"حزب الله" الأقوى في لبنان.. أي "مشروع" سياسي؟

25/03/2020 11:19AM

قسمت الحرب الاهلية لبنان اشلاء منسية، تركه الاقليم والعالم يتناتش جثثا مرمية، ربما اهله اول من خانه لاطماع وزعامات آنية، ثقبه الرصاص من كل الجهات، اثقلته الصراعات حتى توزع مثل مزارع تسودها تقسيمات حزبية، بات الخلل في كيان الدولة ظاهرا جليا، اما الاحزاب الطائفية فأعتلت العرش عبر كرسي الطائف واوصلتنا الى الافلاس الاعظم، ليس هذا فقط، زاد الاجتياح الاسرائيلي مطلع الثمانينيات من شدة الازمات، ليؤسس بعدها مقاومات من حركات شيوعية واخرى قومية ناصرية، حتى رست نهاية ومع صعود الثورة الايرانية على حزب الله الذي قاد المواجهة الاكبر ضد الاحتلال.

شق الحزب طريقه بنجاح، اثمرت دماء الشهداء نصرا عام 2000، الكل وقف مزهوا مفتخرا، انه الربيع اللبناني في اوج تألقه، نصر كامل التكوين، بقي الحزب متكئ المقاومين ومبعث الثائرين... ثم هدأت الريح، وفجر اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 الكيان من جديد، حينها اسقطت واشنطن المظلة من على دمشق واضحى خروجها من بيروت امرا محتما، تبدلت وقتها استراتيجيات الحزب، وبين الخوف من انقضاض داخلي وخارجي عليه، ومن حسابات تتصل بالسلطة والمستقبل، قرر دخول الحكم بما يتوفر له، ربما لم يدرك حينها ان السلطة ستكون الاشد تاثيرا على مساره المقاوم، كيف يستطيع التوفيق بين خلفيته المقاومة والفكاك من تعقيدات الداخل ومتاهات الحكم!

حين بلغت ما سميت "المارونية السياسية" اوج مجدها مع الرئيسين فؤاد شهاب وكميل شمعون شهد لبنان تأسيس دولة مؤسسات ورغم تشددها واتهامها بالانحياز، كانت المرحلة الاكثر املا، وبعد الحرب تربعت "السنية السياسية" وحلفائها عرش السلطة، شجعت السياحة وطورت الخدمات المصرفية ، وفي حين اعتبرت سياسة الحريري الاب او من عاونه وقتها بداية الدين العام لكنها نجحت الى حد ما في الحفاظ على استقرار برعاية سورية من دون رؤية مستقبلية لدولة مؤسسات، اما الان فيحمل كثيرون حزب الله مسؤولية قيادة البلاد ويسألون عن "الشيعية السياسية" وتحديدا عن دور الحزب وقدرته على ادراة البلاد.

في الملفات الداخلية لا يمكن لحزب الله السيطرة على كل مراكز التعيينات الكبرى، ولكن يستطيع فرض ارادته في كثير من القررات الاستراتيجية، يقول خصومه انه هو من قرر تكليف حسان دياب لرئاسة الحكومة او اقله كان المقرر الاول والاخير في التوجه نحو حكومة اللون الواحد، ولو بعنوان حكومة اختصاصين، وكأننا هنا امام نصف حكم للحزب، ومع تفاعل ارتدادات كورونا الكارثية على الاقتصاد يطالبه البعض بقيادة اكثر حزما وعزما لتخليص البلاد، بعض من هؤلاء تاخذهم خلفيته المقاومة الناجحة بعيدا، اما اخرون فيذكرون بتعقيدات الداخل ويستبعدون نجاحه.

الان يبدو حزب الله في "هدنة حرب" مع المصارف، ربما  كانت تعرقل تحويلاته المالية، خصوصا ان حاكم مصرف لبنان مدعوم امريكيا، و حتى الساعة تبدو المصارف اكثر قوة رغم رضوخها لبعض الضغوط من قبل الحزب  ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ابدى حرصا لافتا في موضوع حماية المودعين الصغار، هنا تطرح تساؤلات عن ارتكابات السلطة السابقة لجهة العلاقة مع المصارف وحجم سطوتها ودينها للدولة، ما يمنع اي توجه لتاميمها وسط تاكيد "الحاكم المركزي" انه لن يسمح بافلاس اي مصرف خاص لو على حساب اموال المودعيم كما يتهمه قسم كبير من اللبنانيين.

في اخر خطاباته ابدى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وكعادته حرصا على تهدئة المخاوف اللبنانية وتحدث عن ضغوطات امريكية كبيرة على البلاد، ما اعتبره البعض ادراكا من قبل الحزب لحجم التحديات الاقتصادية ، قد لا يريد ان يقف الحزب ويتحمل عبئ ونتائج الوقوف امام العقوبات الامريكية وانهيار الليرة امام الدولار. 

ومع تأكيده ان "الحزب لم يقدم خطة اقتصادية للحكومة، وإن كان لديه خطة ورؤية وأفكار أساسية لم يقدم أي خطة لأن ذلك من مسؤولية الحكومة"، سجل خطاب السيد نصرالله مرونة في الموقف لجهة الاستعداد لقبول مساعدة من صندوق النقد الدولي شرط أن لا يربط ذلك لبنان بالتوطين ما يظهر حرصا على عدم المساس بالتكوين اللبناني الدقيق، وفي حين يرفض تقديم خطة تحمل اسمه ولا يريد تحمل المسؤولية وحيدا عن تبعات اقتصادية راكمها فريق منذ عقود، قد يكون ينتظر الفرصة المناسبة للتغلغل اكثر في مفاصل الدولة.

كيف يتفلت من الخصوم والحلفاء في الدولة، ربما يرسم استراتيجة الخروج التدريجي والامساك بمفاصل الدولة تباعا، ورغم ان التوزيعات طائفية لكن حلفائه كثر، قد يملك مشروعا اقتصاديا كاملا الا انه يفضل عدم تطبيقه الان، لان احتمالية الفشل واردة.

الاحزاب اللبنانية لا تملك رؤية اقتصادية جدية لخلاص البلاد، نعم بالتاكيد، فكل حزب مشغول بتوزيع الحصص ضمن طائفته، والا فهو الى زوال محتم بغياب استراتيجية وطنية لاستمراره حيا في "وادي الذئاب " اللبناني.

 البعض يطالب حزب الله بالبقاء كقوة ردع حدودية وترك العمل السياسي، لكن يبدو ان طريق الخروج من السلطة بعيد، يستطيع التقدم اكثر ان اراد ذلك.

اذا عدنا للتاريخ قليلا، لا ننس ان الجنرال الفرنسي شارل ديغول ترك بصمات واضحة في تخليصه فرنسا من النازية، تحت شعار “التقدم هو الشرط الوحيد للاستقلال”،نجح ديغول بذلك، الا انه فشل في محطة سياسية واحدة عام 1969 حين طرح مشروعا للاستفتاء، يتعلّق بتنظيم المحافظات ومجلس الشيوخ،  وحين اخفق واصطدم بمعارضة بلغت نسبتها 52%، اعلن  في اليوم نفسه استقالته من منصبه، حينها ادرك هو، فقط هو، ان "الخيال هو الواقعي على خشبة المسارح".


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa