لماذا هذا التهجّم غير المسبوق على العهد؟

01/10/2019 10:30AM

أثبتت التجارب بعد إقرار دستور الطائف، أنّه يستحيل على أيّ رئيس للجمهورية بمفرده، تحقيق ما يطمح إليه من إنجازاتٍ ومشاريع إصلاحية، وذلك لثلاثة أسبابٍ رئيسة، هي:

- طبيعة الدستور الحالي الذي نقل معظم صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً.ِ

- جسامة التعقيدات السياسيّة والطائفيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة المتوارثة في لبنان.

- ارتباط مكوّنات الشعب اللبناني أيديولوجياً بالخارج، بشكلٍ أو بآخر، ما يجعل الساحة الداخلية أرضاً خصبةً للنزاعات الإقليميّة والدوليّة، وبالتالي ارتباط مصلحة لبنان قسراً بمصالح الآخرين.

من هنا، فإنّ مهاجمة العهد بهذا الشكل العنيف، وتحميله مسؤولية التردّي الاقتصادي والمالي، ينطويان على كثيرِ من الظلم والتزوير، والجهل في أحسن الأحوال، فالواقع الاقتصادي الصعب وظواهر الهدر والفساد وسوء إدارة الموارد الوطنية، هي من المعضلات المزمنة التي رافقت اتفاق الطائف منذ إقراره، وللتذكير فقط أشير إلى ما يلي : 

- عند تولّي فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سدّة الرئاسة، كان حجم الدين العام نحو 80 مليار دولار، وهذا الرقم الهائل في وطن محدود الموارد كلبنان، قد لامس الخطوط الحمر بإجماع الخبراء الاقتصاديين، وما هو إلاً نتيجة حتميّة للسياسات الاقتصادية والمالية العشوائية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990.

- لم يكن رئيس الجمهورية موجوداً في البلاد، بل كان في المنفى ، عندما تمّ رفع نسبة الفوائد في التسعينيات على الودائع الى 45%، وبقيت هذه النسبة مرتفعة لسنوات طويلة، بذريعة تثبيت سعر صرف الليرة، ما تسبب بمعظم الدين الذي يعانيه الوطن اليوم.

- ليس رئيس الجمهورية مسؤولا عن القيام بصفقات ومشاريع وتعهّدات مشبوهة، وإنشاء صناديق بالعشرات لنهب المال، وتوزيع الغنائم على النافذين والأزلام والمحاسيب.

- ليس رئيس الجمهورية مسؤولاً عن  وصول عدد موظفي الدولة مع المتقاعدين الى نحو ٤٠٠ ألف موظّف،  عدد كبير منهم دخل الوظيفة بطرق ملتوية، ما أدّى الى ضرب الانتاج الوطني في الصميم، وتحويل المجتمع إلى مجتمع ريعيّ استهلاكيّ، يدور في حلقة مفرغة. 

- ليس رئيس الجمهورية مسؤولاً عن إقرار سلاسل رتب ورواتب عشوائية وتوزيع درجات استثنائية على هذا القطاع أو ذاك، تحت ضغط التظاهر وتعطيل المؤسسات والمدارس والجامعات، أو كهدايا ورشى للموظفين  قبيل كلّ استحقاق انتخابي.

- ليس رئيس الجمهورية مسؤولاً عن سطو النافذين على الأملاك البحرية والنهرية، واستباحة الكثير من مشاعات الدولة في العديد من المناطق ، ولا عن سوء جباية الضرائب التي تغذي خزينة الدولة.

- ليس رئيس الجمهورية، مسؤولاً عن تجنيس نحو 600 ألف شخص في بلدِ يعاني أعلى كثافة سكانية في العالم، وبالكاد يتسع لنصف مواطنيه الأصليين، ولا هو مسؤول عن نزوح  مليوني سوري إلى لبنان، بلغت أعباء نزوحهم نحو ٣٠ مليار دولار لغاية الآن، فيما ولأسباب فئوية، لم يتخذ أيّ قرار بعودتهم الى وطنهم، وهم على مرمى حجرِ منه.

- ليس رئيس الجمهورية مسؤولاً لوحده عن مواصلة الاستدانة من الخارج بفوائد مرتفعة للغاية ١٥٪ كما حصل مؤخراً، فهذا الأمر هو أصلأ من مسؤولية الحكومة ومصرف لبنان، وحتى المجلس النيابي ورئيسه، فلماذا يتمّ التركيز على مسؤولية رئيس الجمهورية فقط؟

- رئيس الجمهورية وبحكم صلاحياته المحدودة، لا يستطيع بمفرده مكافحة الهدر والفساد في مؤسسات نخرها العفن حتى العظم، بل هو يحتاج الى تضافر جهود الجميع، وخصوصاً جهود رئيسي مجلس النواب والوزراء، لرفع الغطاء عن الفاسدين وعن المؤسسات والصناديق والهيئات التي أصبحت محميّات سياسيّة طائفيّة ومذهبيّة.

في الختام، أخشى ما أخشاه أن يكون إجماع أطرافٍ سياسية، متناقضة في العقيدة والتوجّه، على مهاجمة العهد بهذا الشكل غير المسبوق سيراً على مقولة " عنزة ولو طارت" ، يخفي في طياته رغبة بتفكيك النظام السياسي اللبناني، لكن وفق رؤية كلّ طرف ومشروعه الخاص، عندها نكون قد دخلنا فعلاً في دوّامة التصادم والفوضى والمجهول....

                                                                                


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa