بالتفاصيل.. كيف نُصب فخ اغتيال سليماني؟

04/01/2020 05:38PM

في المنطق السياسي، كلّ الاشارات كانت واضحة كالشمس، بأن المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا والمنعقدة في سلطنة عمان تأتي ثمارها و لعل الزيارات المعلنة و غير المعلنة، فضلاً عن الوفود التي باتت شبه مقيمة في العاصمة العمانية مسقط ، خير دليل على حصولها فضلاً عن تحقق الاشارات الاولى لهذه المفاوضات من خلال اغلاق الملف اللبناني على قاعدة لا غالب و لا مغلوب.

أما في المنطق العسكري، فقبل أسبوع من الحدث، أي عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، لم تحصل أي إشارات عسكرية أميركية تشير بأي تغيير في استراتيجية التفاوض و أدواتها، لا بل على العكس فان المنطق العسكري يقول بأن القوات الاميركية مكشوفة تماماً أمام قوة النيران الايرانية. اذ انه بالحد الادنى لا تمتلك الولايات المتحدة المخزون الكافي من الصواريخ الاعتراضية في حال قررت طهران إمطار إحدى القواعد الاميركية بآلاف الصواريخ دفعة واحدة.

من الواضح جداً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تورط في أمر لا يريده، لكن كيف حصل هذا ؟ ما الذي تبدل ؟ وكيف نُصب فخ اغتيال سليماني؟

منذ مدة استطاع النواب الديمقراطيون تمرير قانون عزل ترامب و رفعوه الى مجلس الشيوخ حيث القرار النهائي هناك، وحيث من المفترض أن ترامب يمتلك أغلبية و لو كانت طفيفة ( أغلبية أربع أعضاء فقط )  فهي كافية لإسقاط قرار عزله، مما يعزز حظوظه في الإنتخابات القادمة فضلاً عن استشعار الديمقراطيين بأنهم محاصرون بالملف النووي الايراني، فهم من ناحية يبنون حملتهم الانتخابية على حتمية العودة للاتفاق و بين أن ينجح ترامب نفسه بالعودة إلى الإتفاق بناء على مفاوضات عمان و الذي إن حصل هذا الإتفاق ستكون حظوظ ترامب الانتخابية شبه محسومة.

عند هذه النقطة يجب التوقف عند المصلحة الايرانية في مقاربة الأمور، فيما يعتقد الديمقراطيون في واشنطن أن ايران قد تمنح ترامب اتفاقاً معدلاً بجزئيات شكلية. 

بالنسبة لإيران، كائن من كان الذي يقطن في البيت الابيض، و مهما تكن هويته الحزبية فالامر سيان لأنهما عدو في الشكل و المضمون، بالتالي بقاء ترامب أو رحيله لا يعني طهران بقدر ما يعنيها تحقيق مصالح شعبها القومية وشعوب المنطقة، وعلى هذه القاعدة ترى طهران أن منح ترامب اتفاقاً معدلاً هو الأفضل لها.

في الوقت الحالي واشنطن حكماً و بأمر رئاسي هي خارج الاتفاق النووي، و في حال وقّعت طهران على اتفاق جديد سيدخل حيز التنفيذ فوراً و ستتوقف كل العقوبات عليها مباشرة وإن كان الأمر سيكون بمثابة هدية انتخابية لترامب لأن طهران تعي تماماً أن الديمقراطيين و إن كانوا بالعلن مع العودة للاتفاق النووي لكنهم سيعودون أيضاً من بوابة اتفاق جديد. هذا الاتفاق سيراوغ الديمقراطيين في توقيعه حتى الربع الساعة الاخير من الولاية القادمة كي يضمنوا ولاية جديدة. و بهذه الطريقة يكون الديمقراطيون قد حافظوا على وعدهم بالعودة للاتفاق كما حصلوا على رضى "اللوبي الصهيوني" في ترك ايران ترزح تحت وطأة العقوبات لأربع سنوات قادمة و هذا ما لا تطيقه طهران.

بناءً على ما تقدّم و بسبب تسارع الايجابيات في مفاوضات عمان لجأ الديمقراطيون سريعاً للمؤسسة التي يملكون فيها اليد الطولى و هي وكالة الإستخبارات الأميركية "سي اي اي"، و التي كانت منذ أشهر فقط قد زودتهم بالتسجيل الهاتفي بين ترامب و الرئيس الاوكراني، فضلاً عن استفادة الديمقراطيين و بشكل ممتاز للشرخ الحاصل في إدارة ترامب و خاصة تضارب المصالح الواقع بين منهجية ما يريد الحصول عليه دون قتال و بين ما يريده صهره جاريد كوشنير و من خلفه نتنياهو.

فجاريد كوشنير الذي فشل في تسويق خطة القرن في صيغتها المعروفة سابقاً، بدأ بالعمل على الخطة "ب" و هي إشغال "محور المقاومة" بالاضطرابات الداخلية من ايران إلى العراق و لبنان. فهو يعتقد أن هذه الاضطرابات ستفكك قدرة القيادة و السيطرة للمحور الذي بفضل تماسكه استطاع كسر الصيغة الأولى. و ستكون المقاومة في لبنان و الحشد الشعبي في العراق فضلاً عن الجمهورية الايرانية نفسها مشغولة في الصراعات الداخلية مما سيسهّل مهمة كوشنير الذي بات يحتاج الى الوقت لشريكه نتنياهو المترنح في "اسرائيل" و الذي سيفشل في تحصين نفسه فما هو الحل بالنسبة لهما ؟ 

الحل يكمن في أن يدخل نتنياهو في مواجهة عسكرية شرط أن لا يكون هو البادئ فيها مما سيؤجل الانتخابات الإسرائيلية الثالثة و يضمن فوزه بعد انتهاء المواجهة التي يظنّ أنه سينتصر بها. ويتم ذلك من خلال استدراج الولايات المتحدة نفسها للمعركة عبر اغتيال هدف بحجم قاسم سليماني مما سيترتب عليه رداً ايرانياً يوجب الرد لتشتعل كرة النار في الإقليم.


 كيف وقع ترامب في فخ الاغتيال ؟ 

نعم، ترامب هو من أمر بالعملية التي كانت تستهدف أبا مهدي المهندس فقط !! و كانت حسابات ترامب من وراء هذا الاغتيال هي انتخابية محض إذ إن تقريراً أعدّته "سي ان ان" عن إمكانية أن يصوت سبعة من السيناتورز الجمهوريين لصالح عزل ترامب ممّا يعني عزله حكماً لا بل محاكمته أيضاً.

فمن ضمن السيناتورز من يطمحون بالوصول إلى البيت الأبيض وإذا ما ساهموا بعزل ترامب فهم فضلاً عن حفاظهم بالأصوات الجمهورية سيحصلون أيضاً على كفة وازنة من حصة الديمقراطيين لسببين :

الأول مساهمتهم في عزل ترامب و اعتمادهم لصيغة العودة الى الاتفاق النووي، والثاني هو رصد إطار "إرهابي" للحشد الشعبي في العراق و هو النقطة الوحيدة التي يُحارب من خلالها ترامب داخل حزبه.

بناءً على هذا التوجه استبق ترامب الحدث و دخل في مواجهة مع الحشد من خلال استهداف كتائب الحزب على الحدود و راح ينتظر رداً عسكرياً لم يأتِ بفضل عقلية و حنكة المهندس. و هنا تدخلت الاستخبارات الاميركية لتضع أمام ترامب حتمية الموافقة على اغتيال المهندس بوصفه العقل الايراني في بغداد وأنه هو من يُسقط المخططات الاميركية هناك.

وافق ترامب على قتل المهندس خاصة بعد حادثة السفارة، لكن الإستخبارات الأميركية كانت تريد شيئاً آخر، فهي التي كانت و بكل بساطة تستطيع قتل المهندس عند دخوله للمطار و ليس عند خروجه ففي لحظة الدخول كان وحيداً لكنه عند الخروج كان بصحبة ضيفه الهدف الأساس قاسم سليماني و تسجيل الرصد بالفيديو يثبت تماماً أن الشهيد المهندس دخل وحيداً أمام أعين الطائرات الاميركية التي كانت تستطيع قتله بكل بساطة بدلاً من المخاطرة في إضاعة الهدف.

بالعودة الى الحدث و بعد حصول عملية الإغتيال لم يستطع ترامب الظهور بمظهر الأحمق، و يقول أنه لم يكن يعلم بوجود قاسم سليماني بل ادّعى أن الأمر كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل لكنه في الوقت عينه أرسل موفدين عربي و آخر أجنبي إلى طهران ليؤكد أن سليماني لم يكن المقصود وأنه منفتح على أي طلب ايراني فيما يختص برفع العقوبات أو حتى في استيعاب رد فعل محدود النتائج و هذا ما لم و لن تعطيه اياه ايران.

بالمقابل، فإن الرد على اغتيال الجنرال سليماني و رفاقه قادم حتماً، و هو سيكون بالكيفية التي تراها طهران مناسبة، وسيضطر الاميركيون الى استيعاب الصدمة و لن ينجروا الى التصعيد.

أما عن النتائج السياسية للحدث، فإن نظرية تحويل التهديد إلى فرصة هي احتراف يجيده الايرانيون ببراعة، و حتماً سيتمكن " المحور" من الإستفادة بأقصى ما يمكن من الحدث. و لن يكون هذا بأقل من خروج القوات الاميركية من قاعدتي عين الاسد العراقية و التنف السورية فضلاً عن موضوع العقوبات و باقي الملفات ذات الصلة.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa