"بالقطارة والمورفين".. مجلس النواب يمنح الحقوق للنساء

28/06/2019 07:52AM

أعوام من المعاناة تحملها المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي على أكتافها، وساحات من النضال افترشتها لسنين طوال علّها تُعامل أسوة بباقي المواطنين، فتتمكن من تأمين مستقبل لأولادها الذين وُلدوا وتربوا على هذه الأرض وتعلموا في مدارسها وجامعاتها وتكلموا "لهجة" والدتهم.

إلا أن السلطة السياسية اللبنانية، تحاول جاهدة أن تستنزف قدرة تلك المرأة على الصبر الذي تتمسك به رغم كل الصعاب لتحصل على أبسط حق لها وهو أن تعطي أولادها الجنسية ليصبحوا مواطنين كوالدتهم، فينعمون بحياة كريمة من خلال استحصالهم على كامل الحقوق لاسيما لجهة العمل والطبابة. ذلك لان هذه السلطة لا يمكنها ان تتخذ قرارا او موقفا الا بما يتناسب ونزعتها الطائفية التي تبني أمجاد امبراطوريتها على دعائمها، فتحاول المراوحة من خلال تجزئة الحقوق على شكل "مورفين" لتمويه النتيجة وإضاعة الهدف الأساس.

بالأمس أقرّ مجلس النواب، في جلسته التشريعية، قانون إعفاء أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني والحائزين إفادات مجاملة من الاستحصال على إجازة عمل، هذا الإقتراح الذي  تقدم به النواب: علي درويش، نجيب ميقاتي ونقولا نحاس في 21/5/2019، على اعتبار أن هذا القانون يقرّ بإجراء من شأنه أن يسهلّ إلى حدٍ ما حياة أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي.

ولكن هل يطرح هذا القانون حلاً جذرياً لمعاناتهم؟ وهل يعدّ إنجازا للسلطة التشريعية يجب التهليل له؟

المبدأ العام يقول، أن على ممثلي الشعب الإعتراف بالمواطنة الكاملة للمرأة اللبنانية، من خلال تنزيه القوانين من المواد المجحفة بحقها، ومنها قانون الجنسية، والاعتراف بحق المرأة بنقل جنسيتها إلى أولادها إسوة بالرجل اللبناني، وذلك لتحقيق المساواة الكاملة بين جميع المواطنين عملاً بالمادة 7 من الدستور والتي تشير الى أن  "كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمعتون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم".

على ممثلي الشعب الإعتراف بالمواطنة الكاملة للمرأة اللبنانية


أما عمليا، فإن هذا القرار ليس سوى قوننة فعلية لقرارات وزارية سابقة تم العمل بها لسنين طوال، وقد بدأت في عهد الوزير زياد بارود حيث أُقر المرسوم رقم 4186 في مجلس الوزراء بتاريخ 31 أيار 2010، والذي يمنح إقامة المجاملة المجانية لأسرة المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني والتي تتجدد كل 3 سنوات، فيشمل الزوج والأولاد القاصرين والراشدين، وليس الأولاد فقط، والأهم أنه لا يشترط تقديمهم تعهداً لدى كاتب العدل بعدم مزاولة أي عمل في لبنان. 

هذا التعديل في المرسوم اعلاه والذي جاء بناء على اقتراح بارود، شمل الزوج، وأخرج الإقامة من شروط السن والعمل، بعد أن كانت إقامة المجاملة وفق مرسوم العام 2003 تشمل أولاد اللبنانية تحت سن 15 سنة. وتشملهم من سن 15 سنة وما فوق، في حال استمروا في الدراسة مع تعهد بعدم مزاولة أي عمل على الأراضي اللبنانية. 

واستكمالا لإجراء وزير الداخلية السابق زياد بارود، اتخذ شربل نحاس عندما كان وزيرا للعمل قرارا جديدا ينصف الأجانب المتزوجين بلبنانيين/ات أو المولودين من لبنانيين/ات، ويتضمن القرار تعديلات على المستندات المطلوبة من الأجانب المتأهلين من لبنانيين، أو المولودين من لبنانيين للحصول على تراخيص عمل، كما أن هذا الإجراء يعطي هؤلاء الأشخاص إذن عمل غير مقيّد بالمهن المحصورة باللبنانيين، ومسهلاً قدر الإمكان لناحية إجراءاته الإدارية.

وبالتالي فإن ما أقره مجلس النواب بالامس ليس سوى تصديقا لما اتخذه كل من الوزيرين السابقين بارود ونحاس، ولم يضيف أي حل على جوهر القضية. 

يقول محمد شاب من أب سوري وأم لبنانية، ولد وعاش وتخرج من الجامعة اللبنانية، "هذا القرار محاولة "ترقيع"، يضحكون به علينا"، متسائلا "ماذا يحاولون ان يفعلوا؟ وهل مشكلتنا نحن هي الإقامة وإجازة العمل؟"

يتابع محمد حديثه للـ "السياسة": " نحن نعامل وكأننا مواطنون درجة أخيرة، فان عملنا نُستغل ولا نأخذ حقوقنا كعمال فقط لأننا لسنا لبنانيين بنظرهم، عوضا عن أن الكثير من المهن غير مفتوحة أمامنا"، ويضيف "عندما اتعرض لوعكة صحية لا يمكنني الإستفادة من وزارة الصحة رغم وضعنا المعيشي الصعب".

يٌكمل محمد كلامه بالقول: "نحن لسنا لاجئين ولا نازحين، وما نريده ليس حسنة من أحد، بل نحن نقوم بواجباتنا تجاه الدولة اللبنانية لجهة الضرائب وكل ما يترتب علينا كالمواطن اللبناني دون زيادة أو نقصان، لكن في المقابل نعامل معاملة الغرباء، ونحن الذين ولدنا من رحم أم لبنانية على هذه الأرض وترعرعنا فيها".

نحن لسنا لاجئين ولا نازحين، وما نريده ليس حسنة من أحد


وفي هذا السياق، تعتبر الناشطة في مجال حقوق المرأة نادين جوني أن القانون الصادر عن مجلس النواب بالأمس ما هو الا محاولة لتجزئة مطالب المرأة اللبنانية بقانون كامل متكامل ينصفها ويمكّنها من اعطاء جنسيتها لأولادها اسوة بالرجل اللبناني، وبالتالي فإن هذا القانون المزعوم لا يقدم شيئا ولا يؤثر على مسار المطالبات النسائية، ولا حتى يؤثر على مسار المعاناة اليومية التي يعيشها أولاد هؤلاء النساء.

وتضيف جوني في حديثها للـ"السياسة" "من يراقب مسار تعاطي السلطة مع هذا الملف  يعرف أنها لا تريد الوصول الى قانون يعطي الحق للمرأة اللبنانية المتزوجة من اجنبي أن تعطي جنسيتها لأولادها وأكبر دليل على ذلك عدد القوانين الذي قُدّم حتى اليوم ولم يتم القبول بأي واحد منهم". معتبرة أن "القانون  الذي تعمل عليه السيدة كلودين عون، ويحاولون تمريره، قانون  منقوص يكرس التمييز بين النساء، وسيزيد من المشكلة أكثر، وإذا ما توافقوا يوما على قانون فلن يكون الا بما يتماشى ومصالح السلطة الطائفية". 

وتلفت الى أن "السلطة حاليا متفاجئة من ردة فعل الجمعيات النسائية والتي لم تكن على قدر آمالهم، حيث أنها لم تهلل لهذا القرار الذي اعتبره النواب انجازا، فالجمعيات تعمل منذ سنين للوصول الى إقرار قانون الجنسية هذا، وبالتالي فإن اجتزاء الحقوق بهذه الطريقة لن يوقف مسار نضالها". 

في المحصلة، يبدو أنه قد كتب على المرأة اللبنانية أن تنتظر، و"بالقطارة"، أبسط حقوقها المدنية التي تتيح لها لمّ شمل أسرتها في حال اختارت الزواج من غير لبناني، والإقامة في بلدها. 

ومن المؤسف أن يُحتفل اليوم بإقرار هكذا قانون يكشف السقف المتدني لتمتع المواطنة اللبنانية بحقوقها، فتجزئة الحق تفقده قيمته القانونية والانسانية ولا تأتي بمفاعيل جدية يمكنها ان تغير واقع الحال.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa