واشنطن وطهران.. وتدمير الاقليم !

07/01/2020 12:44PM

كتب يحيى شمص في السياسة:

الملح من اثر الدموع لا يعادل وجع قلوب امهات وزوجات الجنود والمقاومين الفيتناميين، بكوا كثيرا، آه كم بكوا، قصصهم رافقت الامهم الابدية، اثقلت الدماء ارواحهم، لا يزال شهر نيسان عام 1975 يدق تاريخ فيتنام، 20 عاما من مقاومة اكبر امبراطورية في تاريخ البشرية اشتعلت خلالها جبهات وقاتلت سلسلة منظمات في كفاح تحرري اودى بمئات الاف الشهداء، هم تحدوا الاحتلال الامريكي ومحاولات التقسيم بين الشمال والجنوب، الكل توحد في تلك البلاد وفي النهاية انتصروا.

اما هنا في منطقتنا، وبينما تسير الهياكل حية، تبتسم الارواح مختلسة النظر من منافذ القبور منتظرة بعضا منهم ليحتفلوا سوية في ليالي الرعب الموحشة، وهنا ايضا حكايات "جميلة"، فصائل مجابهة للاعداء كثيرة والخلاف على هيئة الملائكة اكثر، خيانات لا ترحم، وغدر لا يتبدد، ليس هذا فقط، ما يزيد "المتحف" جمالا ان يكون الوحي ممزوجا بسهام من خارج البلاد، عابر للحدود الجغرافية لاسباب كثيرة منها "اديولوجية طارئة" واخرى "سياسية مخادعة" ترتبط بتقسيمات المنطقة بين "قوى الخير" المتسللة، لعل الصراع الاقليمي والدولي الحالي حيال ازمات المنطقة هو الاشد منذ تغير النظام الدولي حين انهار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن الماضي وتحكمت واشنطن بالسياسات العالمية.

ذروة الصراع والاحتقان الامريكي الايراني المتأرجح منذ الثورة الاسلامية في ايران فجره الرئيس الامريكي دونالد ترامب يوم الثاني من كانون الثاني حين وافق على تصفية طائرات امريكية لقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني ومن معه خلال خروجهم من مطار بغداد، اسباب كثيرة تحدثت عن اسباب العملية، ربما اقتراب موعد الانتخابات الامريكية دفع ترامب الى تسجيل "انتصار" امام الراي العام الامريكي يساعده في العبور الى ولاية ثانية بدعم اللوبي الصهيوني، وربما معلومات وزارة الدفاع الامريكية دقيقة حين بررت الاغتيال بأن سليماني كان يخطط لمهاجمة امريكيين في الشرق الأوسط.

وكأنه الحصار الذي لا مفر منه يحاول تطويق "الثورة الايرانية"، قائد التمدد الايراني الجنرال قاسم سليماني حقق بعضا من طموحات طهران في الاقليم، بصماته ظهرت جلية في دمشق وبغداد، تحديدا عام 2016 حين قاد حربا مضادة على تنظيم داعش الذي "انفلش" بشكل مخيف بين العراق وسوريا، نجح سليماني حينها وبمساندة روسية في قلب المعادلة وقضم الكثير من المصالح والمشاريع الامريكية في المنطقة، ولكن واشنطن كانت ترصد  قائد "الجيوش الصغيرة" باعتباره المهدد الاكبر لهيمنتها التاريخية، كثر يسألون لماذا قامت بتصفيته الان، يمكن الحديث عن اسباب ظرفية ولكن لا ننسى ان للسياسة الامريكية ضوابط استراتيجية موحدة ايا يكن الرئيس وتقضي بضرب اي منظمة او شخصية تشكل خطرا جديا على مصالحها في المنطقة والعالم.

سيناريوهات متعددة تحاك اليوم حول طبيعة المواجهة المقبلة خصوصا ان طهران و "محور المقاومة" توعدوا بقلب معادلات المنطقة ردا على قتل سليماني، ولكن نلاحظ هدوء طهران على قاعدة السعي الى نيل مكاسب سياسية وميدانية مشتركة، هي تدرك ان جزء كبيرا من الاحتجاجات المندلعة في بغداد وبيروت كانت ولا تزال تناهض السياسة الايرانية، فهتافات العراقيين وسط بغداد هاجمت وبقوة سياسة طهران تجاه بلادهم، هم اسقطوا رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الحليف الاول لها، العراقييون يريدون خروج الامريكيين ويرفضون ايضا التغلغل الايراني في عمق بلادهم، قرار البرلمان العراقي بالمطالبة بانسحاب القوات الامريكية من البلاد قد يصطدم بحواجز سياسية وامنية كبيرة، تسأل القوى العراقية نفسها حول القدرة على مواجهة عقوبات اقتصادية ضخمة هدد بها الرئيس الاميركي في حال اصرت بغداد على خروج قواته من العراق دون تنسيق وموافقة منه، هنا تبدا التكهنات حول طبيعة الرد الايراني المستقل عن حلفائها!

تنشط الاتصالات الدولية لضبط طهران نحو رد محدود لا يؤدي الى حرب على نطاق واسع، الاحتمال الاكثر رواجا هو ضربة عسكرية للقوات الامريكية في الاقليم يعيد بعضا من قواعد اللعبة بين الطرفين، الاحتمال هذا يتناقض مع ما اعلنته بعض القوى الحليفة لطهران حول اخراج جميع القوات الامريكية من المنطقة، وهنا تظهر المعضلة الاخطر.

 في الحسابات الايرانية سعي نحو مزيد من ما يعتبر "نجاحات" في عدد من العواصم العربية، هذا النجاح لا يستمر الا بمواصلة الدعم للحلفاء عسكريا وسياسيا في مواجهة النفوذ الامريكي، مع علم الطرفين انهما "قوتين طارئتين" على شعوب المنطقة واهلها، ولا بقاء لهما الا بحلفائهما، لن ترضى واشنطن بخروج مذل من العراق والاقليم او تقديم هدايا مجانية لاعدائها لا سيما في المناطق النفطية، لذلك تبدو المواجهة طويلة ستستنزف خلالها وكالعادة شعوب المنطقة، انه الطريق الطويل.. الطويل.. سنقطعه الى آخره.. لن نخسر شيئا غير غبار الخائنين.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa