قرار الحكيم "غير حكيم"؟

30/10/2018 07:20AM

للوهلة الأولى بيدو أنّ "مواصلة التنازل" القواتي بات مستغرباً والتسليم بـ"الأمر الواقع" غير مُرضٍ في زمن السلم المفترض. 

سيلٌ من ردود الفعل "المستنكرة" لموقف الحكيم "غير الحكيم" من الأحداث الراهنة بمسألة تشكيل الحكومة اللبنانية. 

ولكن فلندخل قليلا في زواريب القرار – الإعلان قبل إطلاق الفرضيّات والأحكام عليه. أبعادٌ داخلية حياتية وسياسية وأخرى خارجيّة في ظلّ التحديات المقبلة.



أولاً, رأى بعض المحبّين للقوات اللبنانية ولرئيسها سمير جعجع (ولا شكّ فعلا في نواياهم) أنّ الحاجة في المرحلة الراهنة هي لدعم قوّاتي لـ"المعارضة". وهنا لا بد من وضع أكثر من خطّ تحت كلمة "معارضة". فالمعارضة نوعان: معارضة بنّاءة لتسطير أخطاء حكمٍ وتصويبه وفرض ضغوطٍ عليه لعدم التمادي بسلطته, وإلاّ خسر في الانتخابات المقبلة. 

وهناك معارضة أخرى, هي تلك القائمة على "معارضة أيّ شيئ في سبيل الشعارات" ومتى استلم أصحابها "الشعائريين" الحكم فُضحوا في مصاعب التنفيذ ودهاليز التطبيق. 

فلننسى الحالة الثانية لأنها غير بنّاءة في الشأن العام ولنركّز على النوع الأول من المعارضة. 

هل مشكلة لبنان في مشروع اقتصادي أو إنمائي قائمٍ أصلاً وتعترضه وجهات نظر مختلفة؟ 

هل المؤسسات الدستورية والسياسية تسير بانتظام ؟

هل الديمقراطية في أوجها ضمن نظام "الأكثرية والمعارضة" في لبنان؟ 

هل المشاكل القائمة تحلّها نظرية – حكومة الأكثرية ومعارضة الأقلية أو "حكومة الظل" كما في الأنظمة المتقدمة على سبيل بريطانيا مثلاً؟ الجواب: كلا!

مشكلة الحكم في لبنان قائمة على مشاكل حياتية لا ترتقي بعد إلى "مشروع سياسي – اقتصادي" ليكون هناك مشروعٌ معارضٌ لها. وهنا ننتقل إلى النقطة الثانية.



ثانياً, ما أهمية تلك الوزارات التي تُسّمى سيادية في حلّ مشاكل المواطن اللبناني اليومية؟ فهل مشكلة لبنان حالياً في وزارة الدفاع أم في وزارة المال أم في وزارة الخارجية أم في وزارة الداخلية؟ مشكلة لبنان في طرقات مهملة من اختصاص وزارة الأشغال, ونفايات تغطّي البلاد حلّها في وزارة البيئة, وفسادٌ مستشرٍ حلّه في وزارة مستحدثة كوزارة "مكافحة الفساد" ومشكلة شبابٍ ألغوا زفافهم لأنّ بنك الإسكان أوقف القروض عنهم, ومشكلة بطالة تتآكل الجيل الحالي ... ومشكلة كهرباء يخجل المرء في طرحها لأنها غير مطروحة أصلاً في أي من دول العالم الثالث.


ثالثاً, قالها سمير جعجع: " لا وزارات حقيرة, بل أناس حقيرون" وقد صدق! لأنّ مشاكل لبنان اليومية لا تمتّ لا للدفاع ولا للأمن ولا للسياسة الخارجية بصلة بل بنظامٍ داخلي يتآكله عفن الفساد ولا يحتاج إلا لأشخاص صادقين في الشأن العام يرفعون عن سواعدهم وينتقلون للعمل فعلاً لا قولاً! فمعارضة الوضع القائم لا تأتي بنتائج بالتصريحات وتجسيل النقاط. ولو أنها ناجعة لكانت اصطلحت البلاد منذ العام 1990.

صحيح! فإنّ القوات أثبتت بوزرائها في الحكومة السابقة صدقّية والتزاماً أشاد فيهم الخصم السياسي قبل الحليف!

ونعم مصلحة لبنان في هذه المرحلة تحتاج مشاركة قواتٍ على شاكلة حاصباني ورياشي وبو عاصي (مع حفظ الألقاب, مع العلم أنهم ليسوا من جماعة الألقاب).

اليوم يحتاج لبنان وزراء في حكومة مسؤولون لا في موقع معارضة من خارجها!


رابعاً, وبالإذن من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل ومن طرح رئيس القوات سمير جعجع للجملة الشهيرة: "...    حيث أكون يكون رأس الطاولة". نعم رأس الطاولة اليوم هو في أيّ وزارة يتعاطى فيها الوزير بالتزام ٍ وشفافية وأخلاق وصدقٍ ويعلي فيها مصلحة مواطنٍ ووطنٍ على مصالحه الشخصية!

حلّ الوضع الحالي ليس في الوزارات السيادية بل بتلك الخدماتية – الحياتية! 


خامساً, أثببت التجارب أنّ موقع المعارضة من خارج الحكم, لا يأتي بانعكاساته إلا سلباً على الوجود السياسي للطرف أو الحزب في موقعه وحيثياته بالداخل اللبناني. فمقاطعة الحكومة تضع الفريق السياسي خارج الإطار العام وقد تؤدي للقضاء على وجوده التمثيلي أبداً. 

فتمثيل القوات في الوزارة السابقة (في الصحة والإعلام والشؤون الاجتماعية) ضاعف عدد نوابهم لنجاح التجربة ونيل الثقة بعد انتزاعها بـ"الصدقية والشفافية" في زمن الإحباط اللبناني – المواطن. 


سادساً, مشاركةُ القوات في الحكومة هو الضابط اللبناني لإيقاع ووقع المشاريع المشبوهة إقليمياً وأحاديّة القرار حكومياً (أقله مسيحياً من حلفاء حزب الله) في ظلّ تحديات سيتوجّب على لبنان الحذر منها وعلى رأسها العقوبات الأميركية على إيران وتبعاتها على حزب الله, إضافة للحكم المرتقب من المحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وغيرها من التطورات في سوريا سياسياً وأمنياً فاقتصادياً.

نعم! أصابت القوات بقرار المشاركة لأنّها اختارت الأصعب في زمن الشعارات والمعارضة "من بعيد لبعيد"! فما أسهل المعارضة والمطالبة بـ"الإصلاح والتغيير", من خارج الحكم!


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa