد وظيفته الإقليمية اللي عم يترحم ع عهد عون يترحم ع حالو
قائد الجيش يستقبل مدير عام قوى الأمن الداخلي
قبلان: لبنان في موت سريري وسنوات مصيرية مقبلة
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa