استراحة "لثوّار الزوق وجلّ الديب".. فهل يعودون إلى الطرقات؟

02/11/2019 06:02PM

في السابع عشر من تشرين الأوّل قرّر اللبنانيون الانتفاض، على الفقر والبطالة والذلّ، على دولة أنهكت البلاد والعباد. فشارك الناس في انتفاضة شعبية عفوية عابرة للطوائف والمناطق والطبقات الاجتماعية والانتماءات السياسية والحزبية. انتفاضة امتدّت على مساحة الوطن، من جنوبه حتّى شماله. أظهرت وجع الناس، وهزّت عروش سياسيين لم يأبهوا يومًا لمصير الوطن.

هذه الثورة التي تخطّت الأسبوعين ولازالت مستمّرة حتّى الساعة في مناطق لبنانية عدّة، بُنيت أساساتها على شبابٍ آمن بالتغيير، وأصرّ على البقاء في الشوارع وقطع الطرقات حتّى تحقيق أهدافه. طالب بإسقاط الحكومة، فكان له ذلك. سقطت الحكومة، وبعد نقمة فئة من الناس التي اعترضت على تسكير الطرقات وامتعضت من هذه الاستراتيجية المتّبعة من قبل المحتجّين، فُتحت الطرقات، تحت شروط تشكيل حكومة وفق مدّة زمنية معيّنة. إلاّ أنّ الناس عادت إلى الشارع في مناطق محددة، أمّا في جلّ الديب والزوق، فالتزم المحتجّون بقرار فتح الطرقات، ولكن إلى متى؟ فهل ستبقى الطرقات مفتوحة أو إمكانية إقفالها لازالت واردة؟ وهل ستنزل الناس مجددا إلى هاتين المنطقتين وتعيد إحياء نبض الثورة الذي خفت حسّه في الأيام القليلة الماضية؟

أعداد كبيرة من الشباب، اتخذت قرار المكوث في الشارع وافتراش الأرض، حتّى تحقيق المطالب. في منطقة الزوق، التزم الشاب أنطوني بالبقاء في الشارع اربعة عشر يومًا، ويصّر أنطوني في حديثه لـ"السياسة" على أخذ كلامه على صعيد فرديّ، لأنّ هذه الانتفاضة حسب تعبيره، عفويّة وليست منظّمة بأي شكل من الأشكال. وقرارات تسكير الطرقات كانت تؤخذ كلّ يوم بيومه، وبالاتفاق بين المتظاهرين الموجودين على الأرض، من دون أي تنظيمٍ مسبق.

يفسّر انطوني أنّه "حين استقالت الحكومة، تمّ تحقيق الهدف الأوّل من أهداف الثورة، فقرّرت أنا والثوّار الذين أتوافق وإياهم بطريقة التفكير، الخروج من الشارع. وارتبط ذلك بتيقننا لصعوبة الوضع الاقتصادي، وبالناس التي توقف عملها بسبب تسكير الطرقات، خاصّة تلك الناس التي تقتات من تعب النهار، هذه الفئة بالتحديد، جعلتنا نتّخذ قرار الانسحاب من الشارع، خصوصا أنّ منطقة الزوق تمّ فيها تسكير أتوستراد حيوي جدًّا".

عن موضوع العودة إلى الشارع، وبعد مكوثه أربعة عشر يوما في الزوق، يلفت أنطوني إلى أنّ الثوّار اختلفوا على نقاط كثيرة، وحتّى على مطالب كثيرة، ومنهم من لم يؤمن بجميع المطالب التي تتمّ المطالبة بها، خصوصا وأنّ الحراك كان عفويا وغير منظّم، ولكن الذي جمع الناس كلّهم تحت مطلب موحّد هو الوضع الاقتصادي المذري، وهو سيكون كفيلاً بإنزال الناس إلى الطرقات مرّة جديدة، إذا لم تأخذ السلطة هذه الانتفاضة على محمل الجدّ وإذا لم تتخذ اجراءات جديّة تخفّف الحِمل عن كاهل المواطن.

والمرّة المقبلة حسب حديث أنطوني وبعد تجربته، ستكون أعداد الناس أكبر، خاصة بعد ما نشهده اليوم من احتكار التجّار للسوق، ورفع أسعار مواد كثيرة، في ظلّ غياب السلطة التي من شأنها محاسبتهم وردعهم عن القيام بذلك 

رفض أنطوني استباق الأمور، وراهن في حديثه على ذكاء المعنيين في حلّ الأمور، ويقول: "أو أن تعمل السلطة بغباء وتشكّل حكومة سياسية فتعيد الناس إلى الشارع وبزخم، أو تذهب إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، وحينها يكون لكلّ حادث حديث، وبعد أسبوعين، إذا رأينا أنّ الأمور لم تمشِ حسب إرادة الشعب، سننزل مجدّدًا إلى الشارع وسنقفل الطرقات، من دون الالتفات لا إلى الاقتصاد ولا إلى أي شيء آخر".

بعد الزوق، كان لجلّ الديب حصّة مميّزة من هذا الحراك، اذ تركت بصمتها، بسبب الحشود الكثيفة التي تجمّعت في طرقاتها. ستيف، شاب لبناني لم ينزل إلى الشارع من قبل، لأنّ كل التحركات السابقة كانت تحمل خلفية سياسية، حسب حديثه. اما بعد مشاركته في هذه الانتفاضة البعيدة عن الأهداف السياسية، كبُر ايمانه في قدرة الشعب على تحقيق التغيير.

ستيف الذي أمضى كلّ وقته على اتوستراد جل الديب طوال فترة التظاهرات يقول في حديثه لـ"السياسة"، أنّ بالنسبة له، "الانجاز الأكبر في بداية الثورة كمُن في فكرة تخطي المواطن اللبناني حاجز الخوف و التردد وفقدان الأمل من امكانية التغيير. فكانت المرّة الأولى التي يجتمع فيها ابن بيروت وطرابلس والنبطية وغيرها من المناطق، تحت راية واحدة، ويجمعهم وجع واحد. فتوحّدت السلطة السياسية بالفساد ونحن بمختلف أطيافنا توحّدنا ضدّها".

ويوضّح: "بعد استقالة الحكومة انسحبنا من الشارع في منطقة جل ديب لإفساح المجال أمام المواطنين للتنقّل بحرية، خصوصا تلك الفئة التي اعترضت على سياسة اقفال الطرقات. إضافة إلى ذلك، تقرّر إعطاء السلطة مهلة زمنية لتتوضح الصورة السياسية، ولمتابعة مجريات الأمور.

ولكن ستيف يؤكّد أنّه على الرغم من فتح الطريق في جلّ الديب إلاّ أنّ الحراك لم ينتهِ كليا، فلا زالت مجموعات من الشباب تنفّذ حلقات حوارية كل مساء لفهم اللعبة السياسية، وسط تجمع كبير من الأشخاص لضمان استمرارية الحراك. ونظرًا لعدم وجود قيادة موحدة للحراك، فليس هناك قرارا بإعادة تسكير الطريق بتاريخ معين، إنمّا الذي يمكن تأكيده هو أنّ الطابة الآن هي في ملعب الطبقة السياسية والشارع ينتظر اتضاح شكل الحكومة المقبلة، والأسبوع المقبل سيكون حاسما، والأكيد الآن هو انّه في حال تشكلت حكومة لا ترضي تطلعات الثوّار، أو في حال مماطلة السلطة باتخاذ القرارات، فحتمًا سيعودون إلى الشارع من جديد، قريبا.



المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa