المشنوق يخرج عفاريت باسيل و رولا "تطبش" الحريري

06/01/2019 05:17PM

شهدَ مسرحُ العلاقات الإسلامية المسيحية خلال الأسبوع المنصرم صورتين محمّلتين بالكثير من الأبعاد والمعاني والرمزية.

= الصورة الأولى هي صورة النائب رولا الطبش خلال وقوفها أمام مذبح إحدى الكنائس ضمن طقس المناولة في "قداس السلام" ، مع ما أثارته من تشنـّج وما تركته من تداعيات على الواقع الإسلامي الداخلي وعلى العلاقات الإسلامية المسيحية.

= الصورة الثانية: مشهد زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى بكركي وإطلاقه منها مواقف من العيار الثقيل حول الشأن الوطني والمخاطر التي يتعرض لها البلد نتيجة ما يجري من تلاعبٍ بالمصير في لحظة إقليمية شديدة التعقيد. 


• المشنوق: صيانة العيش المشترك

يحضر نهاد المشنوق إلى بكركي كرجل دولة ، مستحضراً أصول التعاطي والتواصل مع المرجعية المسيحية الأولى ، بعيداً عن الإنزلاق إلى مشهدياتٍ مثيرةٍ للجدل وبعيدة عن جوهر العلاقات الإسلامية والمسيحية ، وحاملاً ملفاتٍ ذات أهمية خاصة ، بدلَ سطحيةِ مقاربات النواب الجدد في التيار الأزرق.

ومن هنا كان حديث المشنوق مع البطريرك الراعي عن الوجود المسيحي في لبنان وإهدائه "الكتاب السنوي للديموغرافيا الدولية الدينية 2018"، الذي يتضمّن إحصاءات وتوقعات حول التغيرات الديمغرافية في العالم كلّه، ويتضمّن جانباً مخصّصاً عن لبنان  ، حيث قال المشنوق للراعي أن الأرقام "مطمئنة". 

يدرك المشنوق ، كما يدرك اللبنانيون ، أن أيّ خلل في التركيبة السكانية للبنان ، كفيلة بأن تقضي على هذا البلد الصيغة والرسالة ، وأن الوجود المسيحي حمى الجميع من خطر البطش والإذابة تحت وطأة ضغوط النظام السوري طيلة سنوات الوصاية السوداء..

لهذا جاء نقاش المشنوق مع البطريرك الراعي منطلقِاً من هذا العنوان الكبير الذي يشكّل المهمة الوطنية الأساس التي يجب على الساسة صيانتها وتحصينها في وجه المتغيرات والتقلبات ، وهذا موقف يذهب أبعد من المجاملة أو التضامن ، ليصل إلى الشراكة وتحمّل المسؤولية في هذه المهمة الدائمة.


• بين بكركي ودار الفتوى: الحضور الوازن

يحضر نهاد المشنوق إلى دار الفتوى حاملاً لقضايا وملفات جوهرية تمسّ عمق الحضور السني وتكون له مواقف واضحة ومبادراتٌ فاعلة ، في أدقّ الظروف وأصعبها ، لأن المشنوق دار الفتوى ، دائماً ، في موقعها الديني وفي رأس المعادلة الوطنية. 

بينما حضرت النائب الطبش إلى دار الفتوى مستغيثة ومستظلة بغطاء الدار لطيّ صفحة خطئها ومحاولة إستدراك الوضع الخارج عن السيطرة ، ولا يمكن في هذا السياق سوى التأكيد على إيجابية هذه الخطوة رغم تأخرها ، وقبل كل هذا وذاك ، التشديد على أهمية الموقف الإستيعابي لسماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي أعاد تصويب البوصلة بحكمته المشهودة.

وفي هذا المشهد المتباين صورة أخرى لما آل إليه حال التمثيل النيابي لتيار المستقبل.


• في السياسة ، لسعد الحريري: حان وقت المواجهة

إختار الوزير المشنوق منبر المرجعية المسيحية الأولى للمسيحيين في لبنان والشرق لمصارحة الجميع بحقيقة الموقف وللقول بكلّ صراحة إنّ "هناك صراعاً خفياً لكنّه جديٌ وعميقٌ، حول المسألة الرئاسية، فتح الباب لإخراج كلّ العفاريت السياسية التي نراها وتعطّل تشكيل الحكومة، وتنعكس ظاهرياً بحقيبة أكثر أو أقلّ".

وبعد خلوةٍ بين المشنوق والراعي ، شدّد وزير الداخلية على أنّ "الصوت العالي من بكركي هو دائماً صوت الحقّ مع سيّدنا البطريرك الذي يصل إلى كلّ اللبنانيين، سواء المقيمين أو المنتشرين، وهذه مسؤولية وطنية مقيمة في هذا الصرح ومستمرةّ ودائمة وهي حماية لبنان وسيادته واستقراره وسلمه الأهلي".


• إستعادة المبادرة في وجه الإبتزاز والعجز الأزرق

مع إستباحة وزير الخارجية جبران باسيل للمشهد السياسي وإستمراره في سياسة الإبتزاز والإستفزاز ، وغياب نواب تيار المستقبل ووقوع بعضهم تحت وطأة الحملات ، بينما يتعرّض موقع رئاسة الوزراء للتهميش والتهشيم.. بادر الوزير المشنوق إلى التحرّك والردّ بموقفٍ من العيار الثقيل المشبع بإستحضار العفاريت السياسية ، مما  إستدعى حضور باسيل على عجل إلى مقرّ الصرح البطريركي ليردّ على كلام المشنوق بإنفعالٍ واضح وبموقف من "فسّر الماء بعد الجهد بالماء".

إختار المشنوق بكركي ليوجّـه رسالة إضافية للرئيس سعد الحريري مفادُها أنه لم يعد جائزاً ولا ممكناً السكوت على العدوان السياسي لباسيل وحان وقت المواجهة وإستعادة زمام المبادرة ، سواء فيما يتعلّق بالحفاظ على صلاحيات ومقام رئاسة الحكومة ، أو بما يرتبط بتفاصيل الحركة السياسية التي يبدو فيها الحريري الطرف الأضعف.  

في حركة المشنوق السياسية رسائل ثقيلة الوقع على من يجهدون لإقصائه عن المشهد السياسي وإحلال نماذج لا تتقن سوى الإغراق في الشكليات محله ، يرى اللبنانيون كيف تظهر صورة تيار المستقبل على المستوى السنـّي وعلى المستوى الوطني ، بعد مغادرة القامات الكبرى لصفوفه ، وأولهم فؤاد السنيورة ، وإقصاء الأقوياء وأبرزهم أشرف ريفي وأحمد فتفت ، بينما يستعد آخر الكبار للخروج مع تشكيل الحكومة الجديدة.


• فوضى "المستقبل" والغياب العاجز

ساد التخبّط منذ لحظة شيوع خبر تقدّم النائبة الزرقاء للمذبح وإنتشار الصور ، إلى حين إصدارها بيان زيارتها لدار الفتوى ولقائها سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وأمين الفتوى فضيلة الشيخ أحمد الكردي وإعترافها بالخطأ الحاصل معها وتراجعها عنه ، بعد تعرّضها لحملة شرسة نتجت عن بيانها الأول الذي إتسم بالتبرير والإستهتار والتعالي على الناس وما حملته من نقدٍ ثبتت صحته مع تراجع النائب الطبش في دار الفتوى.

فشلت النائب الطبش في إدارة الأزمة فشلاً ذريعاً ، ويمكن قراءة الفشل في النقاط الآتية:

ــ أنها إضطرت لإدعاء الجهل لتبرير خطئها ، وهذا لا يليق بمحاميٍ ثم نائب عن الأمة ، ويكشف إفتقارها مع من تمثلهم من نواب تيار المستقبل الجدد للكفاءة والخبرة ، خاصة أن هؤلاء النواب يـُفـترض أن يكونوا مؤهلين وعلى علم بمثل هذه المواقف.

ــ حاولت النائب الطبش الإلتفاف على الخطأ عبر مهاجمة المنتقدين والتستر بلباس العيش المشترك ، عبر بيانٍ لاذع ساهم في إثارة الرأي العام ضدها بشكل واسع ، بينما كان بإمكانها التراجع بشكلٍ لائق يراعي أصول الدين الإسلامي ويحفظ طيب العلاقة مع المسيحيين.

ومن المؤسف أن النائب الطبش أثارت الرأي العام الإسلامي في خطئها والرأي العام المسيحي بسبب سوء تدبيرها بعد التراجع.

بدا واضحاً تيار المستقبل ، عبر ممثليه ، بعيداً جداً عن قاعدته الشعبية ، وأن ممثليه الجدد لم يستطيعوا فهم شارعهم وطبيعة تمثيلهم له.

وأظهرت قضية النائب الطبش غياب إدارةٍ سياسية وإعلامية كفوءة لدى تيار المستقبل ، وبدا ذلك من الإرباك الشديد الذي ساد الموقف والصمت التام الذي سيطر على بيت الوسط ومقارّ التيار.


• إنفصام التيار وشطحات الرئيس

يفهم المشنوق عمق التكوين اللبناني المستنِد إلى الشراكة الإسلامية المسيحية في الكيان والدولة والمؤسسات وأهمية التوازن وإزالة الهواجس وتعبيد الطرقات أمام التعاون في بناء الوطن والإستعدادات للتسويات الصالحة للحياة ، بينما يجري العبث بهذه الأصول من خلال ممارساتٍ إستعراضية مؤذية ، لا يمكن تحميل رولا الطبش مسؤوليتها منفردة ، بل إن المسؤول الأول عنها هو رئيس التيار سعد الحريري الذي أسّس لإنفصامٍ غير مسبوق لدى تياره ، ما بين إعلانه نفسه "بيّ السنة" وبين إصراره على ليّ ذراع الدين عبر شطحات إجتماعية وتشريعية ، وتطويعه لصالح طموحاتٍ سياسية باتت محاصرة بالعجز والنفاق والتكاذب.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa