"احزاب القهر والفساد".. متى يرحلون؟

29/11/2019 09:14PM

كتب يحيى شمص في السياسة:

توفي والده منذ سنين عابرة، اصيب بأحباط شديد، سئم الحراسة. قبل رحيله اوصاه اكمال الطريق، ابتسم ابنه حتى لا يضحك امامه، لا ادري لماذا. اختفت الملائكة غاضبة، لم يسمع الوالد هتاف الطيبين ولا انين الخائفين، ربما الحراسة كابدها ضباب كثيف ملبد، اي رؤية تحمي ابنه ووطنه من "مفترسي" الاوطان الذين يعيشون هنا بقدرة ربانية غريبة، افكار متبعثرة خاطئة، تراكمت اعواما، ولم تفارقه! . 

آلهتي، من انا، يدقق ابنه بنفسه منذ اندلاع ثورة 17 تشرين حتى يحدد ماذا يريد، ينهض بكامل طيشه البشري ليجمع قواه الفكرية، لم يعد يحتمل، لا بد من حل لهذا اللغز، من انا وحدي، هل من احد معي، يسأل نفسه، اين من يعزفون على ضفاف النهر حتى نعبر الجسر، انهضوا كفى نوما، كل شيء باق، تلك بقايا لا يعول عليها، انه الجماد الفكري، كل شيء باطل عندهم، او الى زوال، لن نرحل ونترك ما بدأناه، يقصد بكلامه الاحزاب الحاكمة.

بدء انتفاضة تشرين لم يتوقعها احد، السنوات الماضية لم تكن مدعاة تفاؤل يبشر بخير آت، انهكت سياسات الحكومات المتعاقبة منذ اغتيال الحريري عام 2005 الاقتصاد، المنهك اساسا بسبب الحرب الاهلية والاعتداءات الاسرائيلية، تطرح هنا تساؤلات كثيرة عن السبب والمسببين، وعن الضحايا والمجرمين، لا تقلقوا يا سادة انهم كثيرون، يتقاربون علينا، يتخاصمون فينا، التابعون الاغبياء ما اكثرهم، بمضامين واشكال متعددة، الامثال لا تحصى وتنتهي، انهم "الدجالون" المنتشرون في الشوارع والازقة، لسنا بحاجة لكشف هوياتهم، هوياتهم الحزبية قبل الشخصية هي المؤشر الاول عن ملهمهم الروحي والفكري.

اصاب الضجر القلب والروح من شدة فوضى الافكار والجهل المقصود من صقور النهار وخفافيش الليل في كثير من يوميات الثورة. منذ ايام قال لي شخص عابر، هل ما زلت تشارك بالثورة؟، ليس هذا فقط، استتبع سؤاله قائلا "خلصت الثورة.. ايا ثورة.. كانت ثورة"، للاسف انه محاصر باديولوجية "التعتير"، هذه الاديولوجية متلازمة لديه ولدى الاف اللبنانيين، انه الخوف من التغيير، وخوف من المصير. لا يجب ان تخافوا ابدا. دائما يقولون من يحمي الطائفة، هذا ما يراودهم، هل قال لهم احد ان الدستور والطائف يحمي الطوائف في المناصب كافة، بالتأكيد هذا ليس واردا في برامج "التثقيف" الحزبي، من يظن ان هذه الاحزاب ستفتح كوة امل فكري تهدد كيانها المهترء فهو من اشد الجاهلين لحقيقة واقعها المتأطر باديولوجية الخوف من الوعي وبتفكير النخب في مستقبل اشرق جزئيا في بلاد يدكها الظلام، سموا لي حزبا واحدا في لبنان ليس فاسدا، عبقري مذهل من رفع شعار "كلن يعني كلن"!.

اعادت ثورة 17 تشرين التموضع بين معسكري 8 و 14 اذار من جديد، لا تستبعدوا ذلك في بلد التناقضات والحصون الطائفية، لوازم البقاء في السلطة واغلاق منافذ امل الثورة يستوجب ادوات حرب جديدة، فرضتها التطورات السياسية الاخيرة، من يرصد جيدا مواقف وخطوات الرئيس سعد الحريري منذ تقديم استقالته يلاحظ "شدة ذكاءه" ومدى تمسكه برئاسة الحكومة المقبلة، يلوم الاخرين، يلقي اخفاقات حكومته على الجميع، هو كباقي "الاحبة" ملاك طائر، حين استقال ادمع عيون المتعاطفين الى حد البكاء، ماذا يريد الان، انها الفرصة الاخيرة حتى يعيد تجديد رؤياه السياسية اثر اخفاقاته المتلاحقة، لن يقدر احد من الاسماء المطروحة لخلافته على حمل كرة النار المثقلة بخلافات السياسة وازمات الاقتصاد، من يقدر على ادارة الحكومة المقبلة وتحمل فشل يبدو مرجحا جدا في ظل التركيبة الحالية وتعشعش الفساد في الادارات والنفوس، الحريري يتدلع وكأن البلاد في احسن الاحوال، والاحزاب الاخرى تناور وتتفاوض وسط قطع اوصال الوطن، ولكن بين هذه "العصابة" الحاكمة من جهة وقدرة الحراك على الاستمرار بتسجيل نجاحات وطنية لصالح البلاد من جهة اخرى، اين هو "الحراك " الغربي ؟

ارتباطات لبنان الخارجية متعددة، يتصدر سيدر اولى اصلاحات محتملة، كانت باريس تفتش عن اصلاحات تقرها الحكومة اللبنانية لكن هذه الاخيرة تعمقت كذبا وغرقت فشلا، وزادت من هوة ثقة المجتمع الدولي بلبنان. بين باريس وواشنطن ولندن تدور الاتصالات الان، هذه العواصم ومن ورائها واشنطن لا زالت تجمع على حماية لبنان من اي انهيار امني وفوضى، لو ارادت خرابا اكبر لحصل، والتاريخ اللبناني يشهد على لعبة الامم.

 واشنطن لن تسمح بتمدد ايراني اكبر، البيت الابيض بات ملما بقدرات طهران التوسعية، تجارب الحشد الشعبي في العراق وحركة الحوثي في صنعاء ماثلة لا تغيب، لا يريدون تكرار ما يحصل هناك في بيروت، يراقبون التغلغل الايراني في الكيان اللبناني بحذر، لحزب الله وحلفاءه تمثيل لا يمكن تجاوزه، لعل مصالح باريس الاقتصادية النفطية اولى بوادر الاندفاعة تجاه محاولات حل الازمة، قد ينتج عن هذا الحراك توافق على اعادة الحريري رئيسا لحكومة يشارك فيها حزب الله وباقي الافرقاء، لان المعادلات الداخلية والاقليمية غير جاهزة لكسر اي فريق على حساب  اخر، وفي حال وصول الاتصالات الى هذا  الحل المؤقت، يعاد السؤال هنا عن مدى فعالية الثورة في خلق ديناميكية جديدة نحو لبنان جديد، عنوانه الدولة المدنية العادلة!


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa