الاستشارات الحكومية... "إلى الوراء درّ"

10/12/2019 06:57AM

أصاب الشلل التام المشهد السياسي وتحدثت أوساط سياسية بارزة ومعنية بالاتصالات والمشاورات المتعلقة بالمأزق الحكومي لـ"النهار" عن عودة الانسداد السياسي الى ما كان عليه غداة استقالة الحكومة وربما أكثر خطورة لان مرور مزيد من حرق الوقت يرتب على البلاد مزيداً من التداعيات المالية والاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً لجهة تفاقم غير مسبوق لاقفال مؤسسات التجارة والسياحة والانتاج في القطاع الخاص، الامر الذي ينذر بكارثة في نهاية السنة الجارية. 

وأخطر ما في المشهد بحسب "اللواء" ان لا اتصال ولا لقاءات بين الرؤساء، لا سيما رئيسي الجمهورية والحكومة، اللذين يتسابقان على إدارة ملف لبنان في مؤتمر مجموعة الدعم الدولية في باريس غداً، في وقت، بدت الطبقة السياسية ممعنة في الإفلاس، في أسبوع التأجيل الأوّل، وبعد مرور ستة أسابيع على استقالة الرئيس الحريري، وعشية مؤتمر باريس، وكأن لا حاجة ملحة لمعالجة المشكلة، التي تُهدّد بالمضي في البلد إلى الانهيار الكبير.

وقالت الاوساط لـ"النهار" ان ما يثير المخاوف هو ان يترسخ القصور السياسي عن ايجاد مخرج يخترق جدار التعقيدات التي تتكرر مع كل "هبة" لتكليف شخصية تأليف الحكومة بما بات يعكس معطيات تتجاوز الابعاد الداخلية للازمة الى الخارج الاقليمي والدولي وهو أمر ليس لمصلحة البلاد اطلاقاً ويهدد بربط الازمة باستحقاقات وصراعات اقليمية.

وسط هذه الأجواء، قال مصدر رفيع مطلع على موقف حزب الله وحركة أمل المتحالفة معها لـ"اللواء" إنه يجب الآن تسمية سعد الحريري رئيساً للوزراء، مضيفا ان ذلك سيعزز شرعية حكومة تصريف الأعمال التي يقودها الحريري إذا تأجل تشكيل الحكومة الجديدة.

وقال: "من غير المفروض ان تتأخر عملية التأليف، وإذا تأخرت يكون في شرعية أكبر لحكومة تصريف الاعمال. "

ومن هنا سألت الاوساط عبر "النهار" عما اذا كانت التزكية الواسعة لرئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري داخل طائفته ستستتبع محاولات متقدمة للتوصل الى تسوية عاجلة بينه وبين العهد و"التيار الوطني الحر" والثنائي الشيعي على حكومة تطلق فيها يده الى حد بعيد في التأليف أم يعود الامر ليصطدم بالشروط التي وضعها التيار والثنائي ولم يقبل بها الحريري؟ وفي رأي الاوساط ان هذا الامر لن يتبلور بسهولة في الايام القريبة وربما تأخرت بلورة أي مخرج ممكن للازمة الى ما بعد عيد الميلاد اذا ظلت الامور على حالها ولم تسجل مفاجآت على صعيد تقديم تنازلات سياسية متبادلة وجذرية لاثبات صدقية الافرقاء في تسهيل تأليف حكومة باتت مطلب العالم الخارجي لتقديم الدعم والاسناد السريع منعاً لانزلاق البلاد نحو الاسوأ.

وقالت مصادر سياسية مواكبة للتطورات الأخيرة إن جولة المشاورات الجديدة ستكون حاسمة هذه المرة، وهو ما دفع رئاسة الجمهورية لمنحها وقتاً حتى الاثنين المقبل، وهو موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة.

وأوضحت المصادر لـ"الشرق الأوسط" أن الحريري "منفتح على التشاور"، مشددة على أن "موقفه معروف، وهو لا يزال مصراً على تشكيل حكومة إنقاذية من الاختصاصيين في حال جرت تسميته لرئاسة الحكومة". ولفتت إلى أنه سيتواصل خلال هذا الأسبوع مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الذي لم يلتقه منذ الأسبوع الماضي.

وأشارت إلى أن "الحريري هو الأوفر حظاً لترؤس الحكومة بعد التطورات الأخيرة، ومن ضمنها انسحاب مرشحين اثنين، واحتراق أسماء أخرى قبل تبني ترشيحها فعلياً". وترتفع تلك الحظوظ بفعل عوامل عدة، بينها بيان المهندس سمير الخطيب من «دار الفتوى» الذي أشار إلى إجماع سُنّي على الحريري، فضلاً عن اجتماع باريس المزمع عقده الخميس المقبل، "مع أن الاجتماع تنسيقي، ولا نتائج فورية له لحل الأزمة الاقتصادية، لكنه يعطيه دفعاً قوياً في مؤشر على الثقة الدولية بالحريري وبعلاقاته التي يمكن استثمارها لإنقاذ الوضع الاقتصادي من التأزم".

وفيما يرتقب صدور مواقف سياسية مهمة اليوم من الوضع الحكومي، في ضوء تأجيل الاستشارات النيابية اسبوعاً، بعدما أعلنت القيادات السنيّة الأساسية، ان لا مرشّح لترؤس الحكومة الجديدة سوى الرئيس سعد الحريري، معطوفة على موقف المرشح المنسحب المهندس سمير الخطيب بتزكية الحريري، فإن الثابت ان الكرة عادت إلى ملعب رئيسي الجمهورية والحكومة المستقيل ميشال عون والحريري.

وإذا كانت مشاورات التكليف والتأليف عادت إلى النقطة صفر، فإن الاتصالات التي باشرتها القوى السياسية، منذ لحظة إعلان الخطيب اعتذاره عن اكمال المهمة، بقيت على نار هادئة، وان كانت تركزت على معرفة اتجاهات الكتل النيابية من مسألة تكليف الحريري، ومن ثم البحث في عناوين شكل الحكومة وتأليفها، وما إذا كانت هناك أسماء أخرى مرشحة أم لا؟

وتشير المصادر النيابية لـ"اللواء" الى احتمال دخول معادلات جديدة على المسألة الحكومية، ستحدد معالمها المشاورات السياسية القائمة بين المعنيين، ولا يمكن التكهن منذ الان بمسارها ولا بنتائجها. لكن ما يُطمئن ان تأجيل الاستشارات النيابية جاء بحسب المعلومات بعد اتصالات اجراها عون بالحريري، ما يعني موافقة الاخير على اعطاء فسحة جديدة من الاتصالات لحسم المواقف وللتوافق على الموضوع الحكومي، بعدما رست البورصة على تكليف الحريري.   

أوضحت مصادر قيادية في قوى 8 آذار لـ"نداء الوطن" أنّ عملية التكليف باتت أمام معطى "قديم جديد" ينتظر ما سيقرره رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، معربةً عن قناعتها بأنّ "الحريري سيكون هو على الأغلب من سيُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة وهذا ما كنا نطالب به جهاراً نهاراً منذ لحظة استقالته". وكشفت في هذا السياق عن "اتجاه جدّي نحو تثبيت موعد الاستشارات النيابية الملزمة في موعدها المقرر الاثنين المقبل على أن تفضي بنتيجتها إلى إعادة تكليف الرئيس الحريري بعد حصوله على تسهيلات وضمانات متقدمة تريحه في تأليف حكومة تكنو – سياسية مع تخفيض مستوى التمثيل السياسي فيها". ورداً على سؤال، أجابت: "نعم الحريري سيقبل بحكومة تكنو - سياسية إذا لم يكن مستوى التمثيل السياسي مستفزاً فيها".

وإذ يبدو انطلاقاً من مصادرها، أنّ قوى 8 آذار بصدد التجاوب أكثر فأكثر مع طروحات الحريري والمضي قدماً باستبعاد الأسماء السياسية المستفزة، كشفت مصادر واسعة الاطلاع على كواليس المشاورات الجارية أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون الممتعض أساساً من أداء رئيس حكومة تصريف الأعمال بات أيضاً مستاءً من تماهي "حزب الله" مع الحريري وشروطه، موضحةً لـ"نداء الوطن" أنّ هذا الاستياء الرئاسي مرده بشكل أساس إلى ما تناهى إلى أسماع دوائر قصر بعبدا عن اتجاه لدى الحزب "بمعية الرئيس نبيه بري" لإبداء ليونة أكبر إزاء المتطلبات التي يراها الحريري ضرورية لتولي المهمة الحكومية تمهيداً لتعبيد الطريق أمام تكليفه الاثنين المقبل. غير أنّ المصادر لم تخفِ في المقابل توجسها من إمكانية إبداء "التيار الوطني الحر" بشخص رئيسه تصلباً أكبر في المواقف بشكل يدفع رئيس الجمهورية إلى "فرملة" اندفاعة الثنائي الشيعي نحو ترجمة التسهيلات اللازمة لتكليف الحريري

وسط هذه الأجواء، لا تزال الشروط تكبل عملية التكليف والتأليف، خصوصاً لناحية ايجاد مخرج لمسألة مشاركة الوزير جبران باسيل في الحكومة، في ظل إصرار الحريري على استبعاده. باسيل من جهته، وبحسب "الأخبار" كان وافق على الخروج شرط خروج الحريري معه. أي أمر آخر ما زال مرفوضاً حتى اليوم. في الأساس، سبق أن طرح الوزير غطاس خوري على رئيس الجمهورية تشكيلة حكومية يترأسها الحريري ولا تضم باسيل. لكن لم يتأخر عون في رفضها، وإعادة فرض قاعدة إما الحريري وباسيل خارج الحكومة معاً وإما داخلها معاً. يُنقل عن عون أنه هدّد بعدم ترؤس اجتماعات مجلس الوزراء إذا وصل الحريري إلى رئاسة الحكومة. وهذا يعني أن المشكلة بين الطرفين طويلة الأمد. لكن في المقابل، يتردد أن عون حاسم في رفضه التام لتأجيل الاستشارات مرة جديدة. في الأساس، هو كان يريد تأجيلها حتى الخميس فقط وليس الإثنين.

وهذا يعني أن لا خيار أمام الأخير سوى السعي إلى الوصول لتفاهمات قبل الإثنين المقبل. أي أمر آخر، سيعني وصوله إلى رئاسة الحكومة، مجرداً من دعم الأكثرية. العونيون، على الأرجح سينتقلون إلى المعارضة، ورئيس الجمهورية لن يسهّل له عمله. صحيح أنه يصعب الحصول على إجابة بشأن موقف ثنائي حركة أمل وحزب الله من الحكومة في حال خروج العونيين منها، لكن حتى مع افتراض مشاركتهم في الحكومة، فإنهما لن يكونا إلى جانب الحريري.

حجة الحريري في الإصرار على رفض إعادة توزير باسيل، هي الإشارة إلى رفضه توزير أسماء مستفزة للناس المنتفضين منذ 17 تشرين الأول. يضع جبران باسيل على رأس اللائحة، ثم يضم إليها علي حسن خليل وآخرين.

كل ذلك يشير إلى أن تسمية الخطيب كانت فرصة جدية للخروج من النفق الحالي. وهذا يقود إلى السؤال التالي: هل الحريري حصراً هو من أطاح الخطيب؟ ماذا عن دور باسيل؟ هل صحيح أنه أبلغ حلفاءه يوم الجمعة أنه لن يسير بالخطيب رئيساً للحكومة؟ مصادر متابعة تؤكد ذلك، وتشير إلى أنه قرن موقفه هذا بالتهديد بعدم المشاركة في المشاورات. ولأن ذلك يعني تلقائياً أنه لن يُشارك أكثر من 40 نائباً في الاستشارات، لم يجد الخطيب أفضل من دار الفتوى ليلجأ إليها معلناً انسحابه.

لكن لماذا تراجع باسيل؟ ثمة من يعتبر أن الأخير حسبها جيداً ووجد أن خروجه من الحكومة لن تكون له سوى انعكاسات سلبية على مستقبله السياسي. وبالرغم من أن الاتفاق يقضي بأن لا تستمر الحكومة لأكثر من تسعة أشهر، إلا أنه في المقابل لا أحد يضمن ألا تبقى حتى نهاية العهد، بما يعنيه ذلك من قضاء على حظوظ باسيل الرئاسية، وربما مستقبله السياسي، فكان أن أعاد الأمور إلى النقطة الصفر. وقد تلقّف الحريري ذلك، خاصة أنه وافق على الخطيب على مضض. ثمة من يشير إلى أن زيارة الخطيب إلى دار الفتوى بعد ظهر الأحد، بالرغم من أن أمر انسحابه كان حسم باكراً، إنما هدفت إلى إرباك رئاسة الجمهورية في مسألة الاستشارات.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa