عن "تشكيلِ" الحكومة... واللّغة!

18/12/2018 08:05AM

كما في تشكيل الحكومة لوثةٌ كذلك في تشكيلِ اللّغةِ لوثات. هما الكأسان المُرّتان، يتجرّعُ أولاهما الشعبُ اللبناني برمّته على اختلاف مشاربه، فيما تتجرّع ثانيتَهما شِعابُ اللغويين من الحريصين على الهُويّة (بضمّ الهاء) كي لا نكون عربًا على ورق. 


المصيبة تُلمُّ بالحكومة واللُغة العربيّة على السّواء


صحيحٌ أنّ المصيبة تُلمُّ بالحكومة واللُغة العربيّة على السّواء، ولكنّ بونًا شاسعًا بين التشكيلَين.

- التشكيلُ الحكوميّ ليس سرمديًّا وإن طال أمدُه، أمّا التشكيلُ اللغويّ فستلازمه على ما يبدو "متلازمة المتطفّلين" سرمدًا.

- التشكيلُ الحكوميّ له رئيسٌ مكلَّفٌ إنجازه أشبهُ بأمين عليه، أمّا التشكيلُ اللغوي فلا من يُكلَّف الدفاع عنه رسميًّا سوى بعض "الخيّرين" من ذوي المبادرات الفردية والحرص الفطريّ.

- التشكيلُ اللغويّ هو وليدُ ظرفَي زمانٍ ومكانٍ محدّدين سرعان ما سينجليان ما إن تُحلَّ عقدةُ النواب الستّة السنّة، أما التشكيلُ اللغويّ فمفعولٌ فيه ما يعني أنه وليدُ كلّ ظروف الزمان والمكان، منصوبةٌ منه حالُه ومواضِعُه وكثيرةٌ عُقدُه حدّ أنها تحتاجُ إلى حكومةٍ من 4 ملايين وزير لإصلاح وضعه.

- التشكيلُ الحكوميّ يقيمُ الدنيا ولا يُقعِدها وتتدخّلُ دولٌ من أجل إتمامه بنجاح، أمّا التشكيلُ اللغويُّ فمتروكٌ لقدره ولبدَاهة بعض الوجوه المخضرمة التي أغفلت القواميسَ وتقرأ على قاعدة "يا ربّ تيجي في عينو"؛ وأخرى حديثة النشأة ما اشتمّت رائحةَ اللغة العربيّة بصرفها ونحوها ولا مرّت بقربها، فتدخل بيوتَ الناس بتشكيل "مشكَّل" ظنًّا منها أن التشكيل يعني التشكيلَ في التشكيل.

- التشكيلُ الحكوميُّ تُحترَم قواعدُه وأسسُه فيُمنَح كلُّ طرفٍ على أساس حجمه البرلماني في معادلة ماتيماتيكية صريحة، أمّا التشكيلُ اللغويّ فتُطاح قواعدُه ويُنكَّل بمعاجمه.

- في التشكيل الحكوميّ الفاعلُ واضحٌ (رئيسا الجمهورية والحكومة المُكلّف) والمفعول به لا لأجله معروفٌ (الشعب)، أمّا في التشكيل اللغويّ فالفاعلُ كثيرون حدّ الإجرام، والمفعول فيها هي اللغة وآذانُنا المخدوشة من سوء التعاطي مع الأمانة على شاشاتنا وإذاعاتنا. 


في التشكيل الحكومي 30 وزيرًا أمّا في اللغويّ فـ 28  حرفًا


- في التشكيل الحكومي 30 وزيرًا قد يغدون 32 بفعل توسيع رقعة التوزير لإرضاء جميع الأطراف ومع ذلك يجد "المُكلَّف" صعوبة في إنجاز التأليف، أمّا في التشكيل اللغويّ فـ 28  حرفًا لا يجيدُ أربابُ الإعلام التعاملَ معها في مواقعَها استهلالًا أو توسُّطًا. 

- في التشكيل اللغويّ حُسِم توزيع الحقائب على الكتل، أمّا في التشكيل اللغويّ فلا تليقُ أيُّ حقيبةٍ بسادة السياسة والإعلام وأيّ متعاطٍ باستهتار وجهلٍ مع أصول اللغة العربيّة:

فلا الزراعة تليقُ بهم لأنهم لم يزرعوا ليحصدوا.

ولا الصناعة تليقُ بهم لأنهم لم يصنعوا في اللغة سوى المجازر.

ولا السياحة تليقُ بهم لأنهم ليسوا الوجهَ المضيء للبنان الذي صدّر الحرف.

ولا الأشغال تليقُ بهم رغم أنّ لغتهم "زفت".

ولا الصحّة تليقُ بهم لأن لغتنا مريضة والترياقُ "المحجوبُ" في أيديهم.

ولا الطاقة تليقُ بهم لأنّ العتمة تحوم حول لغتهم بلا هوادة.

ولا الدفاع تليقُ بهم لأنهم ليسوا خيرَ مدافع عن لغتهن الأمّ.

ولا التربية تليقُ بهم لأنّ "الأدبَ" هجرهم منذ زمن.

ولا والمهجّرين تليقُ بهم رغم أنهم هجّروا قواعد اللّغة منذ زمن.

ولا البيئة تليقُ بهم لأنّ التلوّث يعشّشُ في لغتهم، لغتهم وحدهم.

ولا العمل تليقُ بهم لأنّ ما عملوه باللغة يتجاوز "السبعة وذمتها".

ولا الإعلام حتمًا يليقُ بهم لأنّهم "يُعلمون" غير الصواب و"يَعلمون" ماذا يفعلون... ومع ذلك ندعو لهم بالغفران والاهتداء بالصراط المستقيم صراط المعاجم القويم.

ربما هو الوقتُ المناسب لاستحداث حقيبة دولة تُعنى بـ "حقوق اللغة العربيّة" في موطنها. فكّروا فيها يا سادة...!


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa