الشيعية السياسية عينها على المثالثة وتتصرّف مع باقي الطوائف على قاعدة “ما لنا لنا وما لكم لكم ولنا”

20/09/2020 01:26PM

كتب سعد الياس في القدس العربي: 

من ينظر إلى المشهد السياسي والطائفي في لبنان يكتشف أن هذه الفسيفساء باتت مقسّمة حسب الخريطة الآتية: أكثرية موصوفة من السنّة والمسيحيين والدروز في جهة وأكثرية موصوفة من الشيعة في جهة أخرى. لا الأكثرية السنية والمسيحية والدرزية تريد عزل الأكثرية الشيعية ولا الأكثرية الشيعية تستطيع عزل الأكثريات السنية والمسيحية والدرزية وتهميشها. هي لعبة عض أصابع يتهم فيها الثنائي الشيعي قوى لبنانية داخلية بالاستقواء بالخارج لتشكيل حكومة أمر واقع مقابل إتهام هذه القوى الفريقين الشيعيين “حزب الله” و”حركة أمل” بالاستقواء بالسلاح لفرض أمر واقع جديد يبدأ بفرض “بدعة” التوقيع الشيعي الثالث من خلال التمسّك بحقيبة المال ولا ينتهي بفرض المثالثة في النظام السياسي اللبناني، بحيث تتحوّل المناصفة المسيحية الإسلامية إلى مثالثة سنية شيعية مسيحية يذوب فيها حضور بعض المذاهب والأقليّات على غرار الدروز والكاثوليك والأرمن.

وإذا كان اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً قلّص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني ووضع جزءاً من صلاحياته التنفيذية في مجلس الوزراء مجتمعاً، فإن هذا الأمر تمّ بموافقة مسيحية ولو على مضض نتيجة الخلل في التوازن الوطني والعسكري الذي تسبّبت به حربا التحرير والإلغاء اللتان أعلنهما الجنرال ميشال عون عامي 1989 و1990 وأنهكتا المجتمع المسيحي. أما ما يجري اليوم فهو محاولة شيعية لفرض تعديل دستوري من دون موافقة الأكثريات السنية والمسيحية والدرزية، يقضي بتكريس حقيبة المال كعرف للطائفة الشيعية، من خلال الاستفادة من فائض القوة المسلّحة في مواجهة طوائف منزوعة السلاح، وإذا تمّ تأليف حكومة من دون إسناد المالية لشيعي يسمّيه الثنائي عندها الويل والثبور وعظائم الأمور والتهويل بالفتنة والحرب أهلية بحجة الاعتداء على حقوق الطائفة الشيعية.

ومن يراقب سلوك الشيعية السياسية المدعومة عسكرياً يلاحظ كيف أن الثنائي الشيعي عندما يتسلّم حقيبة وزارية أساسية أو موقعاً أمنياً حساساً من خلال مداورة أو من خلال ظرف معيّن، يضع يده على هذه الحقيبة أو الموقع ولا يعود يتخلّى عنه، ويتصرّف مع باقي الطوائف والمذاهب على قاعدة “ما لنا لنا وما لكم لكم ولنا”. هكذا أصبح الحال عندما عيّن الرئيس الأسبق أميل لحود اللواء جميل السيّد مديراً عاماً للأمن العام الذي كان للموارنة وإنتُزع منهم، وهكذا هو الحال اليوم مع حقيبة المال التي شغلها وزراء من كل الطوائف ويريد الثنائي انتزاعها وحصرها فقط بالطائفة الشيعية.

والأخطر أن حديث بعض السياسيين بمن فيهم حلفاء حزب الله في التيار الوطني الحر عن المداورة الشاملة يُقابَل بإعتماد المداورة في الرئاسات الثلاث وفي ما تبقّى من مواقع مارونية رئيسية شكّلت بالنسبة إلى الموارنة مصدر طمأنينة من طغيان العددية في لبنان، وأبرزها قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. والمعلوم أن هذا الأمر يقلق بطريرك الموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي كان حذّر علناً قبل أشهر من أي مساس بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة إدراكاً منه أن إقالته بحجة المساءلة و”ادائه المريب” هناك قطبة مخفية لوضع اليد على هذا الموقع لتكتمل “السيبة” بين وزارة المال ومصرف لبنان والنائب الأول للحاكم المحسوب على الثنائي. مع العلم أن قيادة الجيش وإن كان يشغلها ماروني فإن علامات استفهام كثيرة تُطرَح منذ سنوات حول حرية حركتها وحول أدائها، بحيث تستقوي وحدات الجيش وتفرض هيبتها في مناطق محددة وتبدو عاجزة ومتفرّجة في مناطق معروفة تخضع لنفوذ حزب الله. وهذا ما يُترجَم بشكل دائم من خلال قمع التظاهرات السلمية سواء في جل الديب أو زوق مصبح أو الناعمة أو في مستديرة الصيّاد أخيراً، فيما وقف الجيش مكتوف اليدين في 7 أيار/مايو عندما إجتاح حزب الله بيروت والجبل.

وفي عودة إلى عام 2005 بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبروز ثورة الأرز رفضاً للوصاية السورية واختلال التوازن الداخلي، مدّت قيادات 14 آذار يدها إلى الثنائي الشيعي في محاولة للبننة حزب الله وعقدت التحالف الرباعي الانتخابي معه، اعتقاداً منها أن احتضان الحزب لبنانياً سيدفعه إلى التخلّي عن مشروعه وفك ارتباطه بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن الحزب عندما اشتدّ عوده والتقط أنفاسه انقلب على مقررات الحوار الوطني عام 2006 ووجّه سلاحه نحو الداخل بعد حرب تموز وفرض أمراً واقعاً من خلال القمصان السود، وأطاح بالرئيس سعد الحريري قبل دخوله للقاء الرئيس الأمريكي.

وما زال حزب الله يتكّل على فائض القوة والتعبئة المذهبية لتحقيق مكاسب في النظام، وهو اليوم يرفع مع الرئيس نبيه بري سقف المواجهة مهدداً بانهيار البلد التام اقتصادياً ومالياً من خلال افشال المبادرة الفرنسية، والتهديد بأخذ لبنان إلى الفوضى في حال عدم منح الثنائي حقيبة المال في الحكومة العتيدة، معتمداً على أن فرنسا التي التقى رئيسها إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر إلى جانب رؤساء الأحزاب والكتل رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد حريصة على نجاح مبادرته، ولذلك قد لا تقف فرنسا ممانعة في مواجهة التصلّب الشيعي وقد تقبل بتسوية تحقّق المبتغى الشيعي بالحصول على المالية برعاية فرنسية، الأمر الذي يطوّب هذه الحقيبة نهائياً للشيعة في أي حكومة مستقبلية بحجة مشروعية التوقيع الشيعي الثالث، وهذا غير منصوص عليه لا عرفاً ولا دستوراً. والحديث عن تأمين “الميثاقية” غير مبرّر لأن هناك مراسيم يمكن أن تصدر من دون توقيع رئيس الجمهورية الماروني وذلك عملاً بأحكام المادة 56 من الدستور التي تتيح صدور المراسيم والقرارات التي يتخذها مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ إيداعها رئاسة الجمهورية إذا انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته. فهل تُعتبر هذه المراسيم غير ميثاقية لعدم توقيعها من قبل الرئيس المسيحي؟ وماذا عن مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة الذي يوقّعه فقط رئيس الجمهورية هل يُعتبَر غير ميثاقي لافتقاده التوقيعين السنّي والشيعي؟


المصدر : القدس العربي

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa